السفارة الإيرانية في بغداد... دولة في قلب دولة

12 سبتمبر 2015
طلبت السفارة إخلاء المواقع حولها (حيدر محمد علي/فرانس برس)
+ الخط -
يحتدم الجدل سياسياً وشعبياً في العراق حول نشاط السفارة الإيرانية في البلاد، وتدخّلها بالشأن العراقي، بالإضافة إلى ممارستها ما يُمكن تفسيره بـ"الوصاية السياسية والأمنية على البلاد"، وهو ما تنفيه قيادات بارزة في "التحالف الوطني" الحاكم.

وخلافاً للأعراف والتقاليد الدبلوماسية بين الدول في ما يتعلق بالسفارات والقنصليات أو الملحقيات الدبلوماسية وعملها، تحوّلت السفارة الإيرانية في بغداد إلى أشبه ما يكون بمؤسسة عراقية، صاحبة قرار ونفوذ واسعين بالبلاد، وهو ما يؤكده فريق سياسي عراقي وينفيه آخر.

وقد سيطرت على منطقة الصالحية المُطلّة على نهر دجلة وسط بغداد، مركز السفارة الإيرانية، مظاهر عدة كإغلاق الطرق المحيطة بالسفارة، وانتشار القوات الخاصة المُدجّجة بالأسلحة، والتحليق المستمرّ للطائرات الصغيرة للمراقبة، وصور المرشد الإيراني علي خامنئي.

وتنَامَت ظاهرة توافد مواطنين عراقيين، بين الحين والآخر، إلى السفارة الإيرانية، حاملين طلبات مختلفة، كالتعيين في الدوائر الحكومية، أو طلب التماس العلاج في إيران، ومناشدة إطلاق سراح معتقليهم. ومنهم الموظف المتقاعد حسين الحلفي (56 عاماً)، الذي نجح في توظيف ابنه في وزارة الداخلية العراقية، بعد حصوله على ورقة من أحد مسؤولي السفارة الإيرانية كُتِبَ عليها "الرجاء مساعدة حامل هذه الورقة". ويقول الحلفي "أخذت الورقة وذهبت للوزارة، وأريتهم إياها فأدخلوني على مسؤول بالموارد البشرية وسلّمتها له، ومن دون تردد وقّع على ملف معاملة تعيين ابني، وطلب مني أن يتجه نجلي لمركز الكاظمية لمباشرة العمل". ويضيف "مزّق المسؤول الورقة حتى لا يتم استخدامها مرة أخرى من قبلي وعلى ما يبدو هذا شيء سائد لديهم".

وإذا كان النهار مخصصاً للمواطنين العراقيين، فإن القادة والسياسيين العراقيين يتوافدون ليلاً إلى السفارة، في مشهدٍ اعتادت عليه بغداد، منذ سنوات طويلة، غير أنه ترسّخ، اليوم، واتّسع بشكل أكبر، وبات تقليداً متعارفاً عليه، وفقاً لقيادات سياسية عراقية مناهضة للتدخل الإيراني، تؤكد أنه يمثل صورة مُصغرّة من صور الانتداب أو الاحتلال الضمني.

اقرأ أيضاً مثنى الضاري لـ"العربي الجديد": 4 آليات لإنقاذ العراق

ومن ظواهر توسّع النفوذ "الدبلوماسي" الإيراني، هو ما أقدم عليه حرّاس السفارة الإيرانيون، حين منعوا عمال شركة خاصة تعمل على تأهيل الطرق والأزقة في الصالحية، من العمل بمحيط السفارة، وتطور الأمر إلى حدّ طردهم والاعتداء على أحد العمال العراقيين.

كما أصدرت السفارة إنذاراً بإخلاء منازل قريبة وأصحاب متاجر، بشكل مباشر من دون أي تبرير أو سؤال أي جهة رسمية عراقية، على الرغم من أن المواطنين العراقيين يُشغلون عقاراتهم بصورة رسمية. وهو أمر تجاوز القِيَم والأعراف الدولية، لناحية طلب سفارة طرد مواطن من منزله في وطنه، لأسباب "أمنية" حسبما ذكرت.

