أثار إعلان السعودية افتتاح دور للسينما، والبدء بإعلان الشروط وإعطاء التراخيص، موجة غضب عارمة من قبل التيار الديني، استترت خلف وسم #السينما_منكر_وإشاعة_معصية، في تنديد على نية الدولة افتتاح دور سينما عديدة خلال الأشهر القادمة.
وبقيت فكرة السينما محرمة طيلة العقود الماضية، تماشياً مع سياسة الحكومة وقتها بمهادنة التيار الديني وعدم مصادمته، لما للأخير من موقف ثابت لا يتزحزح تجاه تحريم السينما، تبلور خلال السنوات الماضية عبر جملة من الفتاوى.
وكانت فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم الشيخ، مفتي المملكة السابق، والشيخ عبدالعزيز بن باز، بادرت بتحريم قطعي لدور السينما، لا يحمل التأويل. إذ أفتى ابن باز ما نصّه "أن السينما تجمع شراً كثيراً ولو وجدت سينما سليمة ليس فيها ما يخالف الشرع المطهر، لم تحرم". وحرمها المفتي الأسبق بالقول "أنها من أعظم المعاصي"، كما حرم إنشاء دور السينما ومشاهدتها وتأجيرها وحراستها.
وكانت هيئة كبار العلماء قد حرمت السينما عبر فتوى صادرة منها، تحرم بناء دور السينما لما فيها من اللهو، ولما تحتويه الأفلام من مناظر فاتنة مثيرة للغرائز وفساد الأخلاق. كما سبق للمفتي الحالي الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، الدلو في هذا الشأن، ولم يقلّ منسوب تحريمه عن سابقيه إذ أكدّ "أنها محرمة لما تنطوي عليه من محرمات ومفسدة للقيم، ولا خير فيها، وكلها فساد للأخلاق".
لكنّ المفتي الحالي، عاد ليسجل انعطافة لصالح ولي العهد محمد بن سلمان، القائم على مشروع افتتاح صالات السينما، داعياً أن تعالج مطالب هيئة الترفيه بإنشاء دور السينما بحكمة وهدوء، في موافقة ضمنيّة على افتتاحها.
وعلمت "العربي الجديد" أن آراء مخالفة زخرت بها هيئة كبار العلماء تجاه الإعلان بافتتاح السينما، إلا أنها تظل مكبلّة ولا تتعدى معارضتهم الغرف المغلقة كما كان حالهم مع حق المرأة في القيادة، وقضايا أخرى كالحفلات الغنائية، إذ لا وجود لرأيهم في مآل الأمور.
ويقول مراقبون إن آراء المفتي الحالي ستظل أبد الدهر مهمَّشة في ظل سياسة الانفتاح الحالية بعد أن تغيرت المعادلة، وأن رأيه لن يحيد عن رأي السلطة كما هو الحال مع قرارات عدة دأب فيها المفتي على اقتفاء أثر السلطة، وحذر هؤلاء من اصطدام التيار الإسلامي بالسلطة، ما قد يحد من شرعية النظام بأكمله إذا ما استمرت هذه العلاقة الشائكة في الاستمرار.
ويستطرد هؤلاء أن محمد بن سلمان رغم تطويعه لهيئة كبار العلماء، إلا أنه قد يصطدم بمن هم ليسوا في كنف السلطة، الذين أبدوا معارضة خفية لتحركاته التي، برأيهم، تنحرف عن مسار الدولة في مهادنة المشايخ لكسب ودهم.
وكانت الهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، قد أصدرت بياناً أشارت فيه إلى البدء بإصدار تراخيص وشروط لافتتاح دور للسينما في المدن الكبرى كخطوة أولى، ورغم ذكرها بأن المحتوى لن يتنافى مع القيم والأخلاق الشرعية، إلا أن ذلك ادعاء لا يمكن تحقيقه لأسباب عدة. تكمن الصعوبة في تحقيق ذلك كون حذف بعض المقاطع قد يبعثر الفيلم ويشتت ذهن المشاهد ويتسبب في إرباكه، فالفيلم بعد حذف بعض المشاهد سيتغير لا محالة وهو الحال مع الأفلام الأميركية التي تباع في المملكة والتي لا تجد رواجاً البتة. ما فسّره البعض بأنه بيان هادئ لامتصاص غضب بعض المواطنين لحين افتتاحها.
يُذكر أن مراقبين كثيرين يرون أن ولي العهد يحاول أن يقوم ببعض الإصلاحات المحدودة في المجالين الاجتماعي والسياسي لإظهار النظام وكأنه يمر بعملية تحديث خصوصاً مع تتويج متوقع لبن سلمان على عرش المملكة، إلا أن الحقيقة كما يقول مراقبون هي أن خطوات بن سلمان أشبه ما تكون بعملية تجميل تخفي تحتها الكثير من العيوب والثغرات خصوصاً مع تعاظم الاعتقالات السياسية وتعثر الملفات الإقليمية التي دخلت بها السعودية نتيجة لقرارات متسرعة.
وكانت السعودية قد شهدت في ستينات وسبعينات القرن الماضي، افتتاح دور سينما محدودة، في مدن الرياض وجدة والدمام، عرضت أفلاماً مصرية ولبنانية، إلا أنها لم تصمد حيال ضغط المؤسسة الدينية، ليكون مصيرها الإغلاق.