السلطة الفلسطينية إلى أين؟

19 نوفمبر 2015
الرئيس الفلسطيني، محمود عباس أبو مازن (فرانس برس)
+ الخط -
يقوم الشعب الفلسطيني الرازح تحت الاحتلال يومياً بمظاهرات ومحاولات لطعن جنود ومستوطنين إسرائيليين. وفي المقابل، يقوم الجنود والشرطة في إسرائيل بالقتل، والاعتقال، ومهاجمة المستشفيات، وهدم المنازل. ويستمر في الوقت نفسه بناء المستوطنات، والاعتداء على الأقصى، وتضييق العيش على المواطنين أصحاب الأرض.
يحدث هذا كله، ومعظم الدول العربية مشغولة بحالها، إذ لكل دولة شأن يغنيها عن الالتفات إلى غيرها، وهمٌّ يضنيها ويكبدها خسائر. ولعل الحديث عن القضية الفلسطينية المنسية لا يجد اهتماماً إلا من الأردن والحكم فيه، ويتابع الملك عبدالله الثاني مجريات الأمور في الأماكن المقدسة في القدس، ويدعو إلى سرعة العودة للتفاوض السلمي.
وقد أتت تفجيرات الطائرة الروسية فوق مصر، والعمليات الإرهابية في لبنان ومصر وباريس، أخيراً، لتفتح على العرب ودولهم معارك جديدة وساحات توتر تسع العالم كله. وإذا تابع المرء محطات التلفزة الدولية، فإن همّها وانشغالها الشاغل هو تقديم التعازي للشعب الفرنسي المنكوب.
وإذا أضفنا إلى هذا كله الانتخابات الأميركية الجديدة وملهاتها بعيداً عن فلسطين، والاتفاقات الأخيرة على صفقات الأسلحة بين إسرائيل والولايات المتحدة في أثناء زيارة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إلى واشنطن، فإن الأمل في إحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية يساوي أمل إبليس في دخول الجنة.
لقد أتى تنكّر 25 عنصراً من شرطة إسرائيل وجيشها بالذقون وبالأردية الصوفية التي يستخدمها أهل مدينة الخليل، لكي يهاجموا المستشفى الأهلي في قلب المدينة، ويقتلون شخصاً وهو خارج من حمام غرفة الجريح الذي أتت القوة الإسرائيلية لاختطافه، لقد أتى هذا كله تحدياً سافراً للسلطة الفلسطينية، وتذكيراً للمواطن الفلسطيني بأنه تحت سيطرة إسرائيل، حيثما كان وأينما كان في الأرض المحتلّة، ولتنعش ذاكرته أن السلطة، إن تخلت عن دورها في التنسيق الأمني مع إسرائيل، فإن إسرائيل ستعرّض أمن المواطن الفلسطيني للأذى والتهديد.

وهكذا انكشفت السلطة بكامل ضعفها حيال قدرتها على حماية مواطنيها من الاعتداءات الإسرائيلية. ويقول بعض الزائرين من الضفة الغربية إن كل رجال الأمن الفلسطينيين كانوا غائبين عن حماية المستشفى الأهلي، ملمّحين بذلك إلى تواطؤ مع إسرائيل.
ولا أظن هذا الاستنتاج صحيحاً، لكن مثل هذا الاعتقاد يعكس درجة اليأس، خصوصاً لدى أهل الخليل والقدس، وهما المدينتان المستهدفتان من إسرائيل بالحصار والاعتداء والاستيطان، والسعي المتواصل لمنع الفلسطينيين من الوصول إلى الأماكن المقدس فيهما (حرم المسجد الأقصى كله والمسجد الإبراهيمي في الخليل).
وتشكل مدينة الخليل بالذات نقطة مهمة في اقتصاد الضفة الغربية وصمودها، فالمدينة تنتج حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية، ويساهم أهل الخليل الساكنون في باقي مدن محافظة الخليل ومحافظة القدس ومدينة رام الله بالذات بحوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد الضفة الغربية.
وقد بدأت إسرائيل بتضييق الخناق على صادرات الضفة الغربية إلى إسرائيل، وقلّلت، إلى حد ما، صادراتها من السلع المصنّعة الاستهلاكية إلى الضفة. وإذا تعطلت المؤسسات أكثر وأكثر بسبب الهبّة الفلسطينية القائمة، فقد يتراجع الاقتصاد هناك، وتزداد البطالة، خصوصاً بين الشباب، وتتوفر الظروف لمزيد من العنف والعنف المضاد.

