واستغرقت عملية السيطرة على الساحل الشرقي للموصل نحو ثلاثة أشهر كاملة. وتكبدت خلالها القوات المهاجمة خسائر كبيرة تقدر بنحو 5 آلاف قتيل وجريح مقابل أكثر من 3 آلاف مسلح من تنظيم "داعش"، وفقاً لمصادر عسكرية استخبارية عراقية تحدثت لـ"العربي الجديد". في موازاة ذلك، يبدو أن المدنيين هم الخاسر الأكبر في معركة الساحل الشرقي، إذ تشير التقارير المحلية إلى مقتل نحو 3 آلاف مدني وجرح تسعة آلاف آخرين فضلاً عن تدمير أحياء وبنى تحتية بنسبة 60 في المائة.
الجيوب الأخيرة
أصوات الاشتباكات المتقطعة والانفجارات كانت لا تزال تسمع من أحياء عدة في الساحل الشرقي للمدينة، حتى مساء أمس الإثنين، في ما تقول قيادة الجيش العراقي إنها جيوب محاصرة لتنظيم "داعش" أو انتحاريين مختبئين في منازل المدينة يرفضون الاستسلام.
وعلى الرغم من السيطرة على الساحل الشرقي للموصل من نهر دجلة، وهو الأكبر مساحة والأقدم تاريخياً من جاره أي الساحل الغربي، إلا أن مسؤولين في الجيش العراقي يقولون إنه يوجد ضرورة ملحة للتوقف بضعة أيام قبل العبور إلى الساحل الثاني من دجلة. ويبررون الأمر بـ"أسباب نفسية وأخرى عسكرية"، تتعلق بالخطة التي سيتم على ضوئها الهجوم وهي تختلف كلياً عن خطة الساحل الشرقي.
وتخوض قوات الجيش العراقي، مدعومة بطيران التحالف الدولي، معارك عنيفة منذ ظهر الإثنين للسيطرة على منطقة الرشيدية الواقعة شمال شرق مدينة الموصل. ويقول قائد الحملة العسكرية العراقية لاستعادة الموصل، الفريق الركن عبد الأمير رشيد يار الله، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النصف الثاني من المدينة سيشهد قريباً هجوماً بخطط جديدة تفاجئ التنظيم". من جهته، يؤكد الضابط في الفرقة الخامسة عشرة التابعة للجيش العراقي، العميد سعدون الطائي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن قوات الجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب شرعت في عملية تطهير الأحياء الشرقية للموصل وباشرت بنصب نقاط تفتيش وثكنات". وتطرق إلى "بدء إعادة السكان من الخيام من خارج الموصل إلى منازلهم في الأحياء التي تمت عملية رفع المخلفات الحربية منها". لكنه في الوقت نفسه، يلفت إلى أن "القوات الأمنية العراقية لا تزال تتعرض لهجمات مباغتة في مناطق تمت السيطرة عليها سابقاً من مجاميع صغيرة تتكون من خمسة أو عشرة مقاتلين على الأكثر، لا سيما في أحياء العربي والحدباء والكندي والقصور الرئاسية".
وبعد أكثر من عامين ونصف العام من العيش تحت حكم التنظيم، يحاول سكان الأحياء المحررة من الموصل، ولو ببطء، التخلص من الأمور التي أجبروا على ممارستها من قبل التنظيم. وبدأت بعض المطاعم والمقاهي تحظى ببعض الزوار بعد افتتاحها، بينما بدأت ملامح السواد تختفي من ملابس السيدات. وبدا النقاب اختيارياً أكثر من كونه إجبارياً. وفي السياق نفسه، يقول العقيد محمد السعدي من الجيش العراقي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "أفراداً من الجيش شغلوا أغاني فيروز ووزعوا الدخان مجاناً وأمروا الرجال بحلق اللحى، ونحاول أن نخرجهم مما هم فيه، لكننا نعذرهم. فالموت كان ثمن من يخالف أوامر داعش، لذا تجدهم غير قادرين على تقبل الحياة الجديدة". من جهته، لم يتردد مواطن من سكان الموصل بالقول: "أخذت أول سيجارة لي منذ عامين ونصف العام تقريباً يوم أمس وشعرت بدوار رهيب، لكنه كان جميلاً، سأعود للتدخين لأني تركته غصباً عني وسأسمع أغاني مجدداً"، وفقاً لقوله.
معركة الساحل الغربي... تفاصيل تثير القلق
ومع اكتمال سيطرة القوات الأمنية على جميع مناطق الجانب الشرقي لمدينة الموصل فإنه سيتحتم عليها البدء بالإعداد لمهاجمة الجانب الغربي، بعد أن تتمكن من إنجاز الجانب الأصعب، والمتمثل بنصب الجسور العائمة لتسهيل نقل وحركة القطعات العسكرية المشاركة في العملية العسكرية.
