السكري في الجزائر... نظام غذائي يزيد معدلات الإصابة بالمرض

01 أكتوبر 2018
يمثل مرض السكري السبب الثالث للوفاة في الجزائر(العربي الجديد)
+ الخط -
لا تمل إيمان بلقاسم، اختصاصية أمراض الغدد الصماء والسكري بالمستشفى الجامعي الجزائري مصطفى باشا، من تحذير مرضاها الجدد من مخاطر النظام الغذائي الشائع بين الجزائريين، والذي تحمله هي وزملاؤها مسؤولية عدة أمراض على رأسها السكري الذي صار من أبرز قضايا الصحة العمومية، ما يتطلب تضافر جهود مختلف الجهات للحد منه بالدعوة إلى اعتماد نظام غذائي صحي، كما تقول لـ"العربي الجديد".

ويعاني 1.8 مليون جزائري من مرض السكري، بحسب التقرير الصادر عن الاتحاد الدولي للسكري (FID)، في عام 2017. وتسجل الجزائر سنويا ما بين 17 إلى 20 ألف إصابة جديدة بالسكري، بمعدل 50 إصابة يوميا، وفق إفادة فيصل أوحدة، رئيس جمعية مرضى السكري، وينتظر الجزائريون الكشف عن إحصاء حديث لعدد المصابين بالمرض، وفق ما أكدته الدكتورة جميلة عزيرو نذير، المديرة الفرعية بالمديرية العامة للوقاية بوزارة الصحة، والمكلفة ببرنامج الوقاية لمكافحة عوامل الخطر والأمراض المزمنة.


أنواع السكري في الجزائر

يؤدي فشل البنكرياس بإنتاج كمية كافية من الإنسولين (الهرمون المسؤول عن تنظيم معدل السكر في الدم)، أو عجر الجسم عن استخدام الإنسولين بصورة فعالة في الجسم، إلى الإصابة بداء السكري الذي يعد من الأمراض المزمنة وينقسم إلى 3 أنواع، الأول والذي قد يبدأ في مرحلة الطفولة أو الشباب، بسبب نقص إنتاج الإنسولين في الدم، ويتم تسجيل 26 حالة إصابة جديدة بالسكري من النوع 1 من بين كل 100 ألف شخص تقل أعمارهم عن 20 سنة، وفق ما جاء في تقرير الاتحاد الدولي للسكري، والثاني الذي يكتشفه المريض في مراحل متقدمة من العمر، وينجم بشكل أساسي عن الخمول البدني والسمنة أو الوزن الزائد، وهو ما يمكن ربطه بكون 16% من البالغين في الجزائر مصابون بالسمنة، وفق ما جاء في تقرير منظمة الصحة العالمية الصادر في عام 2014 بعنوان "الملامح القطرية بشأن الأمراض غير المعدية"، والنوع الثالث يسمى السكر الحملي، بحسب ما ذكرته الطبيبة بلقاسم.



