السكوت علامة الكفر

30 ديسمبر 2016
+ الخط -


لم أعد أطيق الكتابة المباشرة هكذا، تحت تأثير الحدث. إنهم يفرغوننا من الانفعال الناضج، ويعملون على صب عقولنا في طناجر الضجة الإعلامية.. محاولات لتمييع مواقفنا خوفاً من جلطة الحقيقة.

يستثمرون جملنا المنثورة على التسلسل الزمني، كي يصنعوا نشرات أخبار ومقالات وتحليلات، تجميع منشورات كيفما اتفق لن ترى الكارثة التي تكبر على هيئة "مشروع" استثمار افتراضي لإنسانيتنا.

أشهر العزلة القليلة بعيداً عن سورية، علمتني الأسئلة الجديدة... صمت المعرفة والقراءة البطيئة لهذا الرعب، التأمل المنطقي بالتقلب الميكانيكي لحركة الإعلام وضربات الرأي العام، حسب الطلب!

صرت أشعر أن استعادة النظام السوري للمناطق من قبضة المعارضة المسلحة، سوف يُكلّل بـانتصار على شكل مهرجان الباسل "للتعفيش"، وكل خطابات الإعلام الرسمي وأشباهه من "زملاء"  المنشورات "الملغومة" سوف يشترون للحرية تعبيراً أسديّاً جذره اللغوي "إرهاب".

هي كذلك إيقاعات حزب البعث في داخل كل سوري، ما إن يبتعد عن حظيرة التحزيب حتى يشعر  كم ضمرت أجنحة لسانه من مبارد الرعب المخابراتية التي تعرف ماذا يدور في غرف نوم السوريين، ولكنها تحتفظ بحق الرد على ضربات العدو الإسرائيلي.

كلما سمعت كلمة "طائفية" تخيلت خريطة بلادي، وضحكت من عبارات مثل "النسيج السوري" أو "الفسيفساء الوطنية"! لقد نمت مخيلتنا على الخوف، منذ اللحظة التي دخل فيها أمين فرقة الحزب في مدرستي "عزة الحصرية" في حي الميدان الدمشقي، اقتحم حصة الرسم، لأن الرسم دائماً كان في طفولتي مجرد حصة "فراغ".


أخرج "الرفيق" طلبات الانتساب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي، وأمرنا أن نملأها في المنزل ونحضرها في اليوم التالي، حينها سألت "الرفيق": ماذا يعني القُطر السوري؟ قال: "إننا جزء من الأمة العربية التي تؤمن بالوحدة والحرية والاشتراكية". 

اليوم لم تقف الأمة العربية مع القتل السوري، وأصبحت اشتراكية البعث، وحدة روسية، لها إيقاع إخباري يراودني كلما مرت كلمة "السيادة السورية" أو "وحدة أرضيها" فالأمر بالنسبة لمنطلقات الحزب النظرية "تحالف تكتيكي" أو كما علقت إحدى الأسديّات "عجز الوطن فاستعان بأصدقاه"..!

وبمناسبة جملة تلك الأسدية التي لا تخلو من "حساسيّة" المرحلة، بات الصمت الذي لمحت له به بداية، أفضل الحلول لمواجهة فيض "الشعراء" الذين هجّن نسل ذائقتهم، الموقع الأزرق، فأصبح للموقع محاكم جنايات نقدية، ونكرات تمجّد طرفاً في الصراع الراهن ونكرات أخرى تشتمه، لتُحّول المفردات هؤلاء بعد كولاج لغوي محدود إلى "كائنات شعرية".

هل تسألون لماذا أصمت؟ لأن الحوار مع كل من سبق ذكره هنا من رفاق و زملاء و مثقفين و مناضلين أصبحت بوصلته تنطلق من "كبسة الحظر" التي سطح بها موقع "فيسبوك" كل معاني الاحترام والإنسانية والتبادل الثقافي الملموس.

لن أصمت على الطريقة الكلاسيكية حتى أنتظر حدثاً لأقول. سأدوّن كلّ ما يصلني من صراخ في الجحيم البصري والوجع المحيط بي.

سأدوّن كفري بالكتابة الصحافية على زاوية التاريخ، قرب أعناق العزّل، فوق صور الذين ماتوا من أجل طاغية، وهم يعتبرون حماقتهم شهادة وإباء.

سأدوّن صامتاً كفري بكذبة الاستقراء ورخص المعيشة السورية والآمان الذي كانت ترعاه المخابرات في بلادي وهاهي اليوم تسترد من الناس ثمنه في الأقبية وعلى طول المقابر الجماعية للحرية.