ووصلت أمس الإثنين ثلاثة جسور عائمة آتية من القاعدة الأميركية في الكويت، وفقاً للعقيد في الجيش العراقي، حسين الطائي، "وستنصب على دجلة لعبور قواتنا". ويوضح الطائي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الجسور لا يستغرق نصب الواحد منها أكثر من أربع ساعات، وستكون مفتاح الربط الجديد بعد تدمير الجسور الخمسة التي تربط جانبي الموصل الشرقي والغربي". من جهته، يقول المتحدث باسم قوات جهاز مكافحة الإرهاب، صباح النعمان، لـ"العربي الجديد"، إن "طيران التحالف الدولي قام بقصف المناطق المحاذية لنهر دجلة من جهة الغرب للقضاء على عناصر داعش الذين يحاولون استهداف القوات العراقية التي تتأهب لمد الجسور العائمة وتمشيط المناطق الشرقية المجاورة لنهر دجلة". وبحسب النعمان فإن "طائرات التحالف الدولي دمرت أكثر من ثلاثين زورقاً تابعاً لتنظيم داعش بضربات جوية متلاحقة، بعدما كانت الزوارق تحاول نقل عناصر التنظيم عبر نهر دجلة".
ويؤكد النعمان أن "الضربات الجوية تأتي في إطار تهيئة الظروف الملائمة لقوات الجيش العراقي، من أجل البدء في مد الجسور العائمة، لكي تكون بديلاً عن جسور الموصل الخمسة التي تم تدميرها سابقاً". وتلفت مصادر عسكرية مشاركة في عملية السيطرة على مدينة الموصل، تحدثت مع "العربي الجديد"، إلى أن "خطة أميركية يجري الإعداد لها بخصوص طريقة ووقت تنفيذ عبور نهر دجلة ومهاجمة آخر معاقل تنظيم داعش في مناطق غرب الموصل".
ووفقاً للمصادر نفسها، فإن"القيادات العسكرية العراقية والأميركية وعدت بمفاجأة كبيرة تتعلق بمعارك الجانب الغربي لمدينة الموصل"، من دون أن تكشف هذه المصادر عن ماهية هذه المفاجأة، لكنها لمحت إلى احتمالية أن تنفذ قوات خاصة عراقية وأميركية عملية إنزال كبيرة تهدف إلى السيطرة على الطرف الغربي لأحد جسور الموصل. وتهدف عملية كهذه إلى إفساح المجال لبناء جسر عائم بوقت قياسي لعبور آليات القوات العراقية المشاركة في الهجوم.
وفي السياق نفسه، لم يتأخر المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، العميد يحيى رسول، في الإعلان عن أن الهندسة العسكرية بدأت الإعداد لإقامة جسور ثابتة ومتحركة على نهر دجلة استعداداً لانطلاق عمليات تحرير الجانب الأيمن من الموصل. ووفقاً لرسول، فإن "الهندسة العسكرية تستعد لنصب جسور متحركة وثابتة على نهر دجلة لربط جانبي الموصل الأيسر والأيمن للإسهام بنقل القطعات العسكرية بين جانبي المدينة وتقليل المسافات". كما يشير إلى أن "القوات العراقية ستفاجئ داعش بالخطة العسكرية لتحرير الساحل الأيمن وستنطلق العملية قريباً بعد أن نجحت القوات العراقية في تحرير مناطق وأحياء الساحل الأيسر، وعودة الحياة الطبيعية في الأحياء المحررة".
وحول تفاصيل الساحل الأيمن أو الغربي من الموصل، يقول المقدم في الجيش العراقي، طه عبد الرحمن الحمداني، إن المعارك فيه لن تكون سهلة على الإطلاق، متوقعاً أن يستغرق تحريره نحو شهرين من القتال أو أكثر، على الرغم من أنه أصغر من الساحل الشرقي الذي استغرق القتال فيه نحو ثلاثة أشهر. ويضيف الحمداني، وهو من أهالي الموصل، ويشارك في معارك تحرير المدينة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن الساحل الغربي للموصل يتألف من نحو 50 حياً ومنطقة سكنية من أبرزها الزنجيلي والموصل العتيقة والدواسة والمنصور والإصلاح والطيران والنفط، وفيها أكبر معسكر للجيش العراقي في المحافظة وهو معسكر الغزلاني، فضلاً عن مطار الموصل الدولي. كما توجد ممرات لا تزال سالكة باتجاه سورية.
ويشير الحمداني إلى أن "مناطق هذا الساحل صعبة ومعقدة إن من حيث الطبيعة الجغرافية أو تركيبة المجتمع (طبيعة قبلية)، عكس الساحل الشرقي. كما أن الساحل الغربي كان ضمن نفوذ داعش قبل العاشر من يونيو/حزيران 2014 الذي سقطت فيه المدينة تحت حكمه. لذا نتوقع مقاومة عنيفة لأسباب عدة، أبرزها أنه المعقل الأخير للتنظيم وسيكون أغلب المتشددين فيه ويقاتلون حتى النهاية". كذلك يلفت إلى أن من وصفهم بـ"العشائريين" في الساحل الغربي "لن يكونوا متعاونين كما سكان الساحل الشرقي بسبب تاريخ الجيش السيئ فيه أيام حكم نوري المالكي قبل أي شيء آخر"، على حد قوله. كما يلفت إلى أن دراية "داعش" بطبيعة المنطقة أكثر من الجيش تفرض تحديات إضافية. ويخلص إلى القول "نعول على انسحاب التنظيم في أول أيام المعركة، إذ إن خسارته لنصف المدينة تجعله متيقناً من أنه سيخسر النصف الآخر ونأمل ذلك بشدة. وإذا أصر على القتال كما في الساحل الشرقي علينا أن نتوقع قتالاً يستمر لشهرين تقريباً".