السمكة وقرينتها

16 ابريل 2015
"طهران 88"، علي رضا فاني/ إيران
+ الخط -

نظر الرجل إلى الأسماك خلف الزجاج، كانت هادئة ومعلقة. تحتها مباشرةً تكدست مجموعة من الحجارة بطريقة تشبه عرشاً ينتهي بجدار يمتد بشكل شبه دائري، يغوص آخره في العتمة. تقدّم في اتجاه حوض السمك الضخم القابع في زاوية القاعة ذات الإنارة الخافتة، التي تحولت جدرانها بالكامل إلى معرض زجاجي يضم أسماكاً كبيرة ملونة ومتنوعة.

كانت الأضواء تسقط من أعلى الجدران الزجاجية في اتجاه الماء لتضفي على الأسماك فرحاً خفياً، وكأنها ملائكة تسبح في فضاء لا متناهٍ من الفراغ. راح الرجل يراقب الأسماك وهي تخرج من حيز معتم إلى آخر مضيء وكأنها طيور معلقة بلا أجنحة. ولو أن فقاعات الأوكسجين لم تكن تصعد من أفواه السمك إلى السطح لما أمكن لأحد أن يدرك وجود الماء.

كان غارقاً في تأملاته حين بات اهتمامه ينصب على سمكتين مختلفتين عن بقية أسماك الحوض. سمكتان صغيرتان تتقابلان وجهاً لوجه ثم تذهبان بعيداً، وفجأةً، وبشكل مباغت، تسبحان بسرعة نحو الأعلى، وفي منتصف الطريق تنعطفان نزولاً وتتوقفان لتحدق كل واحدة بالأخرى وكأنهما تتبادلان القبل.

بدا المشهد بالنسبة إلى الرجل غير مألوفٍ، وكأنه لم يره من قبل، فكل سمكة في الأحواض لها طريقتها الخاصة في السباحة والتخفي وحساسيتها تجاه بقية الأسماك. خارج الأحواض أيضاً، في الطرقات والأزقة والأقفاص، هناك طيور وحيوانات وبشر كثر، وحتى النجوم في السماء، كلها تتحرك بطرق خاصة، كل شيء يفعل ذلك عدا هاتين السمكتين الصغيريتين، فهما تتحركان بانسجام لم يعهده من قبل.

حتى أوراق الشجر في الخريف تتساقط بمعادلات فردية، فكل ورقة تختار طريقة وزمن سقوطها، كذلك الأزهار في المزهرية تختار كل واحدة موعد ذبولها الخاص. ربما  المطر وحده من يحقق درجة متفوقة في الانسجام، فبخار الماء يصعد ككتلة واحدة ويشكّل قطعان الغيوم بانسجام محترف ما يلبث أن يهطل مطراً منسجماً أيضاً. لكن مع ذلك، فإن انسجام حبات المطر ليس كانسجام هاتين السمكتين، فهما ترقصان على لحن موسيقي واحد بحركات مطابقة.

بينما الرجل غارق في أفكاره عن الانسجام ومعالجة أسئلة لا تنتهي، دخلت امرأة عجوز تصطحب معها طفلاً صغيراً. وعلى الفور، علت الدهشة وجه الطفل المحاصر بالأحواض والأسماك والأنوار من كل جانب، بينما راحت المرأة تشير بإصبعها من حوض إلى آخر.

قرر الرجل الاقتراب أكثر من السمكتين التوأم ليستمتع بكل هذا الجمال. وبشيء من الشغب، انسلَّ الطفل من جانب الرجل، وحاول رفع نفسه نحو أعلى الحوض لمشاهدة المنظر من أعلى. حاولت المرأة مساعدته لكنها لم تستطع. تقدّم الرجل وأمسك بالطفل من تحت إبطيه ورفعه. مرَّ وقت قصير قبل أن يخاطب الرجل الطفل:

ـ انظر إلى هاتين السمكتين الصغيرتين، إنهما جميلتان ورائعتان.

في تلك اللحظات كانت السمكتان تتقابلان من ناحية البطن بشكل جانبي وتضربان الماء بزعانف رقيقة. بدا الضوء الساقط من الأعلى أشبه بقدوم الفجر قبل موعده، بينما راحت السمكتان تلتفان حول بعضهما وتأكلان من شيء غير مرئي في أعلى الحوض. تمتم الرجل قرب حافة أذن الطفل:

ـ انظر، يا للروعة! انظر إلى هاتين السمكتين الصغيرتين.

ـ أي سمكتين؟ رد الطفل باستغراب عبثي.

ـ هاتان، هاتان، لاحظ هذه وأختها.

تنقل الطفل بعينين مليئتين بالدهشة بين الحوض ووجه الرجل، وقال بصوت يملأه اليقين:

ـ ليستا اثنتين.      

ـ بلى، انظر إلى السمكتين

ـ نعم، نعم، إنني أنظر، ليستا اثنتين. هذه سمكة واحدة. تعال وانظر من الأعلى. هذه سمكة واحدة، أما الثانية فهي إنعكاس الأولى على الزجاج من حيث تنظر. تعال إلى هنا وانظر من الأعلى، من جهة الضوء، إنها سمكة واحدة.

مر وقت ليس بالقصير قبل أن يُنزل الرجل الطفلَ من على كتفيه ويتوجه نحو حوض آخر وهو يتمتم:

ـ يا للروعة، فليس باستطاعة أحد في القاعة أن يحملني إلى أعلى الحوض كي أرى الحقيقة!



* قاص إيراني من مواليد 1923، وواحد من رواد كتابة القصة القصيرة في إيران. لديه أكثر من 10 مجموعات قصصية. هاجر بعد "الثورة الإسلامية"، ولا يزال يعيش خارج البلاد.

** ترجمة عن الفارسية: عبد القادر فايز
المساهمون