ضرب الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، طيوراً كثيرة بحجر واحد، عندما أطلق مبادرته، يوم الأحد الماضي، بخصوص التفكير في المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة. وبقطع النظر عن نوايا الرجل الحقيقية، وإنْ كانت تتعلق بـ"حلم بورقيبي" قديم، كان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، يتمنى لو تحقق وهو حيّ، إلا أنّ المبادرة تحمل بالضرورة تبعات سياسية كبيرة. وأثبتت مرة أخرى أن السبسي قادر باستمرار على خلط الأوراق وإعادة توزيعها من جديد وفق ما يتناسب مع مخططاته.
وتحولت المبادرة إلى حديث الناس الوحيد، واختفت كل المواضيع الأخرى، بما فيها قضية الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، ومستقبله السياسي، والحرائق والقبض على إرهابيين، والصيف ومشاكله الاجتماعية اليومية، والمهرجانات ونجومها. وانهمك الجميع في تفكيك هذه الدعوة بين نقاش ديني وحقوقي وقانوني دستوري، وسياسي بامتياز.
وبادر الرئيس السابق، منصف المرزوقي، إلى التعليق على الدعوة الرئاسية، فاعتبر في تدوينة أنها جاءت "لمزيد من إذلال النهضة وإضعافها". وقال "نحن أمام عملية سياسوية بامتياز للتعمية على الإخفاق المهين للرجل (السبسي) ولحزبه... لخلق شرخ بين التونسيين في موضوع خلافي بامتياز يجب تركه للوقت ولحوار مجتمعي معمّق... ويجب رفض هذه المهاترات التي تفرّق، وتجميع الناس حول القضايا المصيرية"، وفق تعبير المرزوقي.
وبقطع النظر عن مسألة "إذلال النهضة"، فإن من المؤكد أنها ستشكل بالنسبة للحركة الإسلامية اختباراً سياسياً اجتماعياً كبيراً، ربما يحرجها أمام الحداثيين ويدفعها لفرملة سعيها الحثيث نحو "التحديث والتوْنَسة"، ومحاولتها التجرد من صورة "الجماعة" وتكريس نفسها كحزب معاصر. وعلى الرغم من أن الحركة بذلت جهداً كبيراً من خلال مصادقتها على قوانين كثيرة تدافع عن المرأة وتحفظ حقوقها، ما ساهم فعلاً بتغيير صورتها أمام التونسيين، إلا أن الاختبار هذه المرة عكسيّ تماماً، وسيضعها في موقف لا يحظى بالضرورة بإجماع داخلها. ومن شأن ذلك أن يقود إلى تصدعات داخلية، وإلى إضعاف رصيدها الشعبي، لأن دعم مبادرة السبسي اليوم سيفقدها "إسلاميتها" نهائياً عند المعارضين للمساواة. ورفض المبادرة سيوجه إليها سهام الحداثيين الذين سيؤكدون أن فصل الديني عن السياسي لم يكن في الحقيقة إلا مجرد واجهة، وهو ما يرددونه باستمرار.
ورداً على سؤال "العربي الجديد" عما إذا كانت المبادرة محاصرة لـ"النهضة"، يعتبر النائب عن الحركة، عبد اللطيف المكي، أن "هذا الأمر لن يحدث بالضرورة، وقد يرتد على صاحبه (السبسي) لأنه يفترض أن موقف النهضة واضح في هذا الصدد، ويقوم على احترام الدستور الذي ينص على أن تونس دولة دينها الإسلام".
اقــرأ أيضاً
وأكد مقرر الدستور التونسي الجديد، النائب عن حركة النهضة، الحبيب خضر، أن ورقة السبسي (المبررات القانونية التي اعتمد عليها في خطابه) غاب عنها التذكير بأن الدستور بكامله إنما سُنّ لتحقيق جملة الأهداف الموجهة من ضمنها أن يكون مجسداً لتعبير: "تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام". وأشار خضر إلى أن "خطاب (الرئيس) أغفل أن موضوع الإرث من المواضيع التي وردت الأحكام القرآنية بشأنها مفصلة وليست كما جاء في الخطاب موضوعاً غير منظم، متروكاً للاجتهاد، وهذه نقيصة كبيرة"، وفق تعبيره. ولفت إلى أن "الزجّ بالبلاد في مواضيع خلافية كالمساواة في الإرث وزواج المسلمة بغير المسلم لا ينسجم مع ما يسلم به الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية من أن التحدي الأكبر في هذه المرحلة اقتصادي تنموي وهو يتطلب وحدة الصف وتضافر كل الجهود".
