السعفة الذهبية: 70 دورة وجائزتان لـ7 مخرجين فقط

08 مايو 2018
روبن أوستلوند فاز بالسعفة الذهبية العام الماضي (Getty)
+ الخط -
في 70 دورة لمهرجان "كانّ" السينمائي، قليلون هم الذين فازوا بـ "السعفة الذهبية" مرّتين. مخرجون منتمون إلى أساليب عمل مختلفة يحصلون عليها بفضل أفلامٍ لا تزال حاضرة، لغاية الآن، في المشهد السينمائي الدولي، ليس بسبب فوزها بهذه الجائزة، بل بتمكّنها من أن تجعل الصورة السينمائية مرايا ذات وبيئات وأحوال وتبدّلات.
في خمسينيات القرن الـ20، شهد مهرجان "كانّ" السينمائي ولادة "السعفة الذهبية". في البداية، كان الاسم مختلفًا: "الجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم". منذ عام 1954، أصبح الشعار الثابت متلائمًا وسعف النخيل التي تتميّز بها المدينة الفرنسية الجنوبية.
خلال التاريخ الطويل لمهرجان "كانّ"، نال 7 مخرجين فقط تلك الجائزة (السعفة الذهبية) مرّتين اثنتين: أسرعهم في نيلها مرّتين، هو النمساوي ميشائيل هانيكه (1942)، إذْ حصل عليها مرتين في 3 أعوام فقط: "الشريط الأبيض" (2009) و"حبّ" (2012)، بينما طالت المدّة (14 عامًا) بين فيلمي الياباني شوهي إيمامورا (1926 ـ 2006): "أغنية ناراياما" (1983) و"الثعبان" (1997)، الذي تقاسمها ـ حينها ـ مع الإيراني عباس كيارستامي (1940 ـ 2016)، عن "طعم الكرز".

"الشريط الأبيض" قراءة بصرية حادة لجذور الفاشية في السلوك التربوي للأفراد في مجتمعات متزمّتة، بداية القرن الـ20، بينما يذهب "حبّ" إلى المبطّن في الانفعال الفردي تجاه الآخر في سنّ الشيخوخة (في الثمانينيات): عندما تُصاب آنّ بأزمة صحّية، تعيش في عزلة عن العالم الخارجي رفقة جورج، في علاقة حبّ جميلة.
أما "أغنية ناراياما"، فتسرد وقائع تقليدٍ ياباني في بلدة فقيرة ومعزولة، يقضي بتوجّه كلّ من يبلغ الـ70 من عمره إلى موته قصداً. في حين أن "الثعبان" يسرد حكاية ياماشيتا، الذي يخرج من السجن بتهمة قتل زوجته، ويبدأ عملاً جديداً في صالون تجميل للسيدات، قبل إنقاذه سيدة من الانتحار، ستعمل عنده لاحقًا وتبدِّل أحوال الصالون وأحواله هو أيضًا.
الباقون متميّزون باشتغالات مثيرة للاهتمام. يبقى البريطاني كِنْ لوتش (1936) أكثرهم التزامًا إنسانيًا يساريًا في نضال الفرد من أجل الحقّ في عيشٍ كريم، في السياسة والحرية والاجتماع والاقتصاد، إذْ يستعيد أول روائي له يحصل على الجائزة الأولى في "كانّ"، وهو "الريح التي تهزّ الشعير" (2006)، محطّات من تاريخ الصراع الإيرلندي الإنكليزي، ومن الحرب الأهلية الإيرلندية، في عشرينيات القرن الـ20؛ بينما يغوص "أنا، دانيال بلايك" (2016)، ثاني روائي له ينال "السعفة الذهبية"، في نزاعٍ اجتماعي ـ اقتصادي بين عامل يُصاب بعطب جسدي ونظام جائر.
هناك أيضًا أمير كوستوريتزا (سراييفو، 1954)، الذي ينال الجائزة عام 1995 عن "أندرغراوند"، بعد 10 أعوام على نيله إياها عن "أبي في رحلة عمل" (1985)، الذي تدور أحداثه في يوغوسلافيا الشيوعية، في خمسينيات القرن الفائت، بعد لحظة القطع مع الاتحاد السوفياتي، من خلال قصة لقاء شابين، ينمو الحب بينهما في مناخ سياسي واجتماعي مضطرب. أما "أندرغراوند" فيمثِّل انعكاسًا بديعًا لأهوال بلاد محطّمة وأناس ممزّقين، في رحلة تاريخية بين نهاية الحرب العالمية الثانية ومطلع التسعينيات.

