الحملة الدعائية الضخمة التي روّجت لرؤية ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، لإحداث انقلاب في اقتصاد السعودية، صدَقت. فالانقلاب حصل فعلاً، لكن في اتجاه معاكس لرؤية جاءت ترجمتها منافية لإجراءات لم تُفض في النهاية إلا إلى مراكمة جبل من الديون الضخمة، وإجهاد بلد مصاب بالركود منذ نحو 3 أعوام، فضلاً عن "تطفيش" الاستثمارات والعمّال الأجانب.
لم يقرأ أحد، موضوعياً، في كتاب "إنجازات" بن سلمان، إلا أصابه "الذهول" من هول ما يحصل داخل أروقة اقتصاد المملكة هذه الأيام.
قبل أيام فضحت وكالة "رويترز" بالتفصيل الممتع والمحزن في آن، كيف هدّ بن سلمان أركان مجموعة "بن لادن" العملاقة لمجرّد أنها لم ترض بإدخاله شريكاً فيها. وفي السياق ذاته كان المصير الكارثي لشركة "سعودي أوجيه" وجيش العاملين فيها. وكانت فاتحة هزّ الثقة بالقيادة السعودية "الشابة" اعتقال مئات المسؤولين ورجال الأعمال في ملفّات شابها الغموض وأنتجت مئات مليارات الدولارات من "المصادرة" بقناع من "التسويات".
لم يقرأ أحد، موضوعياً، في كتاب "إنجازات" بن سلمان، إلا أصابه "الذهول" من هول ما يحصل داخل أروقة اقتصاد المملكة هذه الأيام.
قبل أيام فضحت وكالة "رويترز" بالتفصيل الممتع والمحزن في آن، كيف هدّ بن سلمان أركان مجموعة "بن لادن" العملاقة لمجرّد أنها لم ترض بإدخاله شريكاً فيها. وفي السياق ذاته كان المصير الكارثي لشركة "سعودي أوجيه" وجيش العاملين فيها. وكانت فاتحة هزّ الثقة بالقيادة السعودية "الشابة" اعتقال مئات المسؤولين ورجال الأعمال في ملفّات شابها الغموض وأنتجت مئات مليارات الدولارات من "المصادرة" بقناع من "التسويات".
"تنفير" المستثمرين والرساميل في جو من الغموض الهادف إلى إحكام السيطرة على الحُكم ومفاصله الاقتصادية كافة، أرخى بمُناخ من الإحباط للقطاع الخاص السعودي نفسه الذي حاول بعض رموزه جاهدين "تهريب" أموالهم إلى الخارج، فضلاً عن إثارة المخاوف لدى المستثمرين الأجانب الذي لا يستسيغون توظيف رؤوس أموالهم إلا على أسس واضحة مع أكبر قدر من التطمينات.
من نتائج هذه الأجواء كان السقوط المدوّي لتخصيص شركة عملاق النفط "أرامكو" جزئياً، وعجز الأخيرة عن شراء حصّة في مواطنتها شركة الصناعات الأساسية "سابك"، عملاق البتروكيماويات، ناهيك عن الإخفاق في خلق الوظائف الكافية والعجز عن إنجاح "سعودة" الوظائف في العديد من القطاعات.
ارتفاع صاروخي للمديونية العامة
استمرار الركود الاقتصادي والاستثماري المستحكم، قوّض إلى حد كبير رؤية بن سلمان الهادفة إلى تنويع الموارد الاقتصادية، لدرجة أن وكالة "بلومبيرغ" نشرت تقريراً دعته فيه إلى "اللعب على قدر حجمه"، خاصة بعدما أطلق مشاريع عملاقة، منها تخصيص "أرامكو" جزئياً ومشروع "نيوم" الضخم، وهي رؤية أنتجت بإجراءاتها ومفاعيل تدابير بن سلمان على غير صعيد، مديونية ضخمة تتصاعد وتيرتها إلى حدود خطرة، إذ زادت ديون المملكة 1200% خلال أربع سنوات.
بالأرقام، توقعت وزارة المالية السعودية، اليوم الأحد، صعود الدين العام المستحق عليها بنسبة 17.7% خلال العام المقبل 2019، مقارنة مع 2018. وقالت في وثيقة نشرتها على صفحتها في موقع "تويتر"، إن توقعات الدين العام المستحقة على البلاد، تبلغ 678 مليار ريال (180.8 مليار دولار) في 2019.
