وفي رد حكومي سريع على بيان التيار السلفي، قال وزير الشؤون الدينية والأوقاف الجزائري، محمد عيسى، خلال مؤتمر ديني عقد في منطقة غليزان، غرب الجزائر، إن "الدولة ستتولى مواجهة الأفكار الطائفية التي تحاول تقسيم المجتمع بعيداً عن انتمائه للسنة والجماعة". وعبر عن مفاجأته بما اعتبره تحولاً خطيراً في موقف التيار السلفي. وقال إن "مدرسة، كان يعتقد أنها تريد أن تنتمي إلى أسلاف الأمة، أعلنت منذ أيام عن فكر إقصائي تختزل من خلاله الانتماء للسنة والجماعة في مجموعتها فقط، مخرجة أغلب الأمة من دائرة الانتماء للسنة والجماعة". وأضاف عيسى أن "الدولة ستتولى مواجهة وتطبيق القانون على أصحاب هذه الأفكار المنحرفة، ولن يتم التغافل عن هذه الممارسات مثلما كان يجري في السابق، حتى لا تتغلغل في عقول أبنائنا وفي مدارسهم ومساجدهم وجامعاتهم وحتى لا تكون سبباً من جديد في إراقة دماء الجزائريين". وشدد على أن "المطلوب هو تعزيز السلم الذي استقر في الجزائر بعد سنوات من العنف والإرهاب، بفضل تضحيات قوات الأمن والمواطنين، وبفضل سياسة المصالحة الوطنية". وحذر من أن تكون هذه الأفكار "الخطر المقبل الذي يواجه المجتمعات الإسلامية، بعد تلاشي جماعة داعش كمجموعة صنعتها استخبارات أجنبية لتحقيق مآرب سياسية".
ويتخوف القيادي في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، عمار طالبي، من أن تؤدي الأفكار الدينية للتيار السلفي في الجزائر للعودة بالبلد إلى فتنة التسعينيات. واعتبر أن ما أدلى به زعيم التيار السلفي محمد فركوس "كلام مثير للفتنة من جديد، ومن شأنه أن يؤدي بالبعض إلى التكفير، وما داعش وقبله القاعدة إلا من هذه العقلية العمياء". وعانت الجزائر من أزمة أمنية دامية بداية التسعينيات بسبب تيار سياسي دخل في استقطاب مع السلطة والجيش، بالاعتماد على فكر المغالبة والتشدد، ما أدى، إضافة إلى عوامل سياسية وأمنية متداخلة، إلى تدخل الجيش، في يناير/ كانون الثاني العام 1992، لوقف المسار الانتخابي الذي كان يتجه لصالح الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي تمثل هذا التيار، وأدخل البلاد في دوامة من العنف السياسي والإرهاب، خلفت 200 ألف قتيل و7400 مفقود وتخريب 40 ألف منشأة اقتصادية، وما يعادل 50 مليار دولار من الخسائر الاقتصادية.
ويتهم الباحث في الإسلاميات والنائب السابق في البرلمان، عدة فلاحي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، الحكومة بالتراخي منذ فترة في محاربة تغلغل التيار السلفي مجدداً في المشهد الديني في الجزائر تحت عناوين مختلفة. وقال "منذ مدة ونحن نحذر من هذا التيار السلفي المدخلي، المدعوم من السعودية، والذي يتغلغل باسم الدين في المساجد وينشر التفرقة والفتنة ويثير قضايا تافهة، كحرمة الاحتفال بالمولد النبوي وأكل الحلوى التقليدية، وصولاً إلى ما يمكن أن نعتبره تكفيراً وتقسيماً سياسياً على أساس ديني، بين من هو من أهل السنة ومن ليس منهم"، محذراً من أن يندفع هذا التيار في مرحلة لاحقة، وفي حال عدم كبحه من قبل الحكومة والمرجعيات الدينية الوسطية، إلى مزيد من التشدد.
