السجّاد العجمي.. منمنمات النسّاجين الفرس وفخرهم

29 يناير 2015
أودِع السجّاد العجمي تراثاً غنيّاً من المنمنمات الفارسية(Getty)
+ الخط -
تسمّى أقدم سجادة إيرانية عُثر عليها "بازيريك"، وهي حمراء اللون، وتدلّ النقوش الفارسية التي عليها أنّها ترجع إلى عهد الإخمينيين، الذين حكموا إيران قبل أكثر من 2500 عام.

لم تحمل "بازيريك" المزيد من التفاصيل، فالمواد التي يُصنع منها السجاد قابلة للتحلّل، وما عثر عليه، باستثناء "بازيريك"، كان مجرد قطع رثّة فقدت مع الوقت ملامحها وتفاصيلها.
إلا أنّ التاريخ سجّل تطوّر صناعة السجاد في إيران بشكل ملحوظ منذ العهد السلجوقي، كما كانت مدينة تبريز الإيرانية، على سبيل المثال، في زمن الدولة العباسية تدفع ضرائبها بإرسال السجاد بمئات الأعداد إلى بغداد.


وفي الزمن الحديث، تطوّرت الصناعة والآلات، ولكنّ هذا لم يُفقد السجاد الإيراني اليدوي الصنع بريقه وخصوصيته، فهو النوع الأكثر طلباً، ولقيمته الثمينة يعلّق على الجدران كاللوحات النفيسة.

ويقول الإيرانيون إنّ السجاد الآلي كثير ومتنوّع، ولكن السجاد اليدوي يبقي رائحة هذا التراث عابقة في كلّ منزل، فتصرّ كل عائلة إيرانية على شراء سجاد يدويّ لابنتها، لتحمله معها إلى بيت زوجها، وترتفع قيمة هذه السجاد كلما زاد عمر السجادة اليدوية التي يلصق عليها أيضا شهادة ميلادها، حيث يدوّن عليها مواصفاتها ومكان صناعتها وتاريخ صنعها.

تحكي كلّ سجّادة مصنوعة في إيران قصّتها الفريدة، التي لا تشبهها قصّة سجّادة أخرى، وتروي كلّ واحدة منها رواية صاحبها، الذي يجلس مدّة طويلة أمامها ليحوكها خيطاً تلو الآخر على جهاز بسيط، كما يقول الحائكون جميعهم. ويقول الحاج كاشاني، أحد أشهر تجار السجاد في بازار طهران الشعبي، إنّه ورث صناعة السجاد عن والده، الذي تعلّمها بدوره عن

جدّه، وبات تاجراً كبيراً في هذا المجال، الذي يُعتبر تراثاً يفتخر به الإيرانيون جميعاً، ويعملون على حفظه.
ورغم مرور الزمن على هذه الصناعة، إلا أنّ لحياكة السجاد اليدوي الإيراني قواعد صارمة، وعلى كلّ الراغبين في تعلّمها حفظ قواعد هذه المدرسة، رغم التنوّع الذي يميّز السجّاد في إيران.
بعض الأنواع تسمّى بالسجاد القبلي، نسبة لبساطة الرسوم والألوان الحارة، وهو سجاد يصنع من الصوف ويتميز بثقل وزنه، وبالنقوش المرسومة عليه، حيث إنّها نقوش نباتات بغالبيتها، وحتى وإن استخدمت فيها نقوش هندسية في بعض الأحيان إلا أنّها رسوم غير معقّدة.
وهناك نوع آخر، وهو يتميّز بكثرة التفاصيل، ويسمّى بأسماء المدن التي

يحاك فيها، حيث تتميز كلّ مدينة إيرانية بسجادها الخاص، وهذا يعتمد على الموقع الجغرافي وعلى المواد الخام المتوفّرة فيها، بل وأيضا على طريقة الحياكة.

