بعد مرور أكثر من 465 يوماً على حادثة سقوط رافعة تابعة لشركة بن لادن للإنشاءات على جزء من الحرم المكي الشريف في موسم الحج قبل الماضي، والتي أودت بحياة 110 من الحجاج وإصابة 209 آخرين، ونحو 24 جلسة قضائية، قررت المحكمة الجزئية في مكة المكرمة، اليوم الخميس، بأغلبية القضاة، صرف النظر عن الدعوى بحجة عدم الاختصاص ولائياً ولا نوعياً، مصادِقة على طلب المتهمين في القضية، وردّ المدعي العام برفض القرار، والاتجاه للاستئناف لإلزام المحكمة مواصلة النظر في القضية.
وجاء الحكم على الرغم من أن مجلس القضاء الأعلى رفض في وقت سابق، اعتراضاً تقدّم به فريق الدفاع بعدم اختصاص المحكمة الجزئية بالنظر في القضية، لكونها خطأً بشرياً تسبب في إزهاق أرواح عدد من الأشخاص.
ولا يعني قرار المحكمة براءة المتهمين، ولكنه يعني أن القضية سيتم تحويلها للمحكمة العامة للنظر فيها من جديد، وفي حال رد المحكمة العامة بعدم الاختصاص أيضا، سيتم تحويلها لمجلس القضاء الأعلى لإلزام أي من المحاكم الثلاث النظر فيها.
واستغرب المستشار القانوني عبد الله رجب، قرار المحكمة بعد 24 جلسة بعدم الاختصاص، مشدّدا على أنه كان يجب على القاضي أن يقرر عدم الاختصاص من الجلسة الأولى، وليس بعد 24 جلسة، خاصة أن المتهمين تضرروا من منعهم من السفر، وحجز أموالهم. وقال لـ"العربي الجديد: "الخطوة التالية هي التوجه للمحكمة العامة، وفي حالة ردها القضية، سيتدخل مجلس القضاء الأعلى لإلزام إحدى المحاكم بالنظر في القضية".
وأضاف "يُفترض أن يرفع المتهمون دعوى ضد جهة الاختصاص للضرر الذي طاولهم طوال الفترة الماضية، من منع من السفر وحجز الأموال، ويطالبون برفع المنع من السفر لحين تحديد المحكمة المناسبة، والتعهد بالحضور".
وشدد رجب على أن "الأمور لا تزال غير واضحة في القضاء السعودي، الذي لا يحدد صلاحيات المحاكم في النظر بالقضايا".
من جانب آخر، تمسّك المدعي العام بأن المحكمة مختصة بالنظر في التهم المنسوبة إلى المتورطين استنادا إلى الأمر الملكي الصادر عقب وقوع الحادثة، ومنها تهم التسبب في إزهاق الأرواح والممتلكات والإهمال والتقصير، وهو ما يعني أن القضية قد تأخذ وقتا أطول لصدور الحكم.
وكانت هيئة التحقيق والادعاء العام قد أكدت في الجلسات الماضية أن نتائج التحقيق التي رفعت للجهات العليا، كشفت أن السبب الرئيسي للحادث هو تعرض الرافعة لرياح قوية، بينما كانت في وضعية خاطئة ومخالفة لتعليمات التشغيل المعدة من قبل المصنع، والتي تنص على إنزال الذراع الرئيسية عند عدم الاستخدام أو عند هبوب الرياح. وكان من الخطأ إبقاؤها مرفوعة، إضافة إلى عدم تفعيل واتباع أنظمة السلامة في الأعمال التشغيلية، وعدم تطبيق مسؤولي السلامة عن تلك الرافعة التعليمات الموجودة بكتيب تشغيلها.
يضاف إلى ذلك ضعف التواصل والمتابعة من قبل مسؤولي السلامة بالمشروع لأحوال الطقس وتنبيهات رئاسة الأرصاد وحماية البيئة، وعدم وجود قياس لسرعة الرياح عند إطفاء الرافعة، فضلاً عن عدم التجاوب مع العديد من خطابات الجهات المعنية بمراجعة أوضاع الرافعات وخاصة الرافعة التي سببت الحادثة.
وخلصت تحقيقات ثمانية أشهر إلى أن مجموعة بن لادن السعودية مسؤولة بشكل مباشر عن الحادثة، إضافة لعدد من الاستشاريين المتعاونين معها.
ودقق فريق التحقيق في مئات الوثائق ذات العلاقة، واطلع على عقود الصيانة وإجراءات السلامة الخاصة بالمشروع مع مراجعة المخاطبات والرسائل الإلكترونية بين المديرين والمشغلين للموقع.
كما كشف تحليل بيانات الصندوق الأسود للرافعة أن زاوية الرافعة وقت سقوطها كانت 87 درجة، وهو ما تسبب في سقوط الذراع الشبكي للرافعة على الجزء العلوي من المسجد الحرام. كما حدد سرعة الرياح على زاوية الذراع الرئيسي وسرعة الرياح القصوى المسموح بها، وآلية التعامل معها في اللحظات الأخيرة وقبل 24 ساعة من سقوطها.
في المقابل، ردت شركة بن لادن في دفاعها أن التغيير المفاجئ في حالة الطقس والذي لم يكن مألوفا ولا طبيعيا، هو السبب في سقوط الرافعة، مشددة على أنه تم رصد أكثر من 50 صاعقة خلال ساعة واحدة في مكة المكرمة، مصحوبة بأمطار غزيرة أدت إلى انخفاض درجة الحرارة من 45 درجة مئوية إلى 21 درجة، ما نتج عنه حدوث رياح هابطة وشديدة، أدت إلى سقوط الرافعة، معتبرة أن ما حدث كان "قضاءً وقدراً".