السلطة و"البقر المقدس"
من راقب عملية اغتيال الوزير الفلسطيني، زياد أبوعين، على الهواء مباشرة، وترقب رد فعل قاسياً من السلطة الفلسطينية، عليه أن يعيد حساباته وآماله، والاكتفاء بالتحسّر على الشهيد وانتظار الشهيد القادم، مسؤولاً كان أم مواطناً عادياً، فذلك لن يغير من السلطة الفلسطينية في شيء. وكل التهويل بوقف التنسيق الأمني، باعتباره الرد الأقسى على استشهاد أبوعين، سيذهب في الساعات أدراج الرياح، وستمضي الأمور وكأن شيئاً لم يكن.
ليس الأمر مرتبطاً بقدرة السلطة، أو عدم رغبتها، بل هو مزيج من الاثنين معاً، بعدما تحول التنسيق الأمني عموماً، والأمن خصوصاً، إلى بقرة مقدسة ومبرر وجود للسلطة على الأراضي الفلسطينية، كما بات محور العجلة المعيشية لآلاف الأسر في الضفة الغربية، الذي عبره يتحكم رئيس السلطة، محمود عباس، وفريقه في نبض الشارع الفلسطيني، ويضبط إيقاعه على الترددات التي يريدها.
اليوم، من المرتقب أن تجتمع القيادة الفلسطينية للبت في قرار الرد على اغتيال أبوعين. لكن القرار ليس بحاجة إلى الانتظار، خصوصاً أن تأجيل الاجتماع الذي كان مقرراً الجمعة، إلى الأحد، يكشف عمّا تريده السلطة، أو بالأحرى ما لا تريده، وقد يكون التأجيل مناسباً مرة أخرى، ربما، لإمرار مزيد من الوقت على الحادثة، وبالتالي، طيها مع الزمن لتكون إلى جانبٍ، يراها من الحوادث التي راح ضحيتها مواطنون فلسطينيون.
لكن، حتى قبل ذلك، لم تتوان السلطة في التلميح إلى أن لا قرار سيصدر في شأن عمليات التنسيق الأمني، مستخدمة ذريعة جديدة، هذه المرة، بعيدة، كل البعد، عن الغاية الحقيقية للمفهوم الأمني الفلسطيني. تلميح تولاه "مسؤول فلسطيني رفيع المستوى"، بحسب ما وصفته الإذاعة الإسرائيلية في تقرير بثته يوم الجمعة، إذ قال إن تهديدات القيادة الفلسطينية بملاحقة إسرائيل قضائياً ووقف التنسيق الأمني بين الجانبين، "لن يتم التوافق عليها، ولن تقر في الجلسة المقبلة للقيادة الفلسطينية". وقدم المسؤول نفسه "تفسيراً مقنعاً" للقرار المرتقب، حين أفاد بأن عباس "يعلم جيداً أن اتخاذ أي قرار ضد إسرائيل، في هذه المرحلة الحرجة، سيتسبب في تداعيات عكسيةٍ، لا تحمد عقباها إزاء مشروع القرار المنوي تقديمه إلى مجلس الأمن، لإنهاء الاحتلال بعد أسابيع قليلة". ولفت المسؤول إلى أن السلطة تفكر في أن وقف التنسيق الأمني، إضافة إلى مراجعة الاتفاقات السياسية والأمنية السابقة مع الجانب الإسرائيلي، من شأنهما تعطيل التصويت على مشروع القرار الفلسطيني في مجلس الأمن، خصوصاً أن "السلطة لا تزال تبحث عن الصوتين الثامن والتاسع من ضمن الأصوات الـ15 في المجلس، قبل البدء بمعالجة الفيتو الأميركي المرتقب".
وهذه بقرة مقدسة أخرى لا تكف السلطة، منذ أكثر من أربع سنوات، عن مداراتها وتخوين كل من يشك في خياراتها، على الرغم من إدراكها جيداً أنها لن تحصّل أي استفادة منها، أو لا تريد ذلك، في حال نجحت في مساعيها التي لن تنجح على الأغلب. ماذا حصّلت السلطة من الاعتراف بفلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟ حتى فرصة الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومقاضاة إسرائيل أمامها، فوتتها بحجة إعطاء الفرصة لجهود الوزير الأميركي، جون كيري، في إحياء عملية التسوية. والتسوية هنا بقرة مقدسة ثالثة لدى الرئيس عباس، فلا خيار يعلو على هذا الخيار بالنسبة إليه، وانتظار المبادرة تلو الأخرى هو محور عمله السياسي.
ثلاث قضايا مترابطة ومتشابكة بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية. التنسيق الأمني لن يقف، لأنه مرتبط بالمسعى الفلسطيني للاعتراف بالدولة في مجلس الأمن. والاعتراف لن يتم لأنه مرتبط بالفيتو الأميركي المرتقب، في حال وصول المسعى إلى التصويت. والفيتو مرتبط بجهود جديدة، يسعى إليها كيري لإحياء عملية التسوية.
ويستمر الدوران في الحلقة المفرغة، أما الشهداء "فلهم الجنة، ولأهلهم الصبر والسلوان".