أثارت المادة "87 مكرر" من قانون العمل الجزائري الكثير من الجدل خلال السنوات الأخيرة. خاصة وأن مضمونها يتعلق بجدوى الزيادات المتتالية في أجور العمال. فهي تحرم ملايين العمال من الطبقات الهشة من الاستفادة من زيادات الرواتب. وتنص المادة على أن الأجر الوطني الأدنى المضمون، يشمل الأجر التقاعدي والعلاوات والتعويضات باستثناء التعويضات المدفوعة لتسديد المصاريف التي دفعها العامل. وقد تم إدخال هذه المادة على قانون العمل الجزائري في العام 1997، وذلك بعد المشاكل التي أنتجتها سياسة التعديل الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي على الجزائر بداية عام 1994.
الطبقات الهشة خارج الحسابات
الطبقات الهشة خارج الحسابات
ويلاحظ المتتبع لملف أجور الطبقة العاملة في جزائر، أن الأخير عرف تطوراً وزيادات كبيرة منذ العام 1990. حيث تستفيد الفئات المتوسطة وعالية الدخل بشكل خاص من هذه التطورات، وتبقى الطبقات الاجتماعية الهشة خارج حسابات هذه الزيادات.
وفي هذا الإطار، ناضلت النقابات المهنية المختلفة وعدد من الأحزاب السياسية من أجل إلغاء المادة 87 مكرر، لتقرر الحكومة أخيراً في شهر فبراير/شباط من عام 2014 إلغاء هذه المادة وتعويضها بأخرى تسمح للفئات الهشة الاستفادة من زيادات الأجور من 5 % إلى 15%... ولكن هل هذا الإجراء يساعد فعلاً محدودي الدخل في الجزائر أم أن الإبقاء على السياسات الاقتصادية والاجتماعية ذاتها وزيادة الاستيراد سيرفع معدلات التضخم؟
إذ أفادت مراسلة صادرة عن المديرية العامة للتوظيف العمومي موجهة إلى وزارة المالية، عن الزيادات في أجور العمال المصنفين من الفئة الأولى إلى الفئة العاشرة خاصة الأجر الأدنى المضمون، وذلك بداية شهر كانون الثاني يناير من عام 2015، وبأثر رجعي من نفس الشهر للعام 2011. وسيستفيد الموظف الذي يعمل في الفئة الاولى، والذي كان يتلقى راتباً شهريا قدره 150 دولاراً، من زيادة تصل إلى 100 دولار.
وتعثر هذا المسعى أمام معارضة أرباب العمل، لتقر الحكومة أخيراً اعتماد إلغاء هذه المادة ضمن قانون المالية لعام 2015، حيث ستكون الزيادة في الأجور مع مطلع العام مع إلغاء المفعول الرجعي. وعلى أن تقدم الحكومة تحفيزات وامتيازات ضريبية للمؤسسات الاقتصادية الوطنية الخاصة والعمومية. وبرغم ذلك، لم يتم تطبيق القرار حتى اليوم، مع توقعات أن يطول ذلك الى شهر مايو/أيار المقبل.
يؤكد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد لـ "العربي الجديد"، أن العمال المعنيين بهذه الزيادة، هم أولاً الفئات الهشة البالغ عددها نحو أربعة ملايين عامل (1.2 مليون في التوظيف العمومي، وثلاثة ملايين في القطاعات الاقتصادية العمومية والخاصة)، ثم يأتي بعد ذلك دور باقي فئات شبكة الأجور الأخرى تدريجياً، لافتاً إلى أهمية هذا الإجراء بالنسبة الى هذه الفئات.
شبح التضخم
الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول يقول لـ "العربي الجديد" إنَّ "بقاء الإنتاجية الوطنية ضعيفة محلياً، سيجعل أي زيادة في الأجور أمراً معززاً للاستيراد الخارجي، وسيؤدي إلى ارتفاع التضخم الناجم عن أسعار الخضر والفواكه باعتبارها أسعاراً حرة".
أما الخبير الاقتصادي مقدم عبيدات، يوضح أن توجه الحكومة نحو سياسة التقشف بسبب تراجع أسعار النفط، يرهن هذه الزيادة بالنسبة لباقي الفئات وقد تلغى في الوقت الراهن، خصوصا وكون هذه الزيادات هدفها الرفع من القدرة الشرائية لدى الفئات الهشة وتمكينها من مسايرة الارتفاع الكبير الذي شهدته مختلف المواد الاستهلاكية الأساسية.
فيما يؤكد الخبير الاقتصادي محمد حميدوش أن الأجر الوطني الأدنى المضمون بالجزائر سيبقى دون المستوى المطلوب، إذا ما قورن بباقي الدول العربية. ويقول حميدوش بأن تحجج الدولة باتباع سياسة الدعم للعديد من المواد الاستهلاكية المختلفة ليس مبرراً، لأن هذا الدعم غير عادل ولا يستفيد منه الجميع. ويعطي حميدوش مثالا على ذلك مادة السكر التي يساوي ثمنها المدعم دولاراً واحداً تقريبا يستفيد من هذا السعر ذوو الدخل الضعيف وأصحاب مصانع عصير الفواكه معاً. ويدعو الدكتور حميدوش الحكومة إلى التحلي بالصرامة في تحصيل الإيرادات الجبائية على المؤسسات الاقتصادية. ويؤكد حميدوش أن الدولة تفقد سنوياً ما قيمته خمسة ملايين دولار، من عدم تحصيل الرسم على القيمة المضافة.
