يكثر الغناء في التراث السوداني للزيّ القومي الذي يتكوّن من الجلابية والطاقية والعِمّة. فالزيّ بذاته قيمة اجتماعية وثقافية. وتُعدّ "العمّة"، أي العمامة، العنصر الأساسي في الزيّ القومي للرجل السوداني، لإضفاء نوع من الوقار عليه، وعادة ما تتميّز باللون الأبيض أسوة بالجلابية كرمز للسلام والنقاء.
دخلت "العمّة" إلى السودان آخر أيّام مملكة سنار بين 1504 و1821. وانتشرت مع دخول التجار العرب وشيوخ الأزهر والهنود إلى البلاد، لذا نجد ثلاثة أشكال منها: الأزهرية والهندية و"القلووز" التي اشتهر بها التجار العرب المرتحلون. قبل معرفتهم بالعمائم كان السودانيون في المناطق الصحراوية شديدة السخونة يحرصون على تربية شعرهم ووضع دهان محلي سميك عليه ليقيهم من الحرّ. وعمد رجالات الطرق الصوفية إلى نشر العمائم، رفضاً منهم لتربية الرجل لشعره.
تأخذ "العمّة" أشكالاً مختلفة، فبعضها يصل طوله إلى 3 أمتار، والآخر إلى متر ونصف المتر، وهي الأكثر شيوعاً. كما تختلف قماشتها من شخص إلى آخر، وترتبط بالدخل المادي، فهناك عمّة مصنوعة من "التوتل" الأصلي وأخرى من "الكريب" تصل أسعارها إلى 300 جنيه سوداني (53 دولاراً)، أي ما يعادل راتب موظف في الدولة، كما هناك عمائم بجودة أقلّ، تصل لخمسين جنيهاً.
ويعمد البعض إلى تطريز أطراف العمّة بأشكال مختلفة، وكذلك الشال الذي يوضع على الكتف، وله أكثر من طريقة للفّه، فإما أن يتدلّى على الظهر والصدر أو يُلفّ حول العنق، أو تصنع منه علامة ×. وقديماً كان تطريز العمم يدوياً، تحوكها النساء بطريقة "الكروشيه"، يستعملن إبرة مخصّصة وخيوط صوف ملوّنة. وكانت الفتاة تطرّز العمم وتحوك الطواقي يدويّاً لحبيبها أو خطيبيها، فضلاً عن المنديل.
يقول الباحث في التراث السوداني، عبد المطلب الفحل لـ "العربي الجديد" إنّ "العمّة" السودانية، رغم التطورات التي عرفها الزيّ السوداني من خلال الانفتاح على العالم، لا زالت تحتفظ برونقها، باعتبارها زيّاً قومياً، مؤكّداً وجود عدّة أسماء لها، منها "العزبة" التي تُلفّ بشكل دائري على الرأس، ويُترك جزء صغير منها مسدلاً، وهو النوع الذي يشتهر به السلفيون و"الأنصار"، (مناصرو الإمام السوداني، محمد أحمد المهدي الذي طرد المستعمرين من السودان) وهناك العمّة "المفلّلة"، التي يتمّ لفّها على شكل حلقات متتالية أشبه "بالمسمار القلووز".
ويشير الفحل إلى ظهور ألوان مختلفة من العمم والجلابيب، يرتديها الشباب، الا أنّ الوقار لا يزال مقروناً باللون الأبيض، ويؤكّد أنّ العمّة تتّصل في الأصل بالاحترام والوقار ولا تتعدّاه إلى قضايا عقيدية، لكنّ هناك من يرى أن اختيار اللون الأبيض وطول أمتار العمّة يرمزان إلى الكفن، وأن يحمل السوداني كفنه على رأسه فهذا للتذكير بزوال الدنيا.
عملياً، يعود تفضيل اللون الأبيض للتقليل من حرارة الشمس التي تصل صيفاً إلى 50 درجة مئوية. حديثاً، تراجع ارتداء الجلابية والعمّة في أماكن العمل الرسمية، وحلّ محلّها الزيّ "الإفرنجي"، البنطلون والقميص، باستثناء البرلمان، إذ يحرص أغلبية النواب على الزيّ القومي، خصوصاً أنّ أغلبهم أتوا من الريف السوداني، الذي لا يزال يتمسك بارتداء الزي التقليدي مقارنة بالعاصمة الخرطوم.
في المقابل، يسيطر الزيّ القومي على المناسبات الموسمية والأفراح، كما في صلوات العيد وصلوات الجمعة. كما ظهرت مؤخّراً تطويرات على الزيّ المحلّي، حيث انتشر في الأسواق زيّ أطلق عليه "على الله"، وهو تطوير لزيّ عُرف به الأنصار، وهو عبارة عن جلابية قصيرة وسروال، أشبه بالزيّ الباكستاني، ويصنع من "الدمورية" (وهي قماش خشن) وترمز للزهد في الدنيا، ولكنّه انتشر وسط الشباب السوداني بألوان زاهية، وبخامات أقمشة عالية الجودة، كنوع من المعاصرة.
كذلك أعيد إنتاج نوع آخر من الجلابيات لتواكب العصر الحالي، بعدما كانت حكراً على الأنصار، يرتدونها عند الحرب، وهي عبارة عن جلابية عادية، تمكّن صاحبها من ارتدائها من الجانبين، من دون أن يأخذ وقتاً في تحديد الجانب الأمامي من الخلفي، لذا أُطلق عليها "أمّ رقبتين"، وقد ظهرت مؤخراً وسط الشباب بألوان زاهية ومنها المخطّط، ما وصف بالزيّ الجريء وأحياناً المتحدّي للتقاليد المحلية.