Twitter Post
|
وأضافت الوزارة، أن الدين العام المستحق عليها، سيصل بحلول نهاية العام الجاري 2018، إلى 576 مليار ريال (153.6 مليار دولار). وزادت أنه بحلول 2021، من المتوقع أن يصعد الدين العام المستحق، إلى 848 مليار ريال (226.13 مليار دولار).
يأتي ذلك بعدما أعلنت الوزارة في 8 أغسطس/آب الماضي، أن الدين العام بلغ 536.95 مليار ريال (143.2 مليار دولار) بنهاية النصف الأول من العام الجاري.
أهم التحديات المالية لسنة 2019
اللافت أن الوزارة تقر بأن أهم التحديات المالية والاقتصادية في المدى المتوسط، بإطار الموازنة العامة لسنة 2019، تبدأ من محاولة السيطرة على معدلات العجز والدين العام، ورفع كفاءة الإنفاق، وزيادة دور القطاع الخاص، وتنمية الإيرادات غير النفطية، وتقليل الاعتماد على النفط، وتنويع الأنشطة الاقتصادية، وتباطؤ معطلات النمو الاقتصادي.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذّر، في 24 أغسطس/آب الماضي، السعودية من زيادة الإنفاق، في أعقاب ارتفاع أسعار النفط، وحضّها على الحد من كلفة الرواتب، مشدداً على أن زيادة الإنفاق ستعرض موازنة السعودية للانكشاف، في حال انخفاض أسعار النفط بشكل مفاجئ.
وزير المالية، محمد الجدعان، قال في مؤتمر صحافي، اليوم الأحد، إن الحكومة تتوقع أن يبلغ عجز الموازنة 128 مليار ريال (34.1 مليار دولار) العام المقبل، صعوداً من 195 مليار ريال المتوقع في الموازنة الأساسية للعام الجاري.
وفي سياق مزيد من الاعتماد على الاستدانة، توقع الجدعان الاستمرار بالاعتماد في تمويل العجز المتوقع، وقدره 128 مليار ريال للعام المالي القادم على إصدار أدوات الدين، وذلك بعد يوم من إعلان وزارته أمس السبت أنها تتوقع تدفق قروض إليها بنحو 11 مليار دولار، نتيجة إدراج سنداتها الدولية في مؤشر "جيه. بي مورغان" للأسواق الناشئة، على أن يتم الإدراج شهرياً وتدريجاً على مدى 9 أشهر، تنتهي في 30 سبتمبر/أيلول 2019.
السقوط في "مستنقع" الديون والعجز
وكان صندوق الاستثمارات العامة السعودية (الصندوق السيادي) قد سقط للمرة الأولى في مستنقع الديون في 17 سبتمبر/أيلول ، حين جمع قرضاً دولياً بقيمة 11 مليار دولار، ما يشير صراحة إلى عمق الأزمة المالية التي تكابدها المملكة وتضطرها إلى الاقتراض من الخارج.
وبحسب تقارير الصندوق النقد الدولي، فقد سجّلت السعودية عجزاً في الموازنة خلال السنوات الأربع الماضية على التوالي، بلغ في الإجمال 260 مليار دولار، فيما يزداد الإنفاق السعودي، بحيث تشير البيانات الرسمية إلى أن الإنفاق العام زاد 34% في الربع الثاني من العام الجاري.
وفي الوقت الذي تنحو المملكة باتجاه مزيد من الاقتراض، تبدو قدرة ولي عهدها على تحقيق رؤيته مثقلة بشدّة مرة بنقص التمويل الناتج من شح السيولة وبطء دورة الاقتصاد ومحدودية نموّه، ومرة أخرى بطموحات كبيرة لا تتواءم مع قدرات مالية هي في الأصل كبيرة لكن تضعفها بقوّة أسباب ثلاثة تطرقت إليها وكالة موديز في تقرير أصدرته في 19 سبتمبر/أيلول الجاري.
"موديز" لفتت إلى أن أكثر هذه العوامل كلفة الحرب اليمنية المستمرة التي تقدّر بحوالي 6 مليارات دولار شهرياً، يُضاف إليها هروب الأموال من داخل المملكة إلى خارجها خوفاً من "بطش" ولي العهد، وكذلك هبوط سعر برميل النفط الذي سبق أن انخفض إلى أقل من 30 دولاراً عام 2015.