البلجيكيان جان ـ بيار (1951) ولوك (1954) داردن حصلا عليها مرّتين، هما أيضًا: الأولى عام 1999 عن "روزيتا"، والثانية عام 2005 عن "الطفل". أما الدنماركي بل أوغست (1948) فنالهما عامي 1988 عن "بِل الفاتح"، و1992 عن "أفضل النوايا". أخيرًا، هناك الأميركي فرنسيس فورد كوبولا (1939): الأولى عن "المحادثة" (1974)، والثانية عن "الرؤيا الآن" (1979)، مناصفة مع "الطبل" للألماني فولكر شلوندورف (1939).
الحكايات مختلفة تمامًا. هؤلاء السينمائيون منتمون إلى أساليب سينمائية غير قادرة على التلاقي إلاّ في لحظة ابتكار لغة وصُوَر سينمائية تعكس جوانب من قسوة العيش في مواجهة تحدّيات دائمة. فروزيتا مثلاً تجد نفسها فجأة من دون عمل، هي المقيمة مع أمٍّ كحولية، ما يدفعها إلى خوض معارك طاحنة مع الحياة والناس والانفعال، في مناخ غير سوي البتّة. أما "الطفل"، فيكشف بؤسًا يوميًا لشابّة وحبيبها يعانيان فقرًا وتشرّدًا، ما يدفع الشاب إلى بيع طفلهما في "السوق السوداء" من أجل حفنة من المال، قبل أن يستعيده بمالٍ كسبه هنا وهناك، بعد تعرّضه لتعنيفٍ من أم الطفل. مشاهد عن تمزّق فردي في بيئة مرتبكة، في فيلمين يُعتبران الأفضل للأخوين البلجيكيين.

للدنماركي أوغست عوالم أخرى بعيدة: "بِلْ الفاتح" يعود إلى القرن الـ19، ساردًا حكاية أبٍ وابنه يهاجران من السويد إلى الدنمارك، ويتعرّضان لضغوط شتّى تجعلهما يتحدّيان الأقدار للحفاظ على حياتهما. و"أفضل النوايا" (الحائز على جائزة أفضل ممثلة في "كانّ" أيضًا، نالتها برنيلا أوغست عن دورها فيه)، فهو سلسلة تلفزيونية تُجمَع لاحقًا في شريط سينمائي واحد، في 182 دقيقة: عام 1909، وخلافًا لرأي العائلة، تقترن الممرضة البورجوازية آنّا بطالب اللاهوت هنريك، قبل اكتشافها برودة زوجها معها لاحقًا، خصوصًا بعد إنجابها منه ولدًا وتبنّيهما آخر.
أما "محادثة" كوبولا، فتوغّلٌ في مفهومي السرّية والتنصّت، اللذين يؤدّيان إلى الوقوع في شرك أفعالهما. فبعد إنهائه مهمّة التنصّت على أحاديث ثنائي وتسجيلها، يكتشف هاري أن هذا الثنائي يواجه خطر الموت. في المقابل، يبقى "الرؤيا الآن" حتى هذه اللحظة أحد أهمّ الأفلام السينمائية المعنية بحرب فيتنام، بلغتها الانتقادية القاسية، وصُورها المؤلِمة والمدمِّرة، عن جنود أميركيين في أدغال الموت والعنف والخراب.
المساهمون