يرفض محمدي ذكر اسمه، خوفاً من التعرض لمزيد من التجاوزات في محبسه، لكنه يتمنى أن ينقذ أحدهم حياته، بعد أن تدهورت صحته بشكل كبير، منذ وصوله إلى السجن المركزي بنواكشوط قبل ثلاثة أعوام، لإدانته بالسرقة والاعتداء على المواطنين.
يقول محمدي، لـ"العربي الجديد": "الغذاء المخصص للمسجون قليل جداً، وليست له قيمة، وهو ما يهدد حياتنا"، مثل محمدي، فإن رفيقه في السجن المركزي، إبراهيم أحمد، يخشى من الأمراض، والتي ستنتشر بسبب القمامة الملقاة داخل ممرات السجن وباحاته، وتعطل دورات المياه في أكثر الأوقات.
الأخطر من هذا، يقول إبراهيم، "تغيب الخدمات الصحية بشكل نهائي، لم يعد هناك من معاينة طبية، والأدوية قليلة الجودة، ولا نحصل عليها إلا بشق الأنفس، كأننا في معتقل غوانتانامو".
وتعد حالة السجين أحمد الحضرامي نموذجاً صارخاً على الإهمال الطبي؛ بحسب المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، والذي ضمن تقريره الأخير، الصادر في شهر يوليو/تموز الماضي، عن وضع السجن المركزي، حالة السجين، قائلاً "السجين مصاب بمرض سرطان الدم ولديه إفادات تفيد بعجز إدارة السجن عن توفير العلاج له، وكذلك إفادات من الأطباء المعالجين في مركز علاج مرضى السرطان. وقد وجه محاموه رسائل لكل الجهات الرسمية والأهلية لإنقاذ حياته، ولكن من دون جدوى".
اقرأ أيضا: صراع القاعدة وداعش في موريتانيا.. لمن البيعة؟
الحبس التحكمي
للمعتقل بالسجن المركزي في العاصمة الموريتانية، شيخنا محمد، (اسم مستعار)، جانب آخر من المعاناة، إذ تم حبسه قبل عام، على ذمة القضية، من دون محاكمة حتى الآن، وهو ما يعرف بالسجن التحكمي (الاحتياطي).
يقول شيخنا لـ"العربي الجديد"، إدارة السجن تتلقى يومياً العديد من الشكاوى التي يقدمها السجناء، وتتعلق أساساً برفض سوء المعاملة، وضعف الخدمات الصحية، وتدني الحالة المعيشية.
وذكر أن عرائض مطالب السجناء التي يتقدمون بها بين الحين والآخر، يرمى بها عرض الحائط، وهو ما توافقه فيه السيدة صفية، والدة أحد نزلاء السجن المركزي بنواكشوط، والتي قالت لـ"العربي الجديد": "ابني عانى كثيراً من التعذيب بكل أشكاله، ووضعيته الصحية الآن متدهورة بسبب الإهمال وسوء التغذية التي يعاني منها كافة السجناء، بحسب ما توفر لدي من معلومات".
طالبت صفية الجهات الوصية على السجن بالتخفيف على ابنها ومنحه حقه الطبيعي في توفير الطعام الكافي، والعلاج الذي يحتاج إليه، مشيرة إلى أن حياة ابنها في رقبة المشرفين على تسيير السجن، والوزارة الوصية عليه.
دعوة لإنقاذ حياة السجناء
دفعت أوضاع نزلاء السجن المركزي في نواكشوط "المزرية"، بهم إلى الإعلان عن الدخول في إضراب عن الطعام، في شهر مايو/أيار الماضي، احتجاجاً على تردي وضعهم المعيشي والصحي. وهو ما أدى إلى تدخل من البرلمان الموريتاني، والمنظمات الحقوقية، لوقف الإضراب لكن السجناء أكدوا عدم جدوى كل تلك المساعي حتى الآن.
وكان أعضاء من مجلس الشيوخ الموريتاني، ينتمون لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي، قد توجهوا باستفسارات لأعضاء الحكومة، حول قضايا السجناء، وأسباب وفاة عدد منهم، والتي كانت بحسب تقرير النواب "سوء التغذية، والأمراض الناجمة عن السجن، واعتماد التعذيب".
