إذ تحاول الرياض تبرير خفض إنتاج النفط في أوبك بشعار "زيادة أسعار النفط عبر تقليص الإمدادات"، إلا أن الأرقام تؤكد عكس ما يُقال. ففي الوقت الذي يتراجع فيه إنتاج أوبك وعلى رأسها السعودية، يرتفع الإنتاج النفطي الأميركي ليصبح الأعلى دولياً متخطياً كلاً من الرياض وموسكو.
وفي ظل معادلة كهذه، يبقى سعر النفط ما دون إمكانات الحكومات النفطية، وبينها السعودية، في دعم ميزانياتها، وفي حدود تضمن لشركات التنقيب الأميركية ارتفاع المردود، بما يغطي أكلاف التنقيب ويعطيها القدرة على المنافسة في السوق الدولية.
هذا التوجه، يدعمه تصريح الأمين العام لمنظمة أوبك محمد باركيندو، خلال مؤتمر للطاقة في هيوستن في الولايات المتحدة ونقلته وكالة "رويترز"، اليوم الثلاثاء، حيث أكد أن "شركات النفط الصخري الأميركية استفادت من جهود أوبك وحلفائها لخفض الإنتاج والتي دعمت الأسعار".
التخمة والأسعار
وجاءت تصريحات باركيندو قبل اجتماع أوبك مع منتجي النفط الأميركيين للعام الثالث على
التوالي في مؤتمر أسبوع سيرا الذي تنظمه آي.اتش.اس ماركت.
وقال باركيندو إن إعادة التوازن لسوق النفط العالمية "عمل جار"، وإن ضبط الإمدادات سيتواصل خلال 2019. وزاد إنتاج الولايات المتحدة مع تحرك أوبك لتقييد الإمدادات من أجل الإبقاء على الأسعار مرتفعة. والولايات المتحدة الآن أكبر منتج للخام في العالم، بإنتاج يفوق 12 مليون برميل يوميا، متخطية السعودية وروسيا.
وكشفت وكالة الطاقة الدولية، في تقرير أمس الإثنين، أن الولايات المتحدة ستقود النمو في إمدادات النفط الخام حتى 2024، مع زيادة إنتاج النفط الصخري.
وضع ذلك أوبك في موقف غريب، إذ يقلل أعضاؤها حصتهم السوقية بما يدعم حصة الولايات المتحدة عالمياً. وفي أول يناير/ كانون الثاني، بدأت أوبك وحلفاؤها بتخفيضات إنتاج جديدة لتجنب تخمة معروض قد تضغط على الأسعار. واتفق التحالف على تقليل الإنتاج بواقع 1.2 مليون برميل يوميا لمدة ستة أشهر.
وأشار مسؤول خليجي كبير في مجال النفط، على هامش أسبوع سيرا، الاثنين، إلى أن أوبك ستناقش في إبريل/ نيسان توازن العرض والطلب وإنها "ستواصل خفص الإنتاج".
وقال "نريد أن نرى انخفاض المخزونات التجارية"، مضيفا أن المخزونات العالمية من الخام والمنتجات النفطية يجب أن تعاود الانخفاض إلى متوسط خمس سنوات، وهو هدف وضعته المنظمة للقضاء على تخمة المعروض النفطي في الأسواق العالمية.
وتجتمع أوبك وحلفاء، من بينهم روسيا، في ما يعرف باسم تحالف أوبك+، في فيينا يومي 17 و18 إبريل/ نيسان، ومن المقرر انعقاد اجتماع آخر يومي 25 و26 يونيو/ حزيران.
أسعار النفط
ويضغط النفط الصخري الأميركي على أسعار الخام عالميا، مع ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة
لمستويات غير مسبوقة. وصعدت العقود الآجلة لخام القياس العالمي مزيج برنت، اليوم الثلاثاء، وهي شحنات تسليم في مايو/ أيار، بنسبة 0.47 بالمائة أو 31 سنتا، إلى 66.89 دولاراً للبرميل.
في الاتجاه نفسه، صعدت العقود الآجلة للخام الأميركي نايمكس، تسليم إبريل/ نيسان، بنسبة 0.60 بالمائة أو 34 سنتا، إلى 57.13 دولارا للبرميل.
وقالت وكالة الطاقة الدولية، أمس الإثنين، إن النفط الأميركي، بما في ذلك سوائل الغاز الطبيعي وبعض الهيدروكربونات الأخرى، سيقفز إلى 19.6 مليون برميل يوميا بحلول 2024 مقارنة مع 15.5 مليون برميل يوميا العام الماضي. وسيرتفع إجمالي صادرات الخام إلى المثلين، ما سيؤدي إلى تعزيز التنافسية خاصة في السوق الآسيوية.
وذكرت وكالة الطاقة، التي تقدم المشورة للولايات المتحدة ودول صناعية أخرى، في توقعاتها لخمس سنوات، أن "الولايات المتحدة تقود بشكل متزايد نمو إمدادات النفط العالمية، مع توقع نمو كبير أيضا لدى منتجين آخرين من خارج أوبك، من بينهم البرازيل والنرويج والمنتج الجديد جيانا".
وأضافت الوكالة أن صادرات الولايات المتحدة من الخام ستتخطى شحنات روسيا وستلحق تقريبا بالسعودية بحلول 2024، وهو ما يساهم في تنويع الإمدادات العالمية.
وتتوقع وكالة الطاقة الدولية انخفاض الطلب على نفط أوبك في 2020 ثم ارتفاعه إلى متوسط قدره 31.3 مليون برميل يوميا في 2023. ويزيد الرقم المتوقع بمقدار 600 ألف برميل يوميا فقط بالمقارنة مع العام الحالي.
تمديد خفض الإنتاج
وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، لرويترز، يوم الأحد، إنه يبدو من السابق لأوانه إجراء
تغيير في سياسة إنتاج أوبك وحلفائها خلال اجتماع إبريل/ نيسان، وإن الصين والولايات المتحدة ستقودان طلباُ عالمياً قوياً على الخام في العام الحالي.
في السياق، أكد مسؤول سعودي لوكالة "بلومبيرغ"، أن المملكة ستزود عملائها بنفط أقل بكثير مما طلبوا في إبريل/ نيسان، وهو ما يمدد تخفيضات الإنتاج العميقة أكثر من المتفق عليها إلى الشهر الثاني.
وقال المسؤول نفسه إن السعودية تخطط لإنتاج أقل بكثير من 10 ملايين برميل يوميًا في إبريل، بوتيرة مماثلة لشهر مارس/ آذار، عندما خفضت الإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميًا اعتبارًا من فبراير/ شباط.
ومع تراجع إنتاج فنزويلا بشكل أكبر بسبب العقوبات الأميركية وانقطاع التيار الكهربائي، تقدمت مصافي تكرير النفط بطلبات للخام السعودي بأكثر من 7.6 ملايين برميل يوميًا لشهر إبريل/ نيسان، حسبما قال المصدر. ولفت الأخير إلى أن المملكة ستزود العملاء الأجانب بأقل من 7 ملايين برميل يوميًا، أي أقل بمقدار 635 ألف برميل عن طلبات مصافي التكرير.
وعلى الرغم من عدم مطابقته، يمكن استخدام الخام السعودي كبديل للخام الفنزويلي، وفق "بلومبيرغ"، كما أنه بديل جيد للنفط الإيراني.
وتأتي التخفيضات السعودية بعدما أخبر وزير الطاقة خالد الفالح المراسلين في أواخر فبراير أن مخزونات النفط الخام الأميركية كانت "ممتلئة"، وأن التخفيض من التخمة كان الهدف الرئيسي لتحالف أوبك. ولكن منذ أن تحدث الفالح، زادت مخزونات الولايات المتحدة أكثر، حيث سجل إنتاج النفط الأميركي مستويات قياسية.
ويأتي ذلك عقب تعرض المملكة العربية السعودية ودول أوبك الأخرى لضغط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي حث أوبك في تغريدة على "إرجاء الاسترخاء وأخذ الأمور بسهولة". وقدم الفالح ردا مباشرا في فبراير: "نحن نأخذ الأمر بسهولة، 25 دولة تتخذ نهجاً بطيئاً جداً ومحسوباً".
وحتى الآن، ركزت المملكة العربية السعودية تخفيضات صادراتها في السوق الأميركية، حيث هبطت واردات الولايات المتحدة من الخام السعودي إلى 513 ألف برميل في اليوم، وفقا لأحدث البيانات الحكومية، وهو أدنى مستوى منذ عام 1986. وفي العام الماضي، صدرت المملكة في المتوسط 815 ألف برميل يومياً إلى الولايات المتحدة.