أحدثت جلسات الاستماع لضحايا التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان، والتي نظمتها هيئة "الحقيقة والكرامة" خلال يومي 17 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني، خضة لدى السياسيين التونسيين، وصل صداها إلى قبة البرلمان، فيما استدعى غياب الرؤساء الثلاثة عن حضور الجلسات، أخذاً ورداً بين ممثلي أحزابهم.
وشهدت جلسة البرلمان حول مناقشة ميزانية البلاد، فرصة لنواب المعارضة التونسية، لتقديم احترازاتهم على تغيّب الرئيس الباجي قائد السبسي عن حضور جلسات الاستماع لضحايا التعذيب والانتهاكات.
واعتبر مستشارو السبسي في ردودهم على الانتقادات، أنّ الرئاسة غير ملزمة بحضور الجلسات، وإنّما قامت بدورها إزاء هيئة "الحقيقة والكرامة" في إطار ضوابط القانون.
وأوضح مدير الديوان الرئاسي سليم العزابي، لـ"العربي الجديد"، اليوم الاثنين، أنّ "مؤسسة الرئاسة تربطها بهيئة الحقيقة والكرامة علاقة قانونية. وقام رئيس البلاد بواجبه الذي ينص عليه القانون، وهو النظر في تقريرها السنوي"، مشيراً إلى توقيع اتفاقية مع الهيئة لتمكينها من النفاذ إلى أرشيف رئاسة الجمهورية، نافياً أي إشكالات للرئاسة مع الهيئة.
ونفى العزابي لـ"العربي الجديد"، ما ذهب إليه البعض من تأويلات حول غياب السبسي، بسبب بعض الشهادات التي تحدثت عن التعذيب، والقول إنّها تمت بعلمه وتحت إشرافه، حين تقلّد مهام وزارة الداخلية في عهد الرئيس الأول للبلاد الحبيب بورقيبة، وقال العزابي إن لا علاقة لذلك بعدم حضور الرئيس لجلسات الاستماع للضحايا.
وشهدت الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة نقاشاً حاداً إثر توجيه نواب المعارضة، وبعض من نواب حركة "النهضة"، انتقادات لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان، لتغيّب الرؤساء الثلاثة عما اعتبروه حدثاً مفصلياً في تاريخ البلاد.
وأبرز المنتقدون أنّ الحدث لا يهم أشخاصاً بعينهم تعرّضوا للتعذيب، وإنما يخصّ إعادة كتابة التاريخ بإخراج الانتهاكات التي اقترفها النظام التونسي على امتداد خمسة عقود، بحقّ منتمين للأطياف السياسية المعارضة ونقابيين وغيرهم.
وحاولت مداخلات نواب حزب "نداء تونس" الدفاع عن مؤسسة الرئاسة، واصفين جلسات الاستماع بـ"المهزلة والمسرحية" المراد منها تقسيم التونسيين، والتهجّم على مؤسستي الأمن والجيش، مثنين على قرار السبسي عدم الحضور.
ووصف رئيس كتلة "نداء تونس" سفيان طوبال، مؤسسة الرئاسة في عهد الرئيس السابق المنصف المرزوقي بحديقة "البلفيدير"، وهي حديقة حيوانات مفتوحة للعموم. فيما نعتها مساعد رئيس البرلمان المكلّف بالإعلام المنجي الحرباوي، بـ"الحانة ومحل السكر". وهو ما استوجب رداً عنيفاً من قبل رئيس كتلة "الجبهة الشعبية" أحمد الصديق، الذي دعا لاحترام المرزوقي، وعدم التعرّض لحياته الشخصية أو تشويه سمعته أو هتك عرضه، مشدداً على أنّ الاختلاف معه لا يبرّر الإهانة.
وفي السياق ذاته، قالت النائبة عن "التيار الديمقراطي" سامية عبو، لـ"العربي الجديد"، إنّ "ما قام به نواب حزب نداء تونس في إطار دفاعهم عن السبسي أضرّ بصورة مؤسسة الرئاسة، أكثر من أي شيء حدث أو سيحدث مستقبلاً"، معتبرة أنّ بعض الردود والتعليقات "لا يمكن أن توصف إلا بالابتذال والوقاحة".
وأضافت عبو أنّ "جلسات الاستماع جاءت لإعادة كتابة التاريخ، وإبراز صورة مغايرة لتونس المتصالحة، والقادرة على تخطي مأساة الماضي عبر المكاشفة، وتقديم حقيقة الانتهاكات في الحقبة الماضية، ثم المحاسبة والمصالحة وجبر الضرر. وهي صورة تجلب لتونس التقدير الدولي من جهة وتجلب الاستثمار أيضاً"، وفق تقديرها.
ورأت عبو أنّ الرؤساء الثلاثة اختاروا التغيّب عن حدث بهذه الأهمية، فيما انتفض نواب أحزابهم للدفاع عن موقفهم، مقدمين "صورة رديئة وبمستوى متدن للغاية"، بحسب قولها.