وقالت النائبة عن حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي توت بنت الطالب النافع، إنه "منذ استلام الحكومة للسلطة، ظلت زنازين السجناء شاهدة على انتهاك خطير لحقوق الإنسان، وغياب تام لدولة القانون، وتنكر مطلق من قطاع العدالة المحترم لمجمل الاتفاقيات التي وقع عليها أعضاء البرلمان والقوانين الضمانة لكرامة البشر".
وأضافت بنت الطالب النافع خلال سردها لمخلص لكتلة نواب حزبها حول واقع السجون "استمر الحبس التحكمي (الاحتياطي)، رغم تحذير المحامين، ولم تنجح الحكومة في إنقاذ السجون من الاكتظاظ، وحماية السجناء من النهب، وخلطت بين القصر الجانحين وكبار المجرمين المتهمين بالقتل وحمل السلاح على الدولة".
وخلصت إلى القول إن "هذه حقائق مشهودة ووقائع ثابتة تكشف مستوى الإهمال الذي تعاني منه السجون الموريتانية، وغياب الرقابة، وضعف التجاوب مع الإنذارات الموجهة من طرف المنظمات الحقوقية الوطنية والخارجية وبلاغات التعذيب المقدمة من قبل السجناء، والشكاوى اليومية من سوء المعاملة وضعف الخدمات الصحية والمعاش الذي كلفتم بتوفيره لمجمل السجناء".
إجراءات رسمية لإنهاء معاناة السجناء
يؤكد مصدر داخل إدارة السجون في موريتانيا، أن مصالح وزارة العدل قامت بالعديد من الإجراءات لتحسين ظرفية السجون بدءا بتوسيعها، وبناء أخرى جديدة.
وتصل الطاقة الاستيعابية للسجن المركزي بموريتانيا إلى 100 سجين، بينما بلغ عدد السجناء في موريتانيا 1805، بحسب آخر إحصاء أجرته الحكومة في شهر مارس/آذار من العام الجاري 2015، بحسب تصريحات مصدر "العربي الجديد" في إدارة السجون.
واعتبر المصدر أن الإجراءات الرسمية الهادفة إلى تحسين ظروف السجناء ستطاول عملية توزيعهم على عدة سجون تم تشييدها وتجهيزها داخل البلاد، وأن الأمر يتطلب دراسة شاملة لملفات السجناء تم العمل عليها منذ فترة من أجل أن تراعي مجمل الحالات الإنسانية والمحكومية، والعلاقة ببعض درجات التقاضي الأخرى.
وخلص المصدر إلى أن الحالة السيئة التي كانت تشهدها السجون، ستختفي بشكل كامل بعد انتهاء الأشغال في السجون، وإنهاء توزيع السجناء عليها.
مزيد من الجرائم
يرفض أعمر ولد محمد ناجم، مسؤول العلاقات الخارجية في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان وعود مسؤولي إدارة السجون الموريتانية، بقرب تصحيح أوضاع السجون، قائلاً: "إن نزلاء السجن المركزي بالعاصمة نواكشوط يعيشون مأساة حقيقة على كافة الصعد"، وإن هيئته أبلغت الجهات الوصية بما يتعرض له السجناء من أجل التخفيف من معاناتهم وإنهاء الأزمة التي يعيشها السجن من دون جدوى.
واعتبر ولد محمد ناجم في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "السجون عموماً في موريتانيا تعاني من الاكتظاظ الكبير، واستيعاب السجناء أكثر من طاقتها"، معتبراً أن السجن ينبغي أن يكون مؤسسة لإعادة التأهيل، وتخريج سجناء لديهم مؤهلات تمنعهم عن ارتكاب جرائم في المستقبل، غير أن ما يشهده السجن المركزي بنواكشوط وباقي السجون هو عكس ذلك".
وأضاف ولد محمد ناجم أن العديد من نزلاء السجن المركزي هم في الأصل مرتكبو جنح يرمى بهم مع عتاة المجرمين، لكي يتعلموا منهم أنواع الإجرام ويطبقوه بعد خروجهم من السجن، مشيراً إلى أن الإشكال الأخطر في السجن هو الخلط بين القصر والبالغين في عنابر واحدة، مما يعرضهم لخطر الانتهاكات الجنسية، بالإضافة إلى تعاطي المخدرات بين السجناء.
