السخنة السورية... لماذا تحظى بهذه الأهمية لدى النظام و"داعش"؟

10 سبتمبر 2020
تتعرض قوات النظام لعملية استنزاف واسعة (فرانس برس)
+ الخط -

لم ينجلِ بعد غبار المعارك المحتدمة منذ نحو شهر في قلب البادية السورية بين فلولٍ وخلايا نشطة تابعة لتنظيم "داعش" من جهة، وقوات النظام ومليشيات محلية وإيرانية تساندها من جهة أخرى، وتتحرك تحت غطاء ناري للطيران الروسي. وتجد المقاتلات الروسية صعوبة في استهداف عناصر التنظيم المنتشرين على طول وعرض مساحة صحراوية واسعة تساعدهم على التخفي ونصب الكمائن. وتحتدم المعارك بين الطرفين في محيط بلدة السخنة الاستراتيجية بريف حمص الشرقي، التي يبدو أن عين "داعش" منصبة عليها.

أرهقت هجمات خلايا التنظيم قوات النظام في البادية السورية خلال الآونة الأخيرة

وتحدث "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، يوم الإثنين الماضي، عن "معارك محتدمة" في البادية السورية بين "داعش" وقوات النظام ومليشياتها، وخصوصاً في منطقة السخنة بريف حمص الشرقي، وصولاً إلى منطقة الشولا في بادية دير الزور، وحتى ريف الرقة الجنوبي الغربي. وأشار "المرصد" إلى أن المعارك تتركز حالياً في وادي الضبيات، ومحيط حقل الهيل النفطي بريف حمص الشرقي، مضيفاً أن الطيران الروسي ينفذ أيضاً بشكل يومي ضربات على مواقع انتشار التنظيم في البادية. وتأتي هذه المعارك في سياق حربٍ تشنها قوات النظام على فلول التنظيم، حيث تقوم بعمليات تمشيط بدعمٍ روسي، بحثاً عن خلايا التنظيم التي أرهقت هذه القوات خلال الآونة الأخيرة. وفي السياق، شنّت خلايا "داعش" هجمات وقضت على أرتال عدة تابعة للنظام خلال الشهر الماضي، وفق مصادر محلية. وكانت مجموعات من التنظيم قد نفذت، يوم الإثنين الماضي، هجوماً كبيراً على قوات النظام في محيط بلدة السخنة، وأجبرتها على الانسحاب من حقل الهيل النفطي، قبل أن تضطر هذه المجموعات إلى الانسحاب تحت ضغطٍ جوي روسي. وتدل معطيات ميدانية على أن تنظيم "داعش" يضع ثقله العسكري للسيطرة على بلدة السخنة ذات الأهمية في قلب البادية السورية، بينما تحاول قوات النظام الحيلولة دون ذلك، لأن سقوط السخنة يُعد خطوة واسعة للتنظيم باتجاه مدينة تدمر، فضلاً عن كون البلدة البوابة الجنوبية الغربية لمحافظة دير الزور.

وتقع بلدة السخنة إلى الشمال الشرقي من مدينة تدمر بنحو 70 كيلومتراً، وهي ثاني أكبر منطقة مأهولة بالسكان في البادية السورية بعد تدمر، أشهر المدن التاريخية في سورية. وتتبع السخنة إدارياً لمحافظة حمص، التي تبعد عنها نحو 250 كيلومتراً، لكنها لا تبعد سوى 50 كيلومتراً عن الحدود الإدارية بين محافظتي حمص ودير الزور. وتنبع أهمية البلدة من وقوعها على الطريق الدولي القادم من العاصمة السورية دمشق باتجاه محافظة دير الزور في أقصى الشرق السوري، والذي يعتبر من أهم الطرق في سورية. كما تعد البلدة عقدة مواصلات مهمة، حيث تجتمع لديها طرق عدة قادمة من محافظة الرقة وأرياف حلب وحمص وحماة، فضلاً عن الطريق الدولي. وتنتشر في محيط السخنة حقول نفط وغاز، لعل أهمها حقل الهيل، الذي يأتي في المرتبة الثانية من حيث الإنتاج، بعد حقول الشاعر غير البعيدة عن مدينة تدمر في ريف حمص الشرقي.

يعد سقوط السخنة خطوة مهمة للتنظيم باتجاه مدينة تدمر

وأوضح مدير مركز "الشرق نيوز" فراس علاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن بلدة السخنة "هي أول منطقة مأهولة بالسكان بعد الخروج من دير الزور باتجاه محافظة حمص"، مشيراً إلى أن وقوعها على طريق دمشق - دير الزور أكسبها أهمية في الصراع المحتدم بين تنظيم "داعش" وقوات النظام. وبيّن علاوي أن هذه القوات مضطرة لاستخدام هذا الطريق الذي يعد خطّ الإمداد الوحيد إلى دير الزور، و"لهذا يستهدف التنظيم البلدة"، بحسب رأيه.
ووفق مصادر محلية، كان عدد سكان بلدة السخنة في العام 2011 نحو 35 ألف نسمة، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً منهم اضطر للنزوح أو الهجرة مع سيطرة "داعش" عليها إبان صعوده الكبير في بدايات العام 2015. واستحوذ التنظيم في ذلك العام على معظم البادية السورية، بما فيها مدينة تدمر، التي استولى عليها في مايو/ أيار 2015، حيث قطع رأس مدير الآثار في المدينة خالد الأسعد (82 عاماً)، وأعدم العشرات من عناصر قوات النظام في المسرح الروماني، أبرز المعالم التاريخية في المدينة.

وبقيت السخنة لأكثر من عام أهم قاعدة عسكرية لـ"داعش" في البادية السورية، حيث كانت منطلقاً له لشن هجمات واسعة النطاق في عامي 2015 و2016، هدد فيها مدينة حمص، ثالث أهم المدن السورية، حين اقترب كثيراً من حدودها الشرقية. ويحاول التنظيم تكرار سيناريو نهاية العام 2016، حين استعاد مؤقتاً مدينة تدمر وما حولها بعد 6 أشهر من انسحابه منها نتيجة قصف جوي غير مسبوق من الطيران الروسي. لكنه لم يلبث بالمدينة كثيراً في المرة الثانية، حيث اضطر في مارس/ آذار 2017 للانسحاب إلى مواقع له في البادية السورية، وخصوصاً في جبال حصينة عدة تقيه الضربات الجوية الروسية.

ومنذ هزيمته في البادية السورية في العام 2017، شنّ تنظيم "داعش" هجمات عدة على بلدة السخنة ومحيطها، حيث قتل عدداً من قوات النظام، التي تتعرض منذ ذاك الحين لحرب استنزاف من التنظيم الذي يستفيد من اتساع البادية (تشكل نحو نصف مساحة سورية)، للتخفي وتنفيذ الهجمات السريعة بمجموعات صغيرة يصعب استهدافها من الطيران. 
وعانت بلدة السخنة من الإهمال من قبل النظام قبيل الثورة السورية، وهو ما دفع عدداً كبيراً من أهلها للانتقال إلى مدن قريبة منها، وهي الرقة ودير الزور وحلب، حيث امتهنوا التجارة ونجحوا فيها إلى حدٍّ بعيد. وليست هناك أرقام دقيقة حول من بقي من أهالي البلدة بداخلها، لكن من المرجح أن معظم أهلها نزحوا إلى محافظات سورية، وخصوصاً إلى الرقة وحمص.


 

المساهمون