وتوجهت أغلب مواقف "النهضة" حتى الآن إلى معارضة مبادرة السبسي، على الرغم من أنها لم تصدر موقفاً رسمياً بعد حول هذا الموضوع الخلافي الذي أحدث صدمة داخل مؤسسة الإفتاء نفسها، إذ تعارض موقف المفتي السابق، حمدة سعيد، مع موقف المفتي الحالي، عثمان بطيخ، وتدخل حتى جامع الأزهر لرفض الفكرة.
برلمانياً، سيكون على "النهضة" أن تصوت أو ترفض القانون الجديد، إن كتب له الوصول إلى تلك المرحلة. وسيكون موقفها السياسي واضحاً: إما مع السبسي أو ضده. وبطبيعة الحال، سينعكس ذلك على تحالفهما. وقد سبق لقانون المصالحة أن أظهر أن السبسي شديد الحساسية تجاه المواقف التي تعارض مبادراته. وبذل زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، جهداً كبيراً لإقناع نوابه بدعم المبادرة، ولكن الموضوع مختلف هذه المرة.
غير أن السبسي في دعوته لمساواة الرجل بالمرأة من ناحية الإرث، لم يختبر حركة النهضة وحدها، وإنما سعى أيضاً لسحب البساط من تحت المعارضة الحداثية، المكونة من اليساريين والليبراليين. وهو صادر دعواتهم المتكررة في هذا المجال وزايد عليهم. وأصبح الرجل الأكثر حداثيةً والأقرب إلى المرأة والأكثر دفاعاً عن حقوقها، وهي التي انتخبته وقادته إلى قصر قرطاج، وفق ما تؤكده كل الأرقام.
وفي نفس الوقت، اقترب السبسي أكثر من "البورقيبيين"، وأصبح بذلك العنوان الأكبر لتجميع هؤلاء، لا سيما أنهم يشكلون ماكينة انتخابية كبرى، وتسعى قوى عديدة إلى جذبهم. لكن هل يسلم السبسي بهذه المبادرة؟ وهل سيحقق من خلالها أرباحاً صافية، من دون تداعيات سلبية عليه؟ الثابت أن السبسي صاغ خطابه بدقة كبيرة، فهو لم يدع إلى المساواة ولكنه دعا إلى "التفكير فيها"، وشدّد في نفس الآن على ضرورة عدم القيام بإجراءات تصدم مشاعر التونسيين، وذكّر باستمرار، بأن تونس دولة مسلمة وأغلب شعبها مسلم، ولكن كل هذه الحصانة لن تنفع كثيراً، لأنه في نهاية الأمر تبنّى هذه الدعوة، وستحسب له تاريخياً بقطع النظر عن مآلها.
وتحولت المبادرة إلى حديث الناس الوحيد، واختفت كل المواضيع الأخرى، بما فيها قضية الحكومة ورئيسها يوسف الشاهد، ومستقبله السياسي، والحرائق والقبض على إرهابيين، والصيف ومشاكله الاجتماعية اليومية، والمهرجانات ونجومها. وانهمك الجميع في تفكيك هذه الدعوة بين نقاش ديني وحقوقي وقانوني دستوري، وسياسي بامتياز.
وبقطع النظر عن مسألة "إذلال النهضة"، فإن من المؤكد أنها ستشكل بالنسبة للحركة الإسلامية اختباراً سياسياً اجتماعياً كبيراً، ربما يحرجها أمام الحداثيين ويدفعها لفرملة سعيها الحثيث نحو "التحديث والتوْنَسة"، ومحاولتها التجرد من صورة "الجماعة" وتكريس نفسها كحزب معاصر. وعلى الرغم من أن الحركة بذلت جهداً كبيراً من خلال مصادقتها على قوانين كثيرة تدافع عن المرأة وتحفظ حقوقها، ما ساهم فعلاً بتغيير صورتها أمام التونسيين، إلا أن الاختبار هذه المرة عكسيّ تماماً، وسيضعها في موقف لا يحظى بالضرورة بإجماع داخلها. ومن شأن ذلك أن يقود إلى تصدعات داخلية، وإلى إضعاف رصيدها الشعبي، لأن دعم مبادرة السبسي اليوم سيفقدها "إسلاميتها" نهائياً عند المعارضين للمساواة. ورفض المبادرة سيوجه إليها سهام الحداثيين الذين سيؤكدون أن فصل الديني عن السياسي لم يكن في الحقيقة إلا مجرد واجهة، وهو ما يرددونه باستمرار.
ورداً على سؤال "العربي الجديد" عما إذا كانت المبادرة محاصرة لـ"النهضة"، يعتبر النائب عن الحركة، عبد اللطيف المكي، أن "هذا الأمر لن يحدث بالضرورة، وقد يرتد على صاحبه (السبسي) لأنه يفترض أن موقف النهضة واضح في هذا الصدد، ويقوم على احترام الدستور الذي ينص على أن تونس دولة دينها الإسلام".
وأكد مقرر الدستور التونسي الجديد، النائب عن حركة النهضة، الحبيب خضر، أن ورقة السبسي (المبررات القانونية التي اعتمد عليها في خطابه) غاب عنها التذكير بأن الدستور بكامله إنما سُنّ لتحقيق جملة الأهداف الموجهة من ضمنها أن يكون مجسداً لتعبير: "تمسك شعبنا بتعاليم الإسلام". وأشار خضر إلى أن "خطاب (الرئيس) أغفل أن موضوع الإرث من المواضيع التي وردت الأحكام القرآنية بشأنها مفصلة وليست كما جاء في الخطاب موضوعاً غير منظم، متروكاً للاجتهاد، وهذه نقيصة كبيرة"، وفق تعبيره. ولفت إلى أن "الزجّ بالبلاد في مواضيع خلافية كالمساواة في الإرث وزواج المسلمة بغير المسلم لا ينسجم مع ما يسلم به الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية من أن التحدي الأكبر في هذه المرحلة اقتصادي تنموي وهو يتطلب وحدة الصف وتضافر كل الجهود".
برلمانياً، سيكون على "النهضة" أن تصوت أو ترفض القانون الجديد، إن كتب له الوصول إلى تلك المرحلة. وسيكون موقفها السياسي واضحاً: إما مع السبسي أو ضده. وبطبيعة الحال، سينعكس ذلك على تحالفهما. وقد سبق لقانون المصالحة أن أظهر أن السبسي شديد الحساسية تجاه المواقف التي تعارض مبادراته. وبذل زعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، جهداً كبيراً لإقناع نوابه بدعم المبادرة، ولكن الموضوع مختلف هذه المرة.
غير أن السبسي في دعوته لمساواة الرجل بالمرأة من ناحية الإرث، لم يختبر حركة النهضة وحدها، وإنما سعى أيضاً لسحب البساط من تحت المعارضة الحداثية، المكونة من اليساريين والليبراليين. وهو صادر دعواتهم المتكررة في هذا المجال وزايد عليهم. وأصبح الرجل الأكثر حداثيةً والأقرب إلى المرأة والأكثر دفاعاً عن حقوقها، وهي التي انتخبته وقادته إلى قصر قرطاج، وفق ما تؤكده كل الأرقام.
وفي نفس الوقت، اقترب السبسي أكثر من "البورقيبيين"، وأصبح بذلك العنوان الأكبر لتجميع هؤلاء، لا سيما أنهم يشكلون ماكينة انتخابية كبرى، وتسعى قوى عديدة إلى جذبهم. لكن هل يسلم السبسي بهذه المبادرة؟ وهل سيحقق من خلالها أرباحاً صافية، من دون تداعيات سلبية عليه؟ الثابت أن السبسي صاغ خطابه بدقة كبيرة، فهو لم يدع إلى المساواة ولكنه دعا إلى "التفكير فيها"، وشدّد في نفس الآن على ضرورة عدم القيام بإجراءات تصدم مشاعر التونسيين، وذكّر باستمرار، بأن تونس دولة مسلمة وأغلب شعبها مسلم، ولكن كل هذه الحصانة لن تنفع كثيراً، لأنه في نهاية الأمر تبنّى هذه الدعوة، وستحسب له تاريخياً بقطع النظر عن مآلها.