السبب الثالث للوفاة

يمثل مرض السكري السبب الثالث للوفاة، ويجهل 700 ألف جزائري وجزائرية أنهم مصابون بالسكري، وفق ما جاء في أطلس السكري الصادر عن الاتحاد الدولي للسكري في عام 2015، الأمر الذي كثيرا ما تشاهده بلقاسم، كما تقول لـ"العربي الجديد"، موضحة أن تغيرات طرأت على النظام الغذائي للجزائريين الذين كانوا يتناولون الكثير من الخضروات والفواكه في السابق، في حين يحتوي النظام الغذائي الجديد غير الصحي وغير المتوازن على الكثير من الدهون الضارة المشبعة والسكريات، قائلة "معدل استهلاك السكريات لا يجب أن يتجاوز 200 غرام من السكر في اليوم، في حين أن ما نتناوله مرعب، فإذا أخذنا وجبة فيها قطعة واحدة من حلوى قلب اللوز فإنها تحتوي على 80 غراما من السكر، وتحوي قطعة الزلابية على 50 غراما على الأقل، والخبزة الواحدة على 125 غراما، وهو ما يمثل نصف وزنها المحدد من قبل السلطات، يضاف إلى هذا الطبق الثاني في الوجبة التي تكون غالبا تحتوي على البطاطا التي تمثل النشويات 80 بالمائة من مكوناتها، وهذا دون نسيان العصائر والكعك والمخبوزات والأطعمة المقلية والمشروبات الغازية التي تحتوي على كميات كبيرة من السكريات والتي تسبب ارتفاع مستوى السكر في الدم، الأمر الذي يشكل خطراً على المريض من النوعين الأول والثاني، لذا ينصح الأطباء بتجنب المواد الغذائية التي تحتوي على نسبة عالية من السكر للحفاظ على مستوى مناسب للسكر في الدم"، وهو ما يتفق معه حسان منور، رئيس جمعية الأمان لحماية المستهلك، والذي كشف في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن دراسة قامت بها جمعيته في 15 ولاية، منها بشار وأدرار الجزائر بومرداس ووهران وتلمسان وجيجل وبجاية، أظهرت أن الجزائري يستهلك السكر بمقدار 3 أضعاف المعدل المطلوب الذي ينصح به الأطباء المقدر بـ200 غرام في اليوم.

وأشار منور إلى أن الجمعية قامت بدراسة شملت 8 علامات من العصائر والمشروبات الغازية المستهلكة من طرف الجزائريين خلال أشهر يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط ومارس/ آذار 2018، توصلت بنتيجتها إلى أن نسبة السكر مرتفعة في هذه المواد الغذائية، وبناء عليه وجهت دعوة لأصحاب هذه العلامات لتقليص نسبة السكر، فاستجابات 5 منها ورفضت الثلاث الأخرى هذا الطلب.

ولاحظت الدراسة أن نسبة السكر انخفضت في عصير "إيفري فراولة" بـ0.5 بالمائة في غضون 3 أشهر، وبقيت ثابتة في بيبسي، وانخفضت بـ0.5 في منتوجات "نقاوس"، وارتفعت بـ3.5 بالمائة في عصير "إيفروي"، وانخفضت بـ2 بالمائة في كوكاكولا، وبقيت ثابتة في عصير "رامي أكسترا"، وانخفضت بـ2 بالمائة في منتوجات حمود بوعلام، وبـ1 بالمائة في عصير رويبة.


جولة ميدانية

تقول اختصاصية أمراض الغدد الصماء والسكري، إيمان بلقاسم، إن عدد من يقصدون مصلحة مرضى السكري يرتفع بنسبة تراوح بين 30 و50 بالمائة، إذ تفحص نحو 10 أشخاص يوميا تشك في كونهم مصابين بالمرض، وهو ما يتكرر مع باقي زملائها، حيث تستقبل المصلحة التي تعمل فيها نحو 50 مريضا أو أكثر يوميا، وهي أرقام تتكرر في المستشفيات الثلاثة التي زارها معد التحقيق، وهي مستشفى بني مسوس (غرب العاصمة)، ورويبة (شرق العاصمة)، ومصطفى باشا (وسط العاصمة)، الأمر الذي يؤيده الدكتور فتحي بن أشنهو، أخصائي التغذية، والذي لا يتردد في وصف النظام الغذائي الحالي للجزائريين بـ"الكارثة" بسبب احتوائه على العديد من السكريات والعجائن وعلى وجبات الأكل السريع، فالخبز الذي يتناوله الجزائريون بكثرة يحتوي على كميات مرتفعة من السكريات، والإقبال الرهيب على المشروبات الغازية والعصائر التي تضم في مكوناتها كميات مرتفعة من السكري تختلف من نوع لآخر ومن علامة تجارية إلى أخرى، مثلما يشرح لـ"العربي الجديد".

ويشير بن أشنهو إلى أن غياب إحصائيات دقيقة حول ما يحتويه كل نوع من الأنظمة الغذائية التي يعتمدها الجزائريون يعكس عدم التعامل مع مخاطر تلك المواد بجدية، قائلا "البطاطا المقلية مثلا التي تمثل النشويات 80 بالمائة من مكوناتها، والعصائر والمشروبات الغازية التي تحتوي على كميات كبيرة من السكريات ومنتجات الألبان كاملة الدسم يفترض أن يبتعد عنها مرضى السكري، لكننا نفاجأ بالعكس".