فهناك ما يسمى بالسجاد الذي يحاك بالعقدة التركية، وتعني العقدة طريقة ربط الخيوط المستخدمة، والسجاد الذي يحاك بالعقدة التركية موجود في المناطق التي يقطنها أتراك إيران، وغالبيتهم في شمال غربي البلاد، وهي طريقة مستمدّة من السلاجقة، الذين حكموا البلاد لفترة طويلة، ويتميز هذا النوع بتناظر العقد وبقوة صوفه.

أما السجاد ذو الربطة أو العقدة الفارسية، فموجود في المناطق المركزية والجنوبية، وتتميز مدن كأصفهان وقم وكرمان بهذا السجاد المعروف بمتانته، بسبب كثرة العقد التي تربط يدويا باستخدام جهاز الحياكة البسيط.

ومع كل هذا الاهتمام والتقسيم، إلا أن لمدرسة حياكة السجاد في إيران تقسيمات من نوع آخر، وهي التي تعتمد على نوع النقوش المختارة وطريقة حياكتها وألوانها.

يقوم بعض الحائكين باستخدام نقوش عمرانية، خاصة بقصور ونماذج عمرانية معروفة إيرانياً عبر مرور التاريخ، ومن أهمّ النقوش المستخدمة في السجاد موجودة لليوم في مسجد لطف الله ومسجد إمام في مدينة أصفهان التاريخية، ومنها ما يستخدم نقوشاً محفورة في آثار تحت جمشيد الموجود في شيراز.

وهناك تصاميم تسمى بالرذاذية، وهذا لأنها تكون متفرّقة عن بعضها، من دون وجود تناظر، رغم اتصال التصميم بعضه ببعض، وأيضاً هناك تصاميم تستخدم أشكال أشجار وأوراق وزهور، ناهيك عن السجاد الذي تُرسم عليه قصص تحكي الملاحم التاريخية الفارسية المعروفة والأساطير أو قصص الصيادين، الذين كانوا يلاحقون الحيوانات المفترسة، بالإضافة للسجاد الذي تُحاك عليه صور منمنمات إيرانية.

وأهم النماذج هو الشكل المتعارف عليه والمنتشر كثيراً، حيث يتمّ استخدام الورود والنقوش بأشكال هندسية منتظمة، فتوضع الرسمة الأكبر في الوسط وتحيط بها النقوش المتناظرة.


ولا ينتهي الأمر هنا وحسب، بل إنّ سعر السجاد ونوعه وجودته يختلف حسب جودة مواده التي يُصنع منها، فالسجاد المصنوع من صوف الخرفان الصغيرة هو من أجود الأنواع، وهناك أنواع أخرى تصنع من الحرير والصوف معاً، ويبقى السجاد الحريري الذي يصنع من الحرير الخالص، وهو السجاد الذي يتميز بخفّة وزنه، وبشفافية وتنوّع ألوانه، وهو سجاد صنع بداية في المدن حيث تمّ تصميمه لإضفاء جوّ من الترف والرفاهية.

كلما زادت جودة السجّادة الواحدة حسب موادها، وزاد فيها عدد ألوانها وعدد العقد المستخدمة في السانتيمتر الواحد فيها، ارتفع سعرها. هكذا تجري تجارة السجاد في إيران، وهذا هو ما يجعل السجادة التي يزيد عمرها أغلى، لا سيما تلك المصنوعة يدوياً من الحرير.

تدرك البلاد أهمية هذه الصناعة التاريخية، وتقف بالمرصاد للمهربين للأنواع الفاخرة من السجاد خارج البلاد، وتسمح لكل سائح يزور البلاد بشراء سجادة حرير يدوية واحدة فقط.
إيران هي المصدر الأول عالمياً لكلّ أنواع السجاد اليدوي أو الآلي، حيث إنها تصنع أكثر من 30% من سجاد العالم كله، ورغم المنافسة من قبل السوق الصينية أو التركية، إلا أن إيران تحفظ جيداً أسرار صناعتها هذه، وتودعها بعناية في كلّ سجادة على حدة، وتحديداً المصنّعة يدويّاً.
دلالات
المساهمون