لكن المهتم بالشؤون الإسلامية، رشيد الجزائري، يعبر عن اعتقاده بأن السلطات في الجزائر هي التي كانت تقف خلف دعم هذا التيار الديني في مرحلة سابقة، على خلفية موقفه السياسي الذي يحرم التظاهرات والإضرابات والخروج على الحاكم، واستغلاله في مواجهة التيار السلفي الجهادي في التسعينيات. وقال "المشكلة التي اندلعت في الجزائر في العام 1992 كانت سياسية، والسلطة آنذاك وظفت التيار السلفي العلمي، الذي يحرم الخروج على الحكام والتحزب والإضرابات والمسيرات والانتخابات، لإضعاف الجبهة الإسلامية للإنقاذ سياسياً وتنفير الناس منها، فسمحوا لدعاة هذا التيار بنشر أفكارهم وكتبهم وفتاويهم ووظفوهم كأئمة في المساجد". وأشار إلى أن استتباب الأمور والاستقرار الأمني في البلاد، وبروز نزعات التشدد والمغالاة لدى هذا التيار، قد تفتح باب المواجهة غير المعلنة بين السلطة والتيار السلفي، الذي استفاد لفترة من دعم السلطة أو تواطؤها على الأقل لتغلغله. وقال "السلطة تعتقد أن الوقت قد حان لإرجاع التيار السلفي إلى موقعه بعد انتهاء مهمته في الجانب السياسي، وأعتقد أن البيان الذي أصدره زعيم هذا التيار، الشيخ محمد فركوس، قد يمثل للسلطة الفرصة للقيام بذلك، وخصوصاً أنه دخل في مواجهة مع الزوايا الدينية، أو ما يعرف بالصوفية، التي تُعتبر أكبر قوة اجتماعية ودينية تدعم السلطة السياسية في الجزائر".
ومنذ اعتلائه سدة الحكم في الجزائر في العام 1999، أعاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الاعتبار للزوايا الدينية والصوفية بسبب عمقها الاجتماعي، خصوصاً في المدن الداخلية، وباتت الداعم الديني الأول لسياساته وتوجهاته، ودخلت المعترك السياسي بعد سنوات من الفتور بسبب طغيان التيارات الدينية الحركية، مثل جماعة الإخوان المسلمين والسلفية. وقبل أشهر أعلنت تنظيمات الزوايا الدينية، الموحدة في تنظيم خاص، دعوتها لبوتفليقة للترشح لولاية رئاسية خامسة في الانتخابات المقررة خلال ربيع 2019. وعبرت قيادات في تيار الإخوان المسلمين في الجزائر عن بالغ دهشتها لما وصفته بـ"انزلاق" قيادات التيار السلفي إلى منطق الإقصاء. وقال القيادي في حركة مجتمع السلم، التي تمثل "الإخوان"، ناصر الدين حمدادوش، إن "إخوان" الجزائر أكثر من وقف ضد فكر التطرف والإقصاء والتشدد والإرهاب في التسعينيات في الجزائر عندما اختفت كل التيارات الدينية، ودفع "الإخوان" الثمن غالياً، إذ اغتال الإرهاب 500 من كوادر التنظيم، مشيراً إلى أن عودة هذا الفكر الذي يفرق بين الجزائريين هو من الخطورة التي تؤسس لما بعدها. وتأتي هذه التطورات في الجزائر في ظل تحذيرات مستمرة من إمكانية استغلال التنظيمات المتطرفة لفتاوى متشددة كهذه، وخصوصاً أن الجزائر تواجه تهديدات، عبر تواجد تنظيمات متطرفة، مثل "القاعدة" و"أنصار الإسلام"، على تخوم حدودها الجنوبية مع مالي والنيجر، وفي ظل تقارير استخباراتية وسياسية تتحدث عن إمكانية أن يستهدف "داعش" منطقة الساحل القريبة من الجزائر لإقامة منطقة نشاط جديدة له تمتد حتى ليبيا، بعد هزيمته في العراق وسورية.
ويعتبر تيار السلفية العلمية في الجزائر امتداداً لمرجعبات وهابية في السعودية. ويحظى هذا التيار بدعم هيئات دينية مركزها في السعودية، إذ أصدر زعيم التيار ربيع المدخلي المقيم في المملكة قبل أسابيع تزكيته لمحمد فركوس، وهو دكتور يحاضر في جامعة العلوم الشرعية في الخروبة وسط العاصمة الجزائرية، كزعيم للسلفية العلمية في الجزائر، رفقة شخصين آخرين هما علي بوجمعة ولزهر سنيقرة. لكن ثمانية من كبار قادة التيار السلفي في الجزائر بينهم الشيخ المعروف في السعودية عبد المالك رمضاني، نازعوه الزعامة. وتجري على مواقع التواصل الاجتماعي مواجهة مفتوحة بين الطرفين. واعتبر المناوئون الثمانية أن تزكية ربيع المدخلي من الرياض تعد تدخلاً في الشأن الجزائري.