الزيارات الإسرائيلية والأميركية لحدود غزة: تحضير لعدوان جديد؟

02 سبتمبر 2016
يحاول الاحتلال تضخيم قدرات المقاومة (عبد الحكيم أبو رياش)
+ الخط -
تحوّلت الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة مع الأراضي المحتلة في الأيام الأخيرة، إلى مزار لمسؤولين أمنيين إسرائيليين ومسؤولين غربيين، ويطّلع فيها الزائرون من داخل الكيان الإسرائيلي على حجم التحدي القائم بفعل أنفاق المقاومة الفلسطينية، ويزورون أنفاقاً مكتشفة من قبل، كما يلتقون بسكان مستوطنات غلاف غزة الذين باتت شكواهم دائمة من الأنفاق وخشيتهم من هجمات فلسطينية.
وشهدت الحدود زيارة من نائب وزير الخارجية الأميركي تون شانون، وفق موقع "روتر نت" العبري، الذي قال إنّ شانون زار برفقة السفير الأميركي لدى إسرائيل دان شابيرو الحدود، واطّلع على منظومة القبة الحديدية، وزار نفقاً اكتشفه جيش الاحتلال أخيراً على الحدود مع القطاع، والتقى مستوطني الغلاف. ومثله، زار وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان ومسؤولون عسكريون آخرون الحدود، وأطلق ليبرمان في تصريحات مغلقة تهديدات للقطاع، وقال إنه "لن يسعى لاستعادة جثث جنودهم من يد حركة حماس، ولن يفاوضها على ذلك"، وهو ما أثار عائلات الجنود الإسرائيليين المحتجزين في غزة.
وتزامنت الزيارات إلى الحدود والقطاع مع تحليق مكثف للطيران الاستطلاعي على مدار أسبوعين كاملين في أجواء غزة من شمالها حتى جنوبها، وبعد الزيارات انتهت حركة الطيران الاستطلاعي، ما يعني أنّ بنك الأهداف الإسرائيلي صار ممتلئاً وأنّ عمل الطائرات انتهى.
ومع الزيارات والتحليق المكثف للطيران الاستطلاعي المسمى لدى الغزيين بـ"الزنانة"، خرجت تحليلات إسرائيلية متكررة عن قدرات جديدة للمقاومة الفلسطينية في غزة، وهو ما يشابه إلى حد كبير تلك المزاعم التي أطلقت قبل العدوان الأخير على القطاع صيف العام 2014.
ويقول القيادي في حركة المقاومة الإسلامية "حماس" صلاح البردويل في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ الزيارات الأخيرة للعديد من الشخصيات الغربية والرسمية الإسرائيلية تتزامن مع تصعيد إعلامي من قِبل الاحتلال، ومحاولة لتضخيم قدرات المقاومة الفلسطينية للحصول على تفويض بشن عدوان جديد على القطاع. ويلفت البردويل إلى أنّ الاحتلال يعلم أنّ قرار شن عدوان جديد على غزة أمر حساس، وهو يسعى لتحضير الرأي العام العالمي لذلك عبر هذه الزيارات التي ينظّمها لمسؤولين دبلوماسيين لمنطقة حدود غلاف غزة، وتفقّد بعض الأنفاق القديمة التي اكتشفت.
لكن البردويل يوضح أنه وعلى الرغم من الزيارات الأخيرة التي ينظّمها الاحتلال للمسؤولين الغربيين لمنطقة الحدود مع غزة، إلا أنه متردد جداً في اتخاذ قرار بشن عدوان جديد على القطاع، خشية من تعرضه لمفاجآت جديدة من قبل المقاومة الفلسطينية. ويضيف أنّ الاحتلال يريد أن يرسل رسائل للمقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني عبر هذه الزيارات المتواصلة إلى حدود غزة بأن الحرب باتت قاب قوسين أو أقرب، ومحاولة لإرهاب الغزيين بهذه الزيارات المتكررة والتي بات مبالغاً فيها للعديد من المسؤولين والدبلوماسيين.
ويلفت القيادي في "حماس" إلى أنّ المقاومة في غزة والشعب الفلسطيني غير معنيين بتصعيد جديد مع الاحتلال، إلا أنهما قادران على قلب حسابات الاحتلال في حال أقدم على شن عدوان جديد على القطاع، وإثبات مدى فشل حسابات الاحتلال بشن هذا العدوان.
من جهته، يرى الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ تكرار الزيارات الإسرائيلية الرسمية والدبلوماسية الدولية لمنطقة حدود غلاف غزة والأنفاق القديمة التي جرى اكتشافها، يثبت وجود مخطط لتحضير الرأي العام الدولي والرسمي لإمكانية شن عدوان جديد على قطاع غزة خلال الفترة المقبلة. ويقول عوكل إنّ ما يقوم به الاحتلال في المرحلة الحالية يشبه عملية تحضير للمجتمع الدولي لشن عدوان جديد على القطاع عبر زيارات وفود دبلوماسية غربية بالإضافة إلى قادة جيش الاحتلال عدا عن الزيارة الأخيرة لنائب وزير الخارجية الأميركي توم شانون لأحد الأنفاق المكتشفة على حدود القطاع.


