السترات الصفراء في الصحف الفرنسية: تعبئة أكبر وعنف أقل

13 يناير 2019
(كيران رايدلي/Getty)
+ الخط -
"لماذا تبدو فرنسا عصية على الإصلاح؟"، تتساءل صحيفة "لوباريزيان"، وهي تقرأ حصيلة تاسع أسبوع من حراك "السترات الصفراء"، حيث تستمر الاحتجاجات، في حين أنّ الرئيس إيمانويل ماكرون يقول لمن يحب أن يسمع إنه ماضٍ في إصلاحاته.

الغضب، كما تؤكد الصحيفة، "لم يضعف، فقد تظاهر 10 آلاف شخص في باريس، و6300 في بورج و5000 في بوردو وفي تولوز، بل وتجمَّع 200 شخص أمام الفيلا الرئاسية في "توكي" بـ"با-دي- كاليه""، أي "الدليل على أن الطريق لا يزال طويلاً جداً أمام الرئيس". وهو ما يعني أن "ماكرون، الطموح إلى إصلاح عميق للبلد، يبدو، كما سابقوه، وبعد سنة من الضجيج - الضريبة على الدخل، سوق العمل، والشرطة الوطنية للسكك الحديدية-، أمسكت له هذه اللعنة".

وترى الصحيفة أن ما يميز الجولة التاسعة من الحراك، هو "ارتفاع التعبئة وانخفاض العنف"، أي أن "السلطات التي تخشى تعبئة قوية وراديكالية، لم يصدُق سوى توقعها الأول"، فقد تظاهر 84 ألف شخص، ولم يتم إيقاف سوى 244 شخص، وضع 201 في الاعتقال الاحتياطي، 108 في العاصمة.

وتعزو الأمر إلى دعوة السترات الصفراء للهدوء وإلى وجود مشرفين "أكثر مهنية" على الأمن، وهو ما جعل السلطات الأمنية توقف إيريك دروويه، وهو من وجوه الحراك المثيرة للجدل وتعرَّض لاعتقالَيْن اثنَين من قبل، وتُطلقه في باريس.

والنتيجة، الآن، كما تختم الصحيفة، نقلاً عن مسؤول أمني، هي أن "الاحتجاج يتركز، الآن، في تظاهرات في الطرق العمومية في كبريات المدن، وهو ما نسيطر عليه" و"لم يتبق سوى 90 نقطة غير معلنة في فرنسا، من نوع شل تقاطع الطرقات، مقابل 600 في بداية الحراك".


بدورها، قرأت صحيفة "ويست فرانس"، في تظاهرات السبت، "تعبئة أكبر وعنفاً أقل". وإذا كانت التظاهرات سلمية، إلا أنها لم تَخْلُ من شعارات قوية، من قبيل "ماكرون، استقالة" و"حرّروا كريستوف"، في إشارة إلى الملاكم ديتينغر، الذي انتشر فيديو له وهو يلاكم دركيين، وهو معتقل في انتظار محاكمته في الشهر القادم.

وإذا كان العنف تجاه رجال الأمن خفّ بشكل كبير، فقد تواصل، كما تكتب الصحيفة، ضد

الصحافيين، فقد هوجِم صحافيان يشتغلان في قناة "إل سي أي"، التابعة للقناة الأولى، في مدينة روان. كما هوجمت صحافية تشتغل في صحيفة "لاديبيش دو ميدي" في تولوز، وقد أفلتت من مهاجميها بفضل تدخل عضوين من السترات الصفراء. دون إغفال اضطراب في توزيع صحف جهوية، بسبب محاصرة السترات الصفراء لمراكز التوزيع.


وعنونت صحيفة "ليبراسيون" تحقيقاً بـ:"ما زالت لدينا وسائل الخروج للشارع"، في تأكيد على تصميم السترات الصفراء على مواصلة الحراك حتى تحقيق معظم مطالبها. وإضافة إلى الشعار الدائم: "ماكرون، استقالة"، أصبح الملاكم كريستوف ديتينغر، من رموز الحراك. بعض المتظاهرين وضعوا على ستراتهم الصفراء عبارة "أنا كريستوف ديتينغر"ـ إلى جانب شعارات تطالب بإطلاق سراحه.


وتسلّط الصحيفة، التي كرست صفحة كاملة لضحايا القمع البوليسي من السترات الصفراء، الضوء على رجل ستيني وهو يواجه قوات الأمن، بملفّ من الصوَر يتضمن وجوها مهشمة من المتظاهرين، بسبب استخدام رجال الأمن العصي أو رصاصات فلاش بول، وهو يسائلهم: "هل رأيتم ما فعلتم بنا، علماً بأننا مثلكم".

وأثار العدد الكبير من المتظاهرين، 6300 شخص، في مدينة صغيرة، نسبيا، كـ"بورج"، كانت تستقبل كل أسبوع 500 متظاهر في المتوسط، انتباه صحيفة "ليبراسيون"، التي تنقل عن بعض سكان المدينة غبطتهم بوصول متظاهرين من عموم فرنسا: "لم أكن أعتقد رؤية هذا الكم من المتظاهرين. إنه يدفئ القلب".


