أصدرت محكمة فلسطينية بالضفة المحتلة، الإثنين الماضي، حكماً بالسجن لمدة عام وغرامة مالية تصل إلى نحو خمسة آلاف دولار أميركي على المخرج الفلسطيني مجد سمارة، بعد شكوى تقدم بها "بنك القدس" ضده، قبل نحو شهرين، على خلفية منشور له على صفحته على "فيسبوك".
وبدأت القصة عندما كتب سمارة على صفحته في "فيسبوك" منشوراً قال فيه إن "بنك القدس يمكن تسميته بنك (يروشلايم)"، وهي كلمة توراتية المقصود بها الاسم العبري لمدينة القدس، ويقصد "أنكم بنك يهودي وليس فلسطينيا"، في إشارة إلى تعاطي البنك أسوة ببقية البنوك الفلسطينية والعربية العاملة في فلسطين مع القرار الإسرائيلي بإغلاق حسابات الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال.
هذا ما دفع ببنك القدس لتقديم دعوى قضائية بالتشهير ضد سمارة، حيث قامت الشرطة الفلسطينية حينها باعتقاله ليومين، ثم أطلق سراحه بكفالة مالية، إلى حين مثوله أمام القضاء في الجلسة التي كانت مقررة يوم 11 يونيو/حزيران، وتأجلت إلى يوم 22 يونيو، حيث صدر الحكم.
ونُقل عن سمارة قوله إن "الجلسة تأجلت لكي يطلع أحمد أبو فخيدة، وهو المحامي الخاص بي، على تفاصيل الملف"، مشيراً إلى أنه توجه برفقته إلى المحكمة لحضور الجلسة المقررة، حيث صدر بحقه الحكم، الذي وصفه سمارة بـ"الصادم".
وتابع "هناك من أطلق الرصاص على البنك بعد رفض تسلم رواتب الأسرى، ولم نشهد اعتقالهم، بل اعتقلت أنا لأنني تحدثت عن القضية، في ما يخالف القانون الفلسطيني والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها السلطة الفلسطينية لضمان حرية الرأي والكلمة، ثم إصدار بيان تصنيفي خارج الإجماع الوطني، وهو أمر غريب أن يقدم بنك على تصنيف من هو وطني ومن هو غير وطني!!".
وعلى صفحته على "فيسبوك"، خرج سمارة، أمس الأربعاء، 24-6، بمقطع مصور، تحدث فيه عن تفاصيل يوم المحاكمة، مشيراً إلى أنه حاول الدخول إلى القاعة يومها، لكن لم يتم النداء عليه من موظف المحكمة كما جرت العادة، ليفاجأ بصدور الحكم.
"العربي الجديد" تواصل مع المحامي أبو فخيدة، الذي أوضح أن التهمة التي تم توجيهها لسمارة كانت استناداً لقانون الجرائم الإلكترونية، مستغرباً الطريقة التي تمت بها إجراءات المحاكمة واستخدام المواد القانونية.
مؤكداً أنه بصدد تحضير ملف للاستئناف على الحكم خلال مدة 15 يوماً، كما سيتم رفع شكوى جزائية ضد مجلس إدارة بنك القدس بسبب البيان الذي صدر عنه، حيث وصف البنك سمارة بـ"أنه خارج عن الصف الوطني".
كما تواصل "العربي الجديد" مع بنك القدس، الذي اكتفى بالبيان الذي أصدره، حيث جاء فيه أن "ﺍﻟﻘضاء هو الجهة المؤهلة لحماية مبدأ الشرعية وتأمين سيادة النظام ومنع التعدي على حقوق الأفراد والمؤسسات".
وأضاف أنه "إيماناً بذلك توجه إلى القضاء للبت في هذه المشكلة، والشخص مجد سمارة، الذي تربطنا به علاقة، وهذه العلاقة مبنية على عقد بين الطرفين، وفي حال وجود خلاف بين العميل وبين البنك سيكون القرار إما إنهاء العلاقة أو إبقاؤها، لكن العميل خرج عن موضوعه وقام بنعت البنك والتشهير به بصفات غير مقبولة، وربط ذلك في قضية رواتب الأسرى، وهي قضية حساسة جداً تمس شريحة كبيرة جداً من المجتمع"، حسب ما جاء في الرد.
وأوضح البنك أن ما كتبه سمارة "قد يعرض البنك إلى مخاطر نتيجة صدور معلومات غير صحيحة، الأمر الذي دفع البنك إلى إصدار شجب واستنكار والتوجه للقضاء، والقضاء هو من يفصل في هذا الموضوع، لأن ما من مؤسسة تقبل على نفسها أن تنعت بهذه الصفة".
وفي ما يخص موضوع الأسرى، أكد البنك أنه "ملتزم بما يصدر عن اللجنة التي تم تشكيلها من رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد اشتية، والتي هي من ستجد الحل المناسب لهذا الموضوع، ونحن لسنا جهة مخولة للحديث حول قضية رواتب الأسرى، ونحن ملتزمون بما سيصدر عن اللجنة".
وكانت سلطات الاحتلال قد أصدرت في شهر شباط/فبراير الماضي أمراً للبنوك الفلسطينية، محذرة إياها من تحويل أموال لعائلات الأسرى، ما يضعها، إدارة وموظفين، تحت طائلة "قانون الإرهاب"، وهو ما حدا بجمعية البنوك الفلسطينية إلى إصدار كتاب لوزارة المالية الفلسطينية يوم 7 مايو/أيار 2020 أعلنت فيه إجماع البنوك على انصياعها لقرار الاحتلال الإسرائيلي، وطلبت من سلطة النقد الفلسطينية عدم تحويل هذه الأموال إلى حسابات الأسرى أو عائلاتهم بالبنوك، وإلا سيتم تحويلها لحساب وزارة المالية.
ولقي الأمر تفاعلاً غاضباً لدى الشارع الفلسطيني، ما دفع باشتية لتشكيل لجنة برئاسة محافظ سلطة النقد، تضم وزير شؤون الأسرى، وجمعية البنوك، وممثل عن وزارة المالية، لدراسة التهديدات الإسرائيلية ضد البنوك التي تقدم خدماتها لذوي الأسرى والشهداء، ورفع التوصيات اللازمة لمواجهتها، وفق بيان صادر عن الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم حينها.