عوّل الصحافيون والحقوقيون على الحملة الإعلامية العالمية التي صوّبت على سجل السعودية الحافل باستهداف وقمع العاملين في هذا القطاع، بعد اغتيال الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، داخل قنصلية بلاده، في مدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي ليتبين، مع حملة اعتقالات الكتاب والمثقفين، يوم الخميس، أن المملكة مستمرة في تنفيذ مشروع ولي العهد محمد بن سلمان بعدم السماح ببقاء أي شخص غير موالٍ له تماماً، خارج السجن.
وطيلة 6 أشهر، تولى الإعلام العالمي، وعلى رأسه صحيفة "واشنطن بوست" حيث كتب خاشقجي قبل قتله، الإضاءة على حملات القمع وإسكات أصوات المعارضين التي عبدت الطريق أمام صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وبدت الصحافة العالمية في حملتها هذه كأنها لا تدافع عن زميل فقط، بل تحاول إلى حد ما مراجعة نفسها والتكفير عن ذنبها، بعدما شاركت هي نفسها في الترويج للأمير "الشاب" و"خطواته الإصلاحية". فالانبهار الإعلامي الأميركي والأوروبي الذي رافق صعود ولي العهد تزعزع حين شنّ النظام السعودي حملة الاعتقالات الكبرى، في سبتمبر/أيلول عام 2017، وطاولت أكاديميين واقتصاديين وكتّاباً وصحافيين وشعراء وروائيين ومفكرين ودعاة إسلاميين، برغم أن منابر عدة وضعته في إطار "مكافحة الفساد". لكنه انهار كاملاً بعد تصفية خاشقجي.
وكان خاشقجي من الأصوات الناقدة للنظام السعودي. وقد اختفى في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقب دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول. وبعد نفي وفاته على مدى أيام، اعترفت الرياض أخيراً بأنه قُتل هناك على أيدي عملاء سعوديين، ثم عزلت مسؤولين على خلفية ذلك. وظل محمد بن سلمان بمنأى عن أي إجراء، برغم أن أصابع الاتهام تشير إلى ضلوع جهات من أعلى هرم الدولة في الجريمة.
عقب الجريمة، تعدّت الفورة الإعلامية كتابة التقارير المعارضة ومهاجمة السلطات السعودية والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي، وتخللها سيل من الانسحابات من منتدى الاستثمار السعودي "دافوس في الصحراء" الذي عقد خلال الشهر نفسه الذي اغتيل فيه خاشقجي، في العاصمة الرياض. كما شنت صحف أميركية حملة على كتّابها المؤيدين للسعودية، واستبعدت بعضهم من صفحاتها.
اقــرأ أيضاً
لكن يبدو النظام السعودي ماضياً بحزم ومن دون هوادة في مساعيه الرامية إلى إسكات الأصوات الناقدة، مموهاً الرقابة بحداثة صورية تركز على إحياء الحفلات في البلاد ورفع الحظر عن الدور السينمائية أو قيادة المرأة للسيارة. وآخر هذه المساعي حملة اعتقالات ضخمة استهدفت ناشطين حقوقيين وقوميين وكتاباً وباحثين يساريين وناشطات نسويات، وقرارات منع من السفر بحق عشرات الناشطين الآخرين تمهيداً لاعتقالهم.
واعتقلت السلطات السعودية، يوم الخميس، الكاتب والباحث ثمر المرزوقي وزوجته خديجة الحربي، والطبيب والباحث بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، وفهد أبا الخيل وعبد الله الدحيلان ومقبل الصقار ويزيد الفيفي، بالإضافة إلى صلاح الحيدر، نجل الناشطة النسوية المفرج عنها أخيراً عزيزة اليوسف، ويحمل الحيدر بالإضافة إلى الإبراهيم الجنسيتين الأميركية والسعودية. وأكد معارضون لـ "العربي الجديد"، أن بعض الناشطين المطلوبين استطاعوا الفرار خارج البلاد بعد علمهم ببدء حملة الاعتقالات، بينما لا يزال الاتصال مفقوداً بآخرين. ووصل عدد المطلوبين على قائمة السلطات إلى أكثر من 40 اسماً تتواصل مطاردتهم.
وينضم هؤلاء إلى عشرات الفاعلين الإعلاميين الذين يواجهون السجن أو سوء المعاملة أو الاحتجاز التعسفي أو تصدر في حقهم أحكام جائرة، علماً أن السعودية تحتل المرتبة 169 على "التصنيف العالمي لحرية الصحافة" الذي نشرته "مراسلون بلا حدود" في 2018، من بين 180 دولة.
وكانت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية حصلت على تقرير رسمي سعودي مسرّب، في 31 مارس/آذار الماضي، أكد تعرض المعتقلين السياسيين في المملكة لمعاملة سيئة وتعذيبهم أثناء احتجازهم، بما في ذلك تعرضهم لجروح وحرقهم وإصابتهم بكدمات. ومن بين المعتقلين المذكورين في الوثيقة أربعة صحافيين: زهير كتبي، والكاتبة هتون الفاسي، والمذيع فهد السنيدي، وعادل بنيمة.
وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود" أكدت أن المملكة ليس لديها "إعلام مستقل" و"مستوى الرقابة الذاتية فيها شديد الارتفاع". وأشارت إلى أن عدد الصحافيين والمدونين القابعين في السجون السعودية قد تضاعف منذ وصول بن سلمان إلى السلطة، علماً أن معظم الاعتقالات تمّت أواخر عام 2017.
اقــرأ أيضاً
وفي العديد من الحالات، يتم التكتم بشدة عن أسباب الاعتقال ومكان الاحتجاز، علماً أن العديد من الصحافيين يظلون في عداد "المختفين" لمدة طويلة قبل أن يظهروا فجأة في أحد السجون السعودية، وفقاً للمنظمة نفسها.
وفي فبراير/شباط عام 2018، حُكم على الصحافي صالح الشحي بالسجن 5 سنوات، بتهمة "إهانة الديوان الملكي" الذي كان قد اتهمه خلال تصريح له في ديسمبر/كانون الأول عام 2017 بالضلوع والتواطؤ في قضايا فساد ومحسوبية. كما تطاول المتابعات اثنين من كتّاب مقالات الرأي ذائعي الصيت في المملكة، الخبير الاقتصادي عصام الزامل والأكاديمي عبد الله المالكي، اللذين يحاكمان على خلفية كتاباتهما وتحليلاتهما الناقدة أحياناً للسياسة الاقتصادية والاستراتيجية التي تتبعها المملكة.
وترافقت حملات الاعتقال مع تشديد قبضة السلطات السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر أنشطة التضليل والتضخيم والترهيب والتهديد، وخاصة التذكير المستمر بقانون الجرائم الإلكترونية في سياق تغطية خاشقجي وغيره من القضايا المرتبطة بحرية التعبير، مؤكدة بشدة على الأحكام التي تنص على السجن لمدة 5 سنوات بتهمة "نشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة"، في دعوة واضحة إلى دعم الخطاب الرسمي فقط.
وقد تولى المهمة الأكبر في نشر الترهيب واستهداف الأصوات المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "تويتر"، جيش من "الذباب الإلكتروني" تحت إشراف سعود القحطاني، أحد كبار مستشاري ولي العهد الذي أعفي من مهامه أخيراً في تداعيات قتل خاشقجي.
وطيلة 6 أشهر، تولى الإعلام العالمي، وعلى رأسه صحيفة "واشنطن بوست" حيث كتب خاشقجي قبل قتله، الإضاءة على حملات القمع وإسكات أصوات المعارضين التي عبدت الطريق أمام صعود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان.
وبدت الصحافة العالمية في حملتها هذه كأنها لا تدافع عن زميل فقط، بل تحاول إلى حد ما مراجعة نفسها والتكفير عن ذنبها، بعدما شاركت هي نفسها في الترويج للأمير "الشاب" و"خطواته الإصلاحية". فالانبهار الإعلامي الأميركي والأوروبي الذي رافق صعود ولي العهد تزعزع حين شنّ النظام السعودي حملة الاعتقالات الكبرى، في سبتمبر/أيلول عام 2017، وطاولت أكاديميين واقتصاديين وكتّاباً وصحافيين وشعراء وروائيين ومفكرين ودعاة إسلاميين، برغم أن منابر عدة وضعته في إطار "مكافحة الفساد". لكنه انهار كاملاً بعد تصفية خاشقجي.
وكان خاشقجي من الأصوات الناقدة للنظام السعودي. وقد اختفى في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عقب دخوله إلى القنصلية السعودية في إسطنبول. وبعد نفي وفاته على مدى أيام، اعترفت الرياض أخيراً بأنه قُتل هناك على أيدي عملاء سعوديين، ثم عزلت مسؤولين على خلفية ذلك. وظل محمد بن سلمان بمنأى عن أي إجراء، برغم أن أصابع الاتهام تشير إلى ضلوع جهات من أعلى هرم الدولة في الجريمة.
عقب الجريمة، تعدّت الفورة الإعلامية كتابة التقارير المعارضة ومهاجمة السلطات السعودية والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن قتل خاشقجي، وتخللها سيل من الانسحابات من منتدى الاستثمار السعودي "دافوس في الصحراء" الذي عقد خلال الشهر نفسه الذي اغتيل فيه خاشقجي، في العاصمة الرياض. كما شنت صحف أميركية حملة على كتّابها المؤيدين للسعودية، واستبعدت بعضهم من صفحاتها.
لكن يبدو النظام السعودي ماضياً بحزم ومن دون هوادة في مساعيه الرامية إلى إسكات الأصوات الناقدة، مموهاً الرقابة بحداثة صورية تركز على إحياء الحفلات في البلاد ورفع الحظر عن الدور السينمائية أو قيادة المرأة للسيارة. وآخر هذه المساعي حملة اعتقالات ضخمة استهدفت ناشطين حقوقيين وقوميين وكتاباً وباحثين يساريين وناشطات نسويات، وقرارات منع من السفر بحق عشرات الناشطين الآخرين تمهيداً لاعتقالهم.
واعتقلت السلطات السعودية، يوم الخميس، الكاتب والباحث ثمر المرزوقي وزوجته خديجة الحربي، والطبيب والباحث بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، وفهد أبا الخيل وعبد الله الدحيلان ومقبل الصقار ويزيد الفيفي، بالإضافة إلى صلاح الحيدر، نجل الناشطة النسوية المفرج عنها أخيراً عزيزة اليوسف، ويحمل الحيدر بالإضافة إلى الإبراهيم الجنسيتين الأميركية والسعودية. وأكد معارضون لـ "العربي الجديد"، أن بعض الناشطين المطلوبين استطاعوا الفرار خارج البلاد بعد علمهم ببدء حملة الاعتقالات، بينما لا يزال الاتصال مفقوداً بآخرين. ووصل عدد المطلوبين على قائمة السلطات إلى أكثر من 40 اسماً تتواصل مطاردتهم.
وينضم هؤلاء إلى عشرات الفاعلين الإعلاميين الذين يواجهون السجن أو سوء المعاملة أو الاحتجاز التعسفي أو تصدر في حقهم أحكام جائرة، علماً أن السعودية تحتل المرتبة 169 على "التصنيف العالمي لحرية الصحافة" الذي نشرته "مراسلون بلا حدود" في 2018، من بين 180 دولة.
وكانت صحيفة "ذا غارديان" البريطانية حصلت على تقرير رسمي سعودي مسرّب، في 31 مارس/آذار الماضي، أكد تعرض المعتقلين السياسيين في المملكة لمعاملة سيئة وتعذيبهم أثناء احتجازهم، بما في ذلك تعرضهم لجروح وحرقهم وإصابتهم بكدمات. ومن بين المعتقلين المذكورين في الوثيقة أربعة صحافيين: زهير كتبي، والكاتبة هتون الفاسي، والمذيع فهد السنيدي، وعادل بنيمة.
وكانت منظمة "مراسلون بلا حدود" أكدت أن المملكة ليس لديها "إعلام مستقل" و"مستوى الرقابة الذاتية فيها شديد الارتفاع". وأشارت إلى أن عدد الصحافيين والمدونين القابعين في السجون السعودية قد تضاعف منذ وصول بن سلمان إلى السلطة، علماً أن معظم الاعتقالات تمّت أواخر عام 2017.
وفي العديد من الحالات، يتم التكتم بشدة عن أسباب الاعتقال ومكان الاحتجاز، علماً أن العديد من الصحافيين يظلون في عداد "المختفين" لمدة طويلة قبل أن يظهروا فجأة في أحد السجون السعودية، وفقاً للمنظمة نفسها.
وفي فبراير/شباط عام 2018، حُكم على الصحافي صالح الشحي بالسجن 5 سنوات، بتهمة "إهانة الديوان الملكي" الذي كان قد اتهمه خلال تصريح له في ديسمبر/كانون الأول عام 2017 بالضلوع والتواطؤ في قضايا فساد ومحسوبية. كما تطاول المتابعات اثنين من كتّاب مقالات الرأي ذائعي الصيت في المملكة، الخبير الاقتصادي عصام الزامل والأكاديمي عبد الله المالكي، اللذين يحاكمان على خلفية كتاباتهما وتحليلاتهما الناقدة أحياناً للسياسة الاقتصادية والاستراتيجية التي تتبعها المملكة.
وترافقت حملات الاعتقال مع تشديد قبضة السلطات السعودية على مواقع التواصل الاجتماعي، عبر أنشطة التضليل والتضخيم والترهيب والتهديد، وخاصة التذكير المستمر بقانون الجرائم الإلكترونية في سياق تغطية خاشقجي وغيره من القضايا المرتبطة بحرية التعبير، مؤكدة بشدة على الأحكام التي تنص على السجن لمدة 5 سنوات بتهمة "نشر الشائعات أو الأخبار الكاذبة"، في دعوة واضحة إلى دعم الخطاب الرسمي فقط.
وقد تولى المهمة الأكبر في نشر الترهيب واستهداف الأصوات المعارضة على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "تويتر"، جيش من "الذباب الإلكتروني" تحت إشراف سعود القحطاني، أحد كبار مستشاري ولي العهد الذي أعفي من مهامه أخيراً في تداعيات قتل خاشقجي.