ويستفيد المريض من تعويض كامل للدواء من قبل الضمان الاجتماعي، علما أن كلفة علاج مريض مصاب بالنوع الأول من السكري الذي يعتمد على حقن الإنسولين وفق وصفة طبية تمنح لفترة 3 أشهر تبلغ 30 ألف دينار جزائري (250 دولارا)، أما كلفة النوع الثاني من السكري فتقدر بـ10 آلاف دينار في 3 أشهر (84 دولارا)، مثلما تقول الدكتورة بلقاسم، وهذا دون حساب باقي التكاليف والمضاعفات والأمراض التي يسببها السكري، وأبرزها القدم السكرية ونقص النظر والجلطة الدماغية، وهي أمراض تتطلب نفقات كبيرة، حسب ما أوضحه الدكتور بن أشنهو.


الأمن الصحي للجزائريين في خطر

لا يتردد الدكتور فتحي بن أشنهو في القول إن الأمن الصحي للجزائريين أصبح في خطر، داعيا إلى اتباع حمية غذائية تعتمد على الخضروات الغنية بالألياف، لأن الألياف تساعد على حفظ نسبة الغلوكوز والدهون في الدم بمستواها الطبيعي، وتتوفر الألياف أيضا في البقوليات والخبز الأسمر والفاكهة، كما ينصح بالتقليل من الدهون بتناول الدجاج والأسماك والحليب والزبادي القليل الدسم، داعيا السلطات إلى اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هذا الخطر المحدق بالجزائريين مثلما يقول لـ"العربي الجديد".

وينطلق بن أشنهو في اقتراحه لضمان الأمن الصحي للجزائريين من إزالة مسببات السكري من النوع الثاني بداية بوضع ضوابط لإعلانات المواد الغذائية المعروضة في وسائل الإعلام، قائلا في هذا الإطار"لا يعقل أن يمر إشهار لمنتج يظهر طفلا يسبح في بحر من الشكولاتة، إنه تشجيع صريح للأطفال على استهلاك السكريات رغم مخاطره".

ويدعو بن أشنهو إلى حملة للحد من استهلاك المواد الغذائية المسببة للبدانة، إذ أصبح الخطر محدقا بالجزائري طيلة أيام السنة، ويطالب بن أشنهو بالتركيز على فترة ما قبل السكري لأن النظام الصحي الجزائري فقد سياسته الوقائية، وأصبح ما يطبق ميدانيا هو العلاج والحرص على التزام المريض بالوصفة الطبية، لأن الوزارة أصبحت تهتم بفاتورة الأدوية، في حين أن التركيز على فترة ما قبل المرض هي الحجر الأساس للحد من الإصابة بالسكري.

أما إيمان بلقاسم، فتطالب بضرورة تدارك النقص المسجل في أخصائيي التغذية الذين يبقى عددهم يعد على الأصابع، مبينة أنه حتى ولو كان المختصون في مرض السكري يمكنهم القيام بهذه المهمة، إلا أن عدد المصابين يجعلهم يوجهون دائما لمهمة العلاج، ويتفق معها الطبيب محمد بن موفق، اختصاصي الأمراض الداخلية والباطنية في مصلحة الاستعجالات بمستشفى الرويبة، والذي يلفت إلى نقص التوعية بأهمية الغذاء الصحي السليم في المنهاج الدراسي الجزائري، قائلا "لا بد من أن تتضمن المقررات الدراسية محاور تتعلق بالنظام الغذائي الصحي الذي يتطلب الالتزام بقواعد بسيطة، تتمثل في التقليل من استهلاك السكر والملح والمواد الدسمة وتجنب تعاطي الكحول والسجائر والالتزام بممارسة الرياضة، لوقف الزيادة المضطردة في أعداد مرضى السكري بالجزائر".