هذه المطبوعات والمواقع ليست بحجم وتأثير الصحف والشبكات الكبرى التي تهاجم الرياض، خاصة بعد جريمة اغتيال الصحافي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
لكنها تملك حصة لا بأس بها من الكعكة الإعلامية من شأنها مساعدة المملكة في تلطيف الانتقادات الواسعة التي تتعرض لها في وسائل الإعلام الأخرى والكونغرس وصفحات الرأي وكتابات النخب السياسية والفكرية، علماً أنها حاولت التغلغل في صلب شبكات وسائل التواصل الاجتماعي مثل "تويتر" التي طردت من بين العاملين فيها "عميلاً سرياً للسعودية"، وفق صحيفة "نيويورك تايمز".
وقد سُلطت الأضواء على هذا الموضوع خلال الأيام الأخيرة في سياق ما تكشف عن علاقة المملكة بالصحيفة الشعبية الشهيرة "ناشيونال إنكويرير"، ومحاولة الاستعانة بها لإخراس صحيفة "واشنطن بوست" وإرغامها على وقف متابعتها لجريمة قتل خاشقجي الذي كان كاتباً فيها أصلاً.
هذه الصحيفة يرأس شركتها الأم "أميريكان ميديا"، ديفيد بيكر، الصديق المقرب من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي يشده طموح للتقرب والعمل الاستثماري مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. وعندما قام هذا الأخير بجولته الأميركية في مارس/آذار 2018، استقبله بيكر بنشر عدد خاص من مجلة من 97 صفحة تحت عنوان "المملكة الجديدة"، ووزع منها 200 ألف نسخة، قبل ثلاثة أسابيع من بدء جولة ولي العهد.
في يناير/كانون الثاني الماضي، كشفت "ناشيونال إنكويرير" رواية استأثرت بالأضواء عن علاقة مالك شركة "أمازون" و"واشنطن بوست"، جيف بيزوس، بعشيقة أدت إلى طلاقه من زوجته. وقد زعمت أن شقيق العشيقة زودها بالمعلومات حول هذا الموضوع، ثم هددت بنشر "صور محرجة" للرجل الأغنى في العالم، إذا لم يسارع إلى "تلبية بعض المطالب"، وهو ما أوحى بأن المطلوب من بيزوس الضغط على صحيفته لتوقف ملاحقتها لجريمة اغتيال جمال خاشقجي، كثمن لعدم نشر الصور.
بعدما رفض التهديد الابتزازي مع التشديد على عدم التدخل في عمل "واشنطن بوست"، كلف بيزوس جهة متمرسة في التحريات للكشف عن المصدر الحقيقي الذي زود "إنكويرير" بالمعلومات والصور التي بدا أن نسبها لشقيق العشيقة كان للتمويه ليس إلّا.
الجهة التي قامت بالمهمة انتهت إلى خلاصة "موثوقة بدرجة عالية" بأن السعودية استطاعت الدخول إلى هاتف بيزوس، ما مكنها من الحصول على المعلومات الخاصة بحياته الشخصية، ولو أنه من غير الواضح حتى الآن ما إذا كان محمد بن سلمان على علم بذلك.
ولفت التحقيق إلى أن السعودية زودت "إنكويرير" بهذه المعلومات لتوظيفها ورقة ضغط لحمل بيزوس على إخراس صحيفته بالنسبة إلى موضوع خاشقجي. ولدعم صدقية روايتها، قال التقرير إنه "اعتمد مصادر مختلفة ومقابلات ومحادثات مع خبراء من عالم الاستخبارات العربية الذين تابعوا عمليات التجسس السعودية، فضلاً عن أشخاص يعرفون بن سلمان شخصياً وآخرين عملوا مع سعود القحطاني".
وبصرف النظر عن مدى صحة رواية التجسس السعودي على هاتف بيزوس، فإن محاولة "إنكويرير" قد فشلت في الضغط على الصحيفة وصاحبها الذي لا يتدخل أصلاً في شؤون التحرير، والدليل أنها رفعت أخيراً من وتيرة ملاحقتها لجريمة خاشقجي، مجددة التعهد بمواصلة التقصي والضغط لكشف كامل وقائع عملية القتل.
وتجاريها في ذلك وسائل إعلام مرموقة، مثل "نيويورك تايمز" وعدد من قنوات التلفزة الواسعة الانتشار. وإذا صحّت رواية التوسل السعودي للخصومات بين وسائل الإعلام الأميركي، وهي أقرب إلى الصحة حسب ما تشير سرديتها وخلفياتها، فإنها تكون قد اختارت مجدداً الدخول في مغامرة جديدة غير محسوبة وخاسرة.