ونفس القراءة نجدها في صحيفة "لوموند"، حيث تؤكد الصحيفة أن "غضب السترات الصفراء في هذه المدينة، ظل كما هو". وتقرأ الصحيفة في نجاح تظاهرة "بورج"، "نجاح أول دعوة للتجمع على الصعيد الوطني، في مدينة إقليمية".

وترى الصحيفة أن كثيرًا من متظاهري السترات الصفراء قارئون جيدون للأوضاع ومتابعون للسياسات الحكومية ولمواقف المسؤولين، وهكذا لم يمرّ تصريح ماكرون قبيل الجولة التاسعة من الحراك، وهو يتحدث عن أغلبية من الفرنسيين لا تقوم بالجهد المطلوب، مرور الكرام. وتنقل الصحيفة عن متظاهر، بائع كتب، في الخمسين من عمره، قوله: "حين يقول ماكرون إننا لا نبذل الجهد الكافي، فهو يستفزنا. نحن نشتغل 15 ساعة كل يوم حتى تكون على يقين بالتواجد في مفترقات الطرق وإدارة شؤون تجارتنا".

وتثير الصحيفة الحذر المتواصل بين السترات الصفراء والنقابات، وتنقل عن متظاهر قوله: "لقد حصلت النقابات، خلال فترة طويلة، على مبالغ (مالية) من الحكومة. ونحن لسنا فاسدين ولسنا قابلين للفساد".

بدورها، كرست صحيفة "لوجورنال دو ديمانش"، من جهتها صفحتها الأولى لزعيم "فرنسا غير الخاضعة"، جان لوك ميلانشون، بعنوان مثير فيه بعض التحامل: "ميلانشون: الانحراف المثير للقلق"، مركِّزة على تصريحاته وعلى حساباته وأيضا على مظاهر الغموض في مواقفه.



وتكتب الصحيفة أن ميلانشون "وحتى لا يدع السترات الصفراء بين أيدي اليمين المتطرف، يضاعف من رسائله الموَّجَهة إلى عناصر مثيرة للجدل من السترات الصفراء، مثل إيريك درووي. كما أنه يرفض انتقاد العنف والانحرافات المعادية للسامية وأيضا العنصرية".

ويسلط مثال آخَر في الملف على "كلمات هذا الخطيب المُفوَّه، الذي تغذيه الشكوك"، مثل قولته الشهيرة: "أريد أن أكرر بأني أعتقد أن العنف غير منتج. وأنا أقوم بهذا، من وجهة نظر سياسية. وأبحث عن الاستراتيجية الأكثر فعالية من أجل إنهاك الخصم".

وتتساءل الصحيفة عن إمكانية نجاح السيناريو الإيطالي في فرنسا، أي تحالف "التجمع الوطني"، اليميني المتطرف و"فرنسا غير الخاضعة"، ثم تجيب بأن الفرنسيين لا يريدون هذا النوع من التحالف.

وتعترف الصحيفة المقربة من ماكرون، بارتفاع عدد المتظاهرين، يوم أمس السبت، 12 يناير/كانون الثاني، وانخفاض مستويات العنف. ولكنها ركزت أيضاً على تعرض الصحافيين للتضييق من قبل بعض السترات الصفراء.

ثم تُكرّس مقالاً طويلاً عن ماكرون الذي "لا يزال يأمل في إحداث انفجار كبير". وترى الصحيفة أن الرئيس الذي سيكشف، غداً الاثنين 14 يناير/كانون الثاني، عن رسالته للفرنسيين، عازمٌ على تغيير طاقمه في الإيليزيه.

وتنقل الصحيفة عن أحد المقربين من الرئيس قراءته لما سيكتبه الرئيس للفرنسيين غدا: "سواء انتخبتم من أجلي أم لم تفعلوا، فأنا أتفهم تساؤلاتكم حول فائدة هذا النقاش. ولكن، يجب، أولا، أن ينتصر الحوار على العنف، وثانياً، سأستخلص في نهاية النقاش مبادراتٍ سياسيةً قريبةً جدا مما عبّرتم عنه".

كما أن من بين أهداف هذا النقاش، الذي استبقه الرئيس بالقول: "لا يجب توقع معجزات، ولا أن نتفق حول كل شيء"، كما يصرح أحد الوزراء: "الخروج من المواجهة (المستمرة) بين السترات الصفراء ورجال الأمن".

كيف سيخرج ماكرون من ورطته التي تركته حبيس الإيليزيه في معظم الأحيان، بل وحرمته من السفر إلى قمة دافوس؟ تقدّم الصحيفة بعض الحلول: تغيير الطاقم الرئاسي، الاستفتاء، بل وحتى إجراء تعديل حكومي. مع التشديد على "أن أياً من هذه السيناريوهات ليس مضمون العواقب"، أي "إذا فشل (الرئيس) فسيبتلعه هذا الحراك، وستَعُمّ الفوضى".