واقترن اسم كل من الشركتين طيلة السنوات الماضية بشبهات فساد، كونهما الوحيدتين اللتين كان يتم إسناد المشاريع إليهما بتعميد مباشر عبر وزارة المالية من دون الدخول في أية منافسة مع شركات أخرى للظفر بمشاريع تقوم بها الدولة. وكانت الشركتان في فترة سبعينات إلى تسعينات القرن الماضي في قمة شهرتهما، إبان ما كان يسمى وقتها فترة "الطفرة" التي بدأت الحكومة السعودية فيها بتنفيذ مشاريع البنى التحتية وبناء الوزارات والجامعات والمطارات الحديثة. وكان إسناد المشاريع العملاقة للشركتين قد حدا بباقي الشركات الأخرى إلى العمل في مشاريع أخرى للقطاع الخاص، أو مناقصات حكومية صغيرة لا تذكر، إذ اعتبر إسناد المشاريع الحكومية لها من المحرمات.
شركة بن لادن
بدأت شركة "بن لادن" بالعمل في بداية ثلاثينيات القرن الماضي واستطاعت أن تنال ثقة الدولة بعد الفوز بأول مشروع يقوم على توسعة الحرم المكي الشريف في عهد الملك عبد العزيز، لتكون أوّل توسعة يشهدها الحرم منذ أكثر من عشرة قرون. ومنذ ذلك الحين، استمرت الشركة في التوسعات المتلاحقة في عهد سعود ثمّ فهد وأخيراً عبدالله. ولم تنحصر أعمال شركة "بن لادن" في الحرم المكي، بل امتدت لتشمل الحرم النبوي الشريف وإعادة تغطية قبة الصخرة في القدس، ما جعلها تنال ثقة المسؤولين الذين أسندوا إليها مشاريع أخرى لا تنحصر بمكة أو المدينة، كالمطارات والجامعات ومشاريع حكومية أخرى.
إلا أنّ نقطة التحوّل حدثت في العام 2015 عندما سقطت رافعة تابعة للشركة أمام الحرم المكي جراء الحالة الجوية السيئة حينها، ما دفع الحكومة إلى معاقبة الشركة ومسؤوليها عبر تجميد المشاريع التي كانت في حوزتهم، إضافة إلى منع ملاكها من السفر. عندها وقعت الشركة في أزمة مالية حقيقة كونها لم تستطع الإيفاء بمستحقات عمالها وموظفيها الذين يتخطى عددهم الـ200 ألف، والذين تظاهر الآلاف منهم مطالبين بحقوقهم. ويرى محللون أن ذلك كان عقاباً للشركة لا لسبب سقوط الرافعة، بل من نافذين يريدون الحصول على جزء من الكعكة، وهو الأمر الذي لم يلق تجاوباً من مديرها التنفيذي بكر بن لادن. وجاء استئنافهم للمشاريع بعد تلك الأزمة محاطاً بكثير من الريبة بعد الإجراءات الصارمة.
ومع اعتقال بكر بن لادن في الحملة الأخيرة التي قامت بها السلطات السعودية، يطفو تساؤل محيّر حول حقيقة تورطه في تهم الفساد الموجهة إليه. إذ يرى كثيرون أنّ الشركة سعت في الآونة الأخيرة إلى التمدّد باتجاه دول أخرى كماليزيا والسنغال والإمارات وغيرها، كونه لا يمكن الركون للأجواء في السعودية بعد فترة توقفهم عن العمل، وتكبّد الشركة خسائر فادحة. وأثارت هذه الخطوة غضب المملكة. وكانت الحكومة السعودية قد طلبت من الجزائر التحقيق في استثمارات بن لادن في الجزائر، والتي تقدر بالمليارات. كما سعت إلى مخاطبة الإمارات بالاستفسار عن قيمة استثمارات بن لادن في الدولة والحجر عليها جراء هذه الخطوة. وعليه، فإن استثمارات بن لادن في الدول الأخرى مرشحة أيضاً للانهيار، ريثما يتم ما تسعى إليه السعودية من بسط سيطرتها ووضع يدها على أموال المجموعة. ويرجح أنّ اعتقال بكر بن لادن كان عقاباً له، عقب نيته الانتقال تدريجياً إلى الأسواق العالمية. ولا يعتقد أن تسند الحكومة مشاريع مماثلة للشركة غير التي بحوزتها كنوع من العقاب لها.
سعودي أوجيه
على المنوال ذاته، سارت شركة "سعودي أوجيه" المملوكة من رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري، والتي نالها هي الأخرى نصيب وافر من المشاريع الحكومية، إذ باتت تعرف بشركة القصور لبنائها معظم القصور الحكومية كاليمامة والسلام وغيرها. كما عهد إليها مشاريع جبارة خصوصاً في منطقة الرياض كتشييد الوزارات والمستشفيات من دون منافسة تذكر.
تعود فصول الحكاية إلى أواخر سبعينات القرن الماضي، إذ كانت مدينة الطائف تستعد لاستضافة القمة الإسلامية ولم يكن هناك فندق يستوعب الحضور وكان من الصعب بناء واحد لاستيعاب ذلك. إلاّ أنّ رفيق الحريري استطاع بناء فندق "مسرة" في غضون ستة أشهر، وهو ما أثار إعجاب الملك فهد فقرّب الحريري منه وتوطدت العلاقة بينهما لاحقاً، لتكون تلك هي النواة التي قامت عليها المشاريع فيما بعد. لكن مع وفاة الملك عبدالله في العام 2015، بدأت الأمور تأخذ منحى آخر غير ما تشتهيه أنفس ملاكها، إذ بدأ التضييق عليهم وسحب المشاريع منهم وتجميد مشاريع أخرى سبق وأن خطط لها، ما اضطر المجموعة إلى تسريح أكثر من 56 ألف موظف، وهو ما أوقعها في مأزق عانت منه حتى اضطرت لغلق أبوابها بعد 40 عاماً.
ولم يقفل ملف الشركة مع إغلاقها، بل استمرت المشكلات في التصاعد بعد شكاوى موظفيها بعدم الحصول على مستحقاتهم، الأمر الذي واجهته الشركة بالقول، إن لديها مستحقات تفوق الـ30 مليار ريال عند الدولة وترفض الأخيرة هي الأخرى الإفراج عنها.
ويعاني ملاك "سعودي أوجيه" وعلى رأسهم رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري من أزمة ديون تقدّر بـ13 مليار ريال لبنوك سعودية. وقد حاول الحريري مراراً إعادة جدولة ديون شركته، إلا أنّ ذلك قوبل بالرفض من قبل مجموعة "سامبا المالية" التي اتخذت إجراءات قانونية لتحصيل ديونها. ويرى مراقبون أنه لا يمكن تحليل المشهد الآني لسعد الحريري في ما يتعلق باستقالته وإقامته الملتبستين في السعودية، بمعزل عن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية بشأنه في السنتين الماضيتين، متوقعين أن تستمر أزمة "سعودي أوجيه" مع مجموعة "سامبا" من دون الوصول إلى حلّ في المدى المنظور.
وكان الحريري قد مرّ بفترات مالية حرجة أجبرته على بيع حصصه في عدد من الشركات والبنوك أبرزها "البنك العربي" للإيفاء بديونه المستحقة. ويقول محللون إن رفض سعد الحريري دخول شركاء له في المجموعة كان سبباً لما آلت إليه أوضاع شركته وضغط الحكومة عليه لسداد دينوه على الرغم من وجود حالات مشابهة لم تتدخل الحكومة فيها.