ويشير المحلل السياسي إلى أنّ الزيارات الداخلية التي قام بها الرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين وقائد هيئة أركان جيش الاحتلال غادي أيزنكوت لحدود القطاع ومنطقة غلاف غزة تهدف إلى طمأنة سكان هذه المناطق وقدرة الاحتلال على السيطرة على الوضع على الرغم من وجود الأنفاق. ويوضح أن الوضع الفلسطيني الحالي وحالة الانقسام الداخلي بين حركتي "حماس" و"فتح" لم تعد تعني للاحتلال كثيراً في ظل توجهه نحو الانفتاح على بعض الدول العربية التي تريد إقامة علاقة معه، وهو ما قد يدفع ثمنه سكان القطاع والمقاومة الفلسطينية عبر عدوان جديد.
ويستبعد كذلك أن تكون الزيارة الأخيرة التي قام بها نائب وزير الخارجية الأميركي إلى منطقة غلاف غزة مرتبطة بزيادة المعونات والدعم المالي والعسكري لجيش الاحتلال، كون الاحتلال حصل في الآونة الأخيرة على قنابل من نوع جديد لمواجهة الأنفاق.
أما مدير مركز "أبحاث المستقبل" إبراهيم المدهون، فيقول في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هناك حالة تصعيد وتشويه موجهة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي تجاه القطاع، ومحاولة تضخيم قدرات المقاومة الفلسطينية واستخدامها لتبرير أي عدوان جديد على غزة كما حدث عامي 2008 و2014. غير أنّ المدهون يلفت إلى أنه على الرغم من الزيارات الأخيرة للعديد من الدبلوماسيين إلى حدود القطاع، فإنّ ذلك ليس شرطاً بأن يكون العدوان على غزة قريباً، خصوصاً أنّ الخطوات الإسرائيلية الحالية تأتي في إطار توفير أرضية تمهيدية لتقبل أي عدوان جديد.
ويوضح أنّ الاحتلال يلوّح في الآونة الأخيرة وعبر وسائل إعلامه بأن أي عدوان جديد على القطاع سيجري خلاله استخدام قوة موسعة تختلف عن السابق، وقد تستهدف مدنيين بشكل مشابه وأكبر للحرب الإسرائيلية الأخيرة على القطاع صيف عام 2014. ولا يستبعد أنّ تكون هذه التحركات الدبلوماسية والزيارات التي ينظمها الاحتلال للشخصيات الدبلوماسية الغربية والأميركية من أجل استقدام الدعم المالي لتنفيذ مشروع إنشاء الجدار لمكافحة الأنفاق على طول الحدود، وللحصول على المزيد من التسلح العسكري.
ويشرح أن هناك توجّهين داخل قيادة جيش الاحتلال، يتمثّل الأول في محاولة قادة الأركان إرجاء أي حرب جديدة ومواجهة مع المقاومة الفلسطينية في غزة بالمرحلة الحالية، في الوقت الذي يحاول فيه ليبرمان تسريع ذلك لانتزاع مكاسب شخصية وسياسية.
ويرى المدهون أنّ ليبرمان يريد أن يظهر بمظهر الشخص القوي والمنتصر عبر شنّه عدواناً جديداً على القطاع، يمهد له الطريق للمنافسة على مقعد رئاسة الحكومة الإسرائيلية، إلا أنّ قيادة جيش الاحتلال وخطوات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تمنع حال الاندفاع الموجودة لدى ليبرمان. ويستبعد أن تشهد الفترة القريبة المقبلة حرباً جديداً على القطاع على الرغم من الخطوات التمهيدية التي تجري حالياً وتكرار الزيارات للمنطقة الحدودية، إلا أن عام 2017 قد يكون عاماً ساخناً إذا استمرت الخطوات الإسرائيلية الحالية وحالة التصعيد والتحريض ضد القطاع، وفق المدهون.
وبالنسبة للمدهون، فإنّ الواقع الإقليمي المتخبط حالياً وتوجّه بعض الدول العربية نحو إقامة علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، لن يخدم أو يدعم موقف الاحتلال كثيراً بشأن شن عدوان جديد على القطاع، والدخول في مواجهة مع حركة "حماس" والفصائل الأخرى. ويؤكد أنّ الكثير من الدول الإقليمية ترى أنّ أي عدوان جديد على القطاع لا يحقق أهدافه سيعزز من حضور حركة "حماس" على المستويين المحلي والإقليمي، وسيجعل من الصعب تخطيها، وسيزيد من حضور الحركة شعبياً ورسمياً في المشهد السياسي.