معدل الأجور
وفي انتظار تطبيق إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل، التي سترفع أجور الفئات الهشة بنسب تتراوح بين 5% و15%، يشير تقرير للمركز الوطني للإحصائيات إلى أن معدل الأجر الشهري الصافي ابتداء من سنة 2012 يصل إلى 31.800 دينار. حيث قدر بـ 45.500 دينار في القطاع العمومي و 25.700 دينار في القطاع الخاص الوطني.
ويشير التقرير إلى أن عمال الصناعات الاستخراجية المحروقات بالدرجة الأولى يتمتعون بأجور جد مرتفعة، حيث يقدر معدل الأجر الصافي الشهري 85 ألف دينار وكذا النشاطات المالية (50.5 ألف دينار) أي 2.7 و1.6 مرة أكثر من معدل الأجر الشهري الصافي. و بالمقابل تعرف قطاعات البناء والعقار والخدمات المقدمة للمؤسسات معدل أجر أضعف من معدل الأجر الصافي الإجمالي حيث تصل إلى 23.7 ألف دينار و25.4 ألف دينار أي أقل بـ 74% و80% على التوالي عن معدل الأجر الصافي الإجمالي.
وقد أكدت دراسة ميدانية حديثة أن متوسط الأجر الشهري للجزائريين لا يتجاوز 30 ألف دينار، فيما تصل مستويات النفقات في معدلها إلى 60 ألف دينار. وتبعا لهذا الوضع يرى النائب بالبرلمان الوطني سليمان سعداوي لـ "العربي الجديد" أن الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون بالجزائر "بالكاد يلبي الحاجيات الغذائية الأساسية للأسرة الجزائرية البسيطة المكونة من خمسة أفراد. إذ تقدر نفقاتها على الأغذية الأساسية فقط بـ18 ألف دينار إلى 22 الف دينار، هذا إذا ما استثنينا أثمان الكهرباء والغاز والإيجار ومعها الألبسة، داعيا إلى رفع هذا الحد الأدنى لتتمكن هذه الأسر من العيش حياة كريمة".
وفي الوقت نفسه يلفت سعداوي إلى ضرورة أن تكون الأجور في مستوى الخدمة أو العمل المقدم، والإقلاع عن ظاهرة تضخيم الأجور، تفاديا للتضخم خاصة مع سياسة التقشف التي شرعت الحكومة في اتباعها لمواجهة تدني أسعار النفط.
وفي هذا الإطار، ناضلت النقابات المهنية المختلفة وعدد من الأحزاب السياسية من أجل إلغاء المادة 87 مكرر، لتقرر الحكومة أخيراً في شهر فبراير/شباط من عام 2014 إلغاء هذه المادة وتعويضها بأخرى تسمح للفئات الهشة الاستفادة من زيادات الأجور من 5 % إلى 15%... ولكن هل هذا الإجراء يساعد فعلاً محدودي الدخل في الجزائر أم أن الإبقاء على السياسات الاقتصادية والاجتماعية ذاتها وزيادة الاستيراد سيرفع معدلات التضخم؟
إذ أفادت مراسلة صادرة عن المديرية العامة للتوظيف العمومي موجهة إلى وزارة المالية، عن الزيادات في أجور العمال المصنفين من الفئة الأولى إلى الفئة العاشرة خاصة الأجر الأدنى المضمون، وذلك بداية شهر كانون الثاني يناير من عام 2015، وبأثر رجعي من نفس الشهر للعام 2011. وسيستفيد الموظف الذي يعمل في الفئة الاولى، والذي كان يتلقى راتباً شهريا قدره 150 دولاراً، من زيادة تصل إلى 100 دولار.
وتعثر هذا المسعى أمام معارضة أرباب العمل، لتقر الحكومة أخيراً اعتماد إلغاء هذه المادة ضمن قانون المالية لعام 2015، حيث ستكون الزيادة في الأجور مع مطلع العام مع إلغاء المفعول الرجعي. وعلى أن تقدم الحكومة تحفيزات وامتيازات ضريبية للمؤسسات الاقتصادية الوطنية الخاصة والعمومية. وبرغم ذلك، لم يتم تطبيق القرار حتى اليوم، مع توقعات أن يطول ذلك الى شهر مايو/أيار المقبل.
يؤكد الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد لـ "العربي الجديد"، أن العمال المعنيين بهذه الزيادة، هم أولاً الفئات الهشة البالغ عددها نحو أربعة ملايين عامل (1.2 مليون في التوظيف العمومي، وثلاثة ملايين في القطاعات الاقتصادية العمومية والخاصة)، ثم يأتي بعد ذلك دور باقي فئات شبكة الأجور الأخرى تدريجياً، لافتاً إلى أهمية هذا الإجراء بالنسبة الى هذه الفئات.
شبح التضخم
الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول يقول لـ "العربي الجديد" إنَّ "بقاء الإنتاجية الