السعودية تهيئ سوق النفط لانخفاض الأسعار

13 أكتوبر 2014
استمرار خلافات الدول الأعضاء في "أوبك" بشأن أسعار النفط(أرشيف/Getty)
+ الخط -

تعمل السعودية، في هدوء، على إبلاغ المتعاملين في أسواق النفط بعدم انزعاجها من استمرار الانخفاض الملحوظ في أسعار الخام لفترة طويلة، وهو ما يمثل تحولا صارخا في سياسة المملكة قد يكون الهدف منه إبطاء وتيرة توسع بعض المنافسين.

ويدعو بعض أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، من بينهم فنزويلا وإيران، إلى خفض عاجل للإنتاج من أجل دفع الأسعار العالمية للصعود مجددا فوق 100 دولار للبرميل.

غير أن المسؤولين السعوديين بعثوا رسالة مختلفة خلال لقاءات خاصة مع مستثمري ومحللي أسواق النفط في الآونة الأخيرة، مفادها أن المملكة، أكبر منتج للنفط في "أوبك" مستعدة لقبول سعر يقل عن 90 دولارا، وربما يصل إلى 80 دولارا لفترة قد تمتد إلى عام أو عامين، بحسب مصادر اطلعت على المناقشات الأخيرة.

حرب أسعار

تعكس المناقشات، التي أجري جانب منها في نيويورك خلال الأسبوع الأخير، أكثر المؤشرات وضوحا حتى الآن على أن المملكة تنحي جانبا استراتيجيتها القديمة التي تعمل بموجبها على إبقاء سعر خام برنت قرب مائة دولار للبرميل؛ سعيا للحفاظ على حصتها بالسوق في السنوات المقبلة.

وقالت مصادر، التي طلبت عدم ذكر أسمائها نظرا لسرية المناقشات، لوكالة "رويترز"، إن السعوديين باتوا يراهنون فيما يبدو على أن انخفاض الأسعار لفترة، بما قد يؤثر سلبا على ماليات بعص أعضاء "أوبك"، سيكون ضروريا لتمهيد السبيل لجني إيرادات أعلى في الأمد المتوسط من خلال تقليص الاستثمارات الجديدة، والحد من الزيادة في الإمدادات من مصادر أخرى، مثل النفط الصخري في الولايات المتحدة أو المياه العميقة.

ولم يطرح المسؤولون السعوديون خلال المناقشات الخاصة تصورا بخصوص ما إذا كانت المملكة ستوافق على خفض الإنتاج، كما لم يكشفوا عن أي معطيات بشأن حجم هذا الخفض، وهي خطوة يتوقع كثير من المحللين أن تدعم السوق العالمية التي تنتج كميات أكبر بكثير من حجم طاقتها الاستهلاكية.

وتضخ السعودية نحو ثلث إنتاج "أوبك" من النفط، حيث يقدر إنتاج المملكة بنحو 9.7 مليون برميل يوميا.

وقال مصدر لوكالة "رويترز" إن مسؤولا سعوديا سئل عن خفض إنتاج المملكة في المستقبل، فأجاب: "أي خفض؟".

ولم يتضح بعد إذا كان ما أبلغت به السعودية مراقبي سوق النقط يمثل نهجا جديدا تلتزم به أو محاولة لإقناع أعضاء آخرين في "أوبك" بالانضمام للرياض في تقليص الإمدادات مستقبلا.

وقال مصدر لم يشارك في المناقشات مباشرة، لوكالة "رويترز"، إن المملكة لا تريد بالضرورة أن تواصل الأسعار انخفاضها، لكنها لا ترغب في تحمل عبء خفض الإنتاج وحدها، وهي مستعدة لقبول انخفاض الأسعار حتى يتعهد أعضاء آخرون في "أوبك" بالتحرك.

قلق "أوبك"

من المتوقع أن يكون الاجتماع المقبل لـ"أوبك" في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الأصعب منذ سنوات؛ نظرا لعدم قدرة معظم الأعضاء على خفض الإنتاج أو لعدم رغبتهم في ذلك.

ولم تقر المنظمة خفض الإنتاج إلا بضع مرات في العقد الأخير، كان آخرها في أعقاب الأزمة المالية في عام 2008.

ويوم الجمعة أضحت فنزويلا، وهي من أكثر أعضاء "أوبك" تأثرا بالأسعار، أول دولة تطالب، علنا، بتحرك عاجل حتى قبل الاجتماع الدوري المقبل.



وقال وزير الخارجية الفنزويلي، رفاييل راميريز، في تصريحات صحافية: "لن يستفيد أحد من حرب الأسعار أو هبوطها عن 100 دولار للبرميل".

فيما بدا وزير النفط الكويتي، على العمير، مستوعبا للتوجه الجديد للسعودية أكثر الأعضاء نفوذا في منظمة الدول المصدرة للبترول.

وقال العمير، أمس الأحد، إن خفض الإنتاج لن يسهم كثيرا في تعزيز الأسعار في مواجهة زيادة الإنتاج من روسيا والولايات المتحدة.

ونقلت وكالة الأنباء الكويتية "كونا"، عن العمير قوله إنه لا يعتقد أن هناك مجالا في الوقت الحالي لأن تخفض دول "أوبك" إنتاجها.

وأضاف الوزير الكويتي أن الأسعار قد تنحدر إلى 76 أو 77 دولارا للبرميل، وهي تكلفة الإنتاج في دول عدة، من بينها الولايات المتحدة، حيث أدت طفرة النفط الصخري لبلوغ الإنتاج أعلى مستوياته منذ الثمانينيات.

ولم يدل مسؤولون سعوديون بتصريحات علنية عن انحدار الأسعار.

النفط يتهاوى

انخفض مزيج برنت في العقود الآجلة بشكل مطرد على مدار أربعة أشهر تقريبا ونزل 23%عن مستوى مرتفع فوق 115 دولارا في يونيو/حزيران، مع انحسار المخاوف من تعطل إمدادات الشرق الأوسط، وفي ظل طفرة النفط الصخري في الولايات المتحدة وبوادر على تراجع الطلب من أوروبا والصين.

ودأبت الدول الخليجية الأعضاء في "أوبك"، حتى وقت قريب، على وصف هبوط الأسعار بأنه ظاهرة مؤقتة، مراهنة على أن الطلب الموسمي في الشتاء سيعزز الأسعار.

غير أن عددا متزايدا من المحللين باتوا ينظرون إلى الهبوط الأخير لأسعار النفط على أنه أكثر من كونه تراجعا موسميا، بحيث يرونه بداية تحول مهم إلى فترة طويلة من الوفرة النسبية في المعروض.

ويبدو أن السعودية تهيئ المتعاملين لتحول كبير في الأسعار بدلا من محاربة هبوط الأسعار وتخليها عن حصتها في السوق في مواجهة منافسة متزايدة.

وقال مصدر لوكالة "رويترز" إن السعوديين يريدون من العالم أن يدرك أنه "يجب ألا يندهش أحد" من انخفاض الأسعار عن 90 دولارا.

ولمح مصدر آخر إلى أن مستوى 80 دولارا قد يكون حدا أدنى مقبولا للمملكة، رغم أن بعض المحللين الآخرين يقولون إنه يبدو منخفضا جدا.

ورغم أن المناقشات الأخيرة بشأن أسعار النفط تعتبر، حتى الساعة، التجلي الأوضح عن تغير الاستراتيجية السعودية في هذا المجال، فإن القلق لا يزال سيد الموقف بشأن تطور أسعار الذهب الأسود.

منافسة قوية

ففي مطلع الشهر الجاري، خفضت المملكة سعر البيع الرسمي لنفطها أكثر من المتوقع؛ سعيا للاحتفاظ بعملائها في آسيا، في خطوة اعتبرت على نطاق واسع شرارة حرب أسعار لجذب عملاء في آسيا.

وقال مستشار الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ورئيس مجموعة رابيدان لاستشارات الطاقة، روبرت مكنالي، في مذكرة للعملاء بعد زيارة للسعودية، الشهر الماضي، إن السعوديين "سيقبلون بانخفاض الأسعار إلى المستوى الضروري، لتحقيق توازن في السوق في مواجهة قطاع النفط الصخري الأميركي".

ومع اتضاح فحوى الرسالة، الأسبوع الماضي، تسارعت وتيرة هبوط الأسعار. ويقترب خام برنت من أقل مستوياته منذ عام 2010.

وقال مكنالي "حتى نحو ثلاثة أيام مضت كانت السوق تجمع على أن السعوديين سيخفضون الإنتاج. لكن لم يعد هذا أمرا محسوما. فقد أدركت السوق فجأة أنها تعمل بلا حماية".

المساهمون