المرض يفتك بالسجناء
ويؤكد ولد محمد ناجم لـ"العربي الجديد" انعدام الرعاية الصحية داخل السجن، والتأمين الداخلي، إذ يتولى السجناء أصحاب فترات السجن الطويلة تنظيم السجناء، مما يولد مزيداً من العنف ويخلق فرصة لفرض إتاوات على بعض السجناء من قبل نظرائهم وتكون الكلمة للأقوى.
وأكد مسؤول العلاقات الخارجية بالمرصد الموريتاني لحقوق الإنسان أن بعض المحامين أبلغوه بأن مسجوني الحبس التحكمي يصلون إلى نحو 60% من إجمالي نزلاء السجن المركزي، قائلاً "يبررون ذلك بأن بقاء السجناء في الحبس التحكمي في الأصل هو إجراء يهدف إلى منعهم من الهروب أو إخفاء الأدلة وتكرار الجريمة".
وأعطى ولد محمد ناجم أمثلة على الحبس التحكمي في السجن المركزي، معتبراً أن السجين سيدي محمد ولد العيساوي لا يزال رهن الحبس التحكمي منذ عام 2002، (13 عاماً)، والسجين عمر كي خلف الغضبان محبوس احتياطياً منذ 10 سنوات.
وحول انتشار الأمراض بين نزلاء السجن المركزي في نواكشوط اعتبر ولد محمد ناجم أن السجين أحمد ولد خطري، يوجد في حبس احتياطي في السجن المركزي، بتهمة سرقة هاتف جوال، ووضعه الصحي يرثى له، ويحتاج إلى إنقاذ حياته".
وأضاف ولد محمد ناجم أن السجين ولد ابيليل أخبره الأطباء أنه مصاب بمرض سرطان الدم ويحتاج إلى عناية مركزة، بسبب سوء التغذية والأمراض المصاحبة للازدحام، كما أن السلطات الوصية أبلغت السجين بعدم التكفل بعلاجه، وتابع "نصح الطبيب بضرورة إطلاق سراح السجين للعلاج، ولم يطلق سراحه حتى الآن ودخل في إضراب عن الطعام".
اقرأ أيضا: موريتانيا.. لا يفلّ الحديد إلا الإضراب
رفض المراجعات الفكرية
تشكل مجموعة سجناء التيار السلفي (17 سجيناً) أزمة خاصة داخل السجن، وكان السجن قد شهد فوضى عارمة ومواجهات عنيفة بين معتقلين من السلفيين وحراس السجن في يناير/ كانون الثاني الماضي، أسفرت عن سقوط عدة جرحى مدنيين وعسكريين، وتدخلت الحكومة لحل الأزمة عبر إطلاق سراح أربعة سجناء سلفيين من الحبس التحكمي، بعد أن انتهت محكومياتهم.
قبل أسبوعين التقى مسؤول العلاقات الخارجية في المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان، بمجموعة من سجناء التيار السلفي، وقال إنهم يطالبون بالحوار ويؤكدون العدول عن العنف والتطرف وأضاف في تصريحاته لـ"العربي الجديد": "أرسلت هذه المجموعة رسالة عن طريق بعض العلماء إلى الرئيس الموريتاني من أجل الاستماع لمطالبهم من دون جدوى، وهو ما يشكل نوعاً من التعسف بحق مجموعة من المواطنين أعلنت استعدادها لمراجعة فكرية قد تكون نتائجها ناجحة وفي صالح الجميع".
واعتبر ولد محمد ناجم أن على الجهات الوصية الاستماع لرأي السجناء المطالبين بمراجعات فكرية من أجل الدفع بهم نحو العدول عن فكر التطرف والإرهاب، معتبراً أن الخطة قد نجحت سلفاً من بعض السجناء وأن السلطات كانت تعتبر دائماً أنها مستعدة للحوار مع سجناء التيار السلفي ورفض مطلبهم حالياً أمر غير مبرر، وهو ما يفاقم من معاناتهم داخل سجن نواكشوط المركزي.
-------
اقرأ أيضا:
تهريب السلاح في موريتانيا.. حرب الصحراء المفتوحة