منذ سنوات يهيمن البؤس على الواقع السياسي السعودي. تتحول الرياض مع الوقت إلى شقيق عربي عاجز، بمرض هرولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نحو كرسي الحكم لـ"خمسين سنة"، لن يحول دونه "سوى الموت"، كما ذكر في برنامج "60 دقيقة" على شبكة "سي بي أس" الأميركية في 19 مارس/آذار 2018.
فانعكاسات التخبط الذي تمارسه الرياض ليست داخلية فحسب، بل تطاول مجمل الوضع العربي. وليست الاعتقالات الأخيرة، لأمراء ومسؤولين، محاطة بسرية جمهوريات الاستبداد العربي، وبخطابات رنانة عن "رؤية القائد الفذ"، إلا تذكير بلازمة "التطهير" في مفسدة السلطة العربية. فاستماتة البعض للدفاع عن كل إجراءات ولي العهد، تُذكر بـ"حرفية" أنظمة الانقلاب، بتسخير كل الأدوات لتغيير قيم وبنية المجتمعات، وبسياسات وعلاقات خارجية تقوم على ارتجالية و"فهلوة"، بتقليد رفع مستبدين جمهوريين على رماح الدكتاتورية شعارات "العروبة والقومية".
من يقرأ تقارير ما يدور، أقله منذ تنحية الأمير محمد بن نايف، وانفلات فجور تهمة الإدمان بحقه، سيظن أن القصة تجري في واحدة من الجمهوريات الانقلابية. فهنا، ديناً وسياسة، تسود "حكمة شاب ملهم"، وتحت طائلة تهمة "الخيانة" لمن يعترض. أحد أقرب الأمثلة في الذاكرة، الصراع على الحكم في دمشق، في عهد حافظ الأسد وأخيه رفعت، بنفس الأدوات والخطابات، بما فيها تلك التي قضت التخلص من البعض على الطريقة الكورية الشمالية، انتحاراً ونحراً، أو بتفاهم مالي، وبأموال سعودية وليبية، في حالة إزاحة رفعت، لمصلحة وراثة سلالة أخيه حافظ. الأمر هنا غير مرتبط بعمر ولي عهد، بل بأخذ السعودية من مملكة لها مكانتها وتأثيرها الإقليمي، اختلفنا أم اتفقنا في ذلك، إلى ما يشبه جمهورية الموز، تذكر بتلك التي يتهاوى حكامها المهووسون بأبدية الدكتاتورية.
هذا التخبط، في الرضوخ لمتطلبات متحكم بالهرولة نحو الحكم، ومن بينها استعداء الرياض لحلفاء، وخسارة أصدقاء وشارع عربي، ورهن القرار ببضعة مستشارين مغمورين على وسائل التواصل الاجتماعي، بالطبع لن ينتج عنه في نهاية المطاف سوى تعميق المشهد المأساوي. مشهد يذكر بمن يطلق النار على قدميه، بعد إطلاقها في كل الاتجاهات. كم هو مؤسف ما تتجه إليه السعودية. فمنذ حصار قطر، والغرق في مشاريع حاكم أبو ظبي في اليمن، وغيرها من الساحات العربية، وتصفية أصحاب الرأي، كما فُعل بالصحافي جمال خاشقجي، وشرعنة التصهين، وتجريم ومحاكمة التعاطف مع فلسطين، صار للمملكة وجه آخر، تيه في الخيارات وارتجال في السياسات.