من جهته، انتقد النائب عن "تحالف القوى العراقية"، رعد الدهلكي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد": "استمرار تدخّل السفارة الإيرانية في شؤون العراق، وممارستها سلطة خارج نطاق الدبلوماسية"، مؤكّداً رفض تحالفه "القاطع لأيّ تدخل في شؤون البلاد ومنه التدخل الإيراني". وأضاف "العراق يحتاج لأن يكون بلداً مستقلاً وذا سيادة، لكنّ إيران مستمرة بالتدخّل، في حين أنّها تنتقد أيّ تدخل عربي في العراق مهما كان". ودعا إيران إلى أن "تحترم سيادة العراق، كما يحترم هو سيادتها، وأن تكون حيادية في تعاملها معه، وألّا تبقى عنصراً سلبياً متدخلاً في الشأن العراقي".

وشدّد على أن "الحديث عن تدخل إيجابي لإيران غير مقبول، فمن غير الممكن أن تتدخل دولة بشؤون أيّ دولة أخرى إلّا لتحقيق مكاسب خاصة لها على حساب الدول المتدخل في شؤونها، لذلك على إيران أن تبتعد عن استمرار التدخل السلبي في العراق".

ووصف القيادي بالحزب "القومي الناصري" في بغداد، سعيد مخلص الحسن، ما سماه "حالة تغوّل نفوذ السفارة الإيرانية في بغداد ليس بالجديد". وأوضح في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "السفارة الإيرانية تمتلك سلطة توازي سلطة حكومة (حيدر) العبادي، ومن ينال رضاها من السياسيين لا يُمكن لقضاءٍ محاسبته ولا لبرلمان استجوابه، وخير دليل على ذلك هو (رئيس الوزراء السابق نوري) المالكي، وقبله قادة المليشيات الحالية الموغلة بالقتل والتهجير". وأضاف "الغريب أن كل السفارات، حتى الأميركية، تعرّضت لعمليات إرهابية إلا الإيرانية".

أما الخبير السياسي، فراس العيثاوي، فرأى أنّ "التدخل الإيراني ليس شيئاً جديداً، بل هو موضوع متجدّد، وأنّ إيران تمادت بتدخلها في شؤون البلاد". وقال العيثاوي لـ"العربي الجديد"، إنّ "إيران تعارض أيّ شيء فيه مصلحة للبلاد، وهي تسعى لتأجيج الطائفية في البلد، وهي سبب رئيسي بأعمال العنف ودخول المتفجرات إلى العراق. لذلك فإنّ وقف هذا التدخل يحتاج إلى وقوف كل الكتل السياسية بوجهه، واتخاذ موقف حازم يحفظ سيادة العراق".

واعتبر أنّ "العبادي يحاول أن يخلق شيئاً من التوازن في البلاد، فهو لا يستطيع منع التدخل الإيراني ولا الأميركي، فيما يواجه ضغوطاً من قبل التحالف الوطني من خلال دعمهم اللامحدود لإيران. الأمر الذي يضعه بموقف محرج". وتابع إنّ "مصلحة البلد تُحتّم الوقوف بوجه هذا التدخل ومنعه، كما أن الإصلاحات التي أطلقها العبادي تتعارض مع هذا التدخل، لذلك فإنّه سيسعى خلال الفترة المقبلة للحدّ من هذا التدخل بطريقة أو بأخرى لكي يستطيع تمرير الإصلاحات".

غير أن القيادي في حزب "الدعوة الإسلامية" علي الفريجي، يدافع عن السفارة الإيرانية، مؤكداً أنها "لا تختلف عن باقي السفارات ببغداد، وتكاد تكون أكثرها احتراماً للتقاليد والعادات الدبلوماسية". ويضيف الفريجي في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنه "بحكم العلاقة الجغرافية والدينية بين العراق وإيران، فهناك روابط ومصالح، والسفارة تعرف ذلك كما نعرفها نحن، ولا يُمكن لها أن تغلق بابها بوجه من يزورها، مواطناً كان أم سياسياً. أما التصريحات المعارضة للسفارة الإيرانية التي يُطلقها نواب وبرلمانيون فمُسيّسة وناجمة عن حقد طائفي لا أكثر".

ويشاركه بذلك عضو "التيار الصدري" حسين البصري، بقوله إن "نشاط السفارة لا يمسّ سيادة العراق ولا يُعدّ تدخلاً بالشأن العراقي، وأعتقد أن الموضوع أُثير بسبب مساعدة طهران للعراق في قتال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)". ورأى في تصريحاتٍ لـ"العربي الجديد"، أن "أي سفارة عربية تريد التحرك لمصلحة العراقيين وضمن الثوابت والأعراف، فهو مرحّب به".

اقرأ أيضاً: غطاء خليجي ورعاية دولية لتحقيق المصالحة الوطنية في العراق

المساهمون