اقرأ أيضا: رئيس اتحاد مقاولي غزة: الإعمار سيستغرق 20 عاماً

أما بالنسبة للتفجيرات، خصوصاً حادثة باريس، فسوف تخدم في تشويه صورة العرب والمسلمين، المقيمين في أوروبا أو المواطنين فيها أو المسافرين إليها. ويأتي توقيتها الأرذل في وقت كانت إسرائيل ورئيس وزرائها يهاجمون الأوروبيين والقيادات هنالك هجوماً مباشراً بسبب مقاطعة إنتاج المستوطنات، وزيادة التعاطف مع كفاح الشعب الفلسطيني ومع حقوقه المشروعة على أرضه وترابه الوطني. ويأتي في وقت بدأت الجامعات الأميركية في مقاطعة إسرائيل، أكاديمياً وبحثياً. وهذه كلها جهود قام بها العرب والفلسطينيون المقيمون في الخارج، وكان يعوّل عليها مع الكفاح الداخلي في زيادة الضغوط على إسرائيل.

أمام هذا الواقع، وما نراه من زيادة في شعبية الأحزاب اليمينية الكارهة للأجانب في أوروبا وشمال أميركا، فإن الضغوط الخارجية على إسرائيل سوف تتراجع، ويتزايد الضغط على الأقليات العربية والمسلمة في هذه الدول، ما سيتسبب في تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية نفسها.
فماذا ستفعل السلطة الوطنية الفلسطينية أمام كل هذه التحديات؟ وما هي الخيارات المفتوحة أمام الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وحكومته ومؤسساته وسلطاته التشريعية والقضائية؟ ماذا يمكن أن يفعله لمساعدة شعبه؟
الخيارات المفتوحة ليست حسنة. الأول أن يرضى بواقع الحال، ويبذل أقصى ما يستطيعه لكي يقلل من آثار المرحلة وظروفها المعادية لآمال شعبه وتطلعاتهم لحياة أفضل في وطن يكون خاصاً بهم. وهو خيارٌ سيؤدي إلى وضع أكثر صعوبة وحدة وتعقيداً.
والخيار الثاني أن يشجع استمرار انتفاضة سلمية، على الرغم من صعوبة ظروفها، وتراجع مناطق الاحتكاك مع الإسرائيليين، وتراجع الإمكانات الاقتصادية المتاحة. وسوف يكون الثمن فادحاً، خصوصاً في ظل تراجع الاهتمام الدولي بتحريك القضية، ولربما يبقى الوضع صعباً حتى تهزم داعش عسكرياً، وحينها قد تتاح فرصة أفضل. ولذلك، تصبح الاحتجاجات السلمية الأنجع بدون اللجوء للعنف.
الأهم، أعتقد أن الإسرائيليين ربما وصلوا إلى مرحلة يرون فيها أن احتمالات الحل السلمي عبر التفاوض قد تطول. ولذلك، قد يقومون بانسحاب أحادي الطرف من بعض مناطق الضفة الغربية الآهلة بالسكان، ويعلنون ما اختطفوه من أراضي الضفة الغربية، وما وراء الخط الأخضر، دولة يهودية بحكم الأمر الواقع. وإذا حصل مثل هذا الأمر، قد يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام واقع جديد، ربما يفاجأون بأن العالم الخارجي، وحتى بعض الدول العربية، قابلة به، ولو على أساس مؤقت. فماذا سيكون رد فعل الرئيس الفلسطيني على أمرٍ كهذا؟
لا بد للسلطة الوطنية الفلسطينية أن تستعد لكل الاحتمالات، وأن تزيد من تنسيقها مع الأردن في كل الحالات. وذلك لأسباب جغرافية، وسكانية، ومواردية، وأمنية، ولأن الأردن إذا انسحبت إسرائيل أحادياً، كما سبق لها وأن فعلت في غزة وجنوب لبنان، يشكل المنفذ الوحيد للكيان الفلسطيني المفروض بأمر الواقع.

اقرأ أيضا: الأردن وفلسطين وانتفاضة الأقصى
المساهمون