إقرأ أيضاً:"تموت تخلّي"... أحذية حصرية للفقراء
دخلت "العمّة" إلى السودان آخر أيّام مملكة سنار بين 1504 و1821. وانتشرت مع دخول التجار العرب وشيوخ الأزهر والهنود إلى البلاد، لذا نجد ثلاثة أشكال منها: الأزهرية والهندية و"القلووز" التي اشتهر بها التجار العرب المرتحلون. قبل معرفتهم بالعمائم كان السودانيون في المناطق الصحراوية شديدة السخونة يحرصون على تربية شعرهم ووضع دهان محلي سميك عليه ليقيهم من الحرّ. وعمد رجالات الطرق الصوفية إلى نشر العمائم، رفضاً منهم لتربية الرجل لشعره.
تأخذ "العمّة" أشكالاً مختلفة، فبعضها يصل طوله إلى 3 أمتار، والآخر إلى متر ونصف المتر، وهي الأكثر شيوعاً. كما تختلف قماشتها من شخص إلى آخر، وترتبط بالدخل المادي، فهناك عمّة مصنوعة من "التوتل" الأصلي وأخرى من "الكريب" تصل أسعارها إلى 300 جنيه سوداني (53 دولاراً)، أي ما يعادل راتب موظف في الدولة، كما هناك عمائم بجودة أقلّ، تصل لخمسين جنيهاً.
ويعمد البعض إلى تطريز أطراف العمّة بأشكال مختلفة، وكذلك الشال الذي يوضع على الكتف، وله أكثر من طريقة للفّه، فإما أن يتدلّى على الظهر والصدر أو يُلفّ حول العنق، أو تصنع منه علامة ×. وقديماً كان تطريز العمم يدوياً، تحوكها النساء بطريقة "الكروشيه"، يستعملن إبرة مخصّصة وخيوط صوف ملوّنة. وكانت الفتاة تطرّز العمم وتحوك الطواقي يدويّاً لحبيبها أو خطيبيها، فضلاً عن المنديل.
يقول الباحث في التراث السوداني، عبد المطلب الفحل لـ "العربي الجديد" إنّ "العمّة" السودانية، رغم التطورات التي عرفها الزيّ السوداني من خلال الانفتاح على العالم، لا زالت تحتفظ برونقها، باعتبارها زيّاً قومياً، مؤكّداً وجود عدّة أسماء لها، منها "العزبة" التي تُلفّ بشكل دائري على الرأس، ويُترك جزء صغير منها مسدلاً، وهو النوع الذي يشتهر به السلفيون و"الأنصار"، (مناصرو الإمام السوداني، محمد أحمد المهدي الذي طرد المستعمرين من السودان) وهناك العمّة "المفلّلة"، التي يتمّ لفّها على شكل حلقات متتالية أشبه "بالمسمار القلووز".
ويشير الفحل إلى ظهور ألوان مختلفة من العمم والجلابيب، يرتديها الشباب، الا أنّ الوقار لا يزال مقروناً باللون الأبيض، ويؤكّد أنّ العمّة تتّصل في الأصل بالاحترام والوقار ولا تتعدّاه إلى قضايا عقيدية، لكنّ هناك من يرى أن اختيار اللون الأبيض وطول أمتار العمّة يرمزان إلى الكفن، وأن يحمل السوداني كفنه على رأسه فهذا للتذكير بزوال الدنيا.
عملياً، يعود تفضيل اللون الأبيض للتقليل من حرارة الشمس التي تصل صيفاً إلى 50 درجة مئوية. حديثاً، تراجع ارتداء الجلابية والعمّة في أماكن العمل الرسمية، وحلّ محلّها الزيّ "الإفرنجي"، البنطلون والقميص، باستثناء البرلمان، إذ يحرص أغلبية النواب على الزيّ القومي، خصوصاً أنّ أغلبهم أتوا من الريف السوداني، الذي لا يزال يتمسك بارتداء الزي التقليدي مقارنة بالعاصمة الخرطوم.
في المقابل، يسيطر الزيّ القومي على المناسبات الموسمية والأفراح، كما في صلوات العيد وصلوات الجمعة. كما ظهرت مؤخّراً تطويرات على الزيّ المحلّي، حيث انتشر في الأسواق زيّ أطلق عليه "على الله"، وهو تطوير لزيّ عُرف به الأنصار، وهو عبارة عن جلابية قصيرة وسروال، أشبه بالزيّ الباكستاني، ويصنع من "الدمورية" (وهي قماش خشن) وترمز للزهد في الدنيا، ولكنّه انتشر وسط الشباب السوداني بألوان زاهية، وبخامات أقمشة عالية الجودة، كنوع من المعاصرة.
كذلك أعيد إنتاج نوع آخر من الجلابيات لتواكب العصر الحالي، بعدما كانت حكراً على الأنصار، يرتدونها عند الحرب، وهي عبارة عن جلابية عادية، تمكّن صاحبها من ارتدائها من الجانبين، من دون أن يأخذ وقتاً في تحديد الجانب الأمامي من الخلفي، لذا أُطلق عليها "أمّ رقبتين"، وقد ظهرت مؤخراً وسط الشباب بألوان زاهية ومنها المخطّط، ما وصف بالزيّ الجريء وأحياناً المتحدّي للتقاليد المحلية.
إقرأ أيضاً:"تموت تخلّي"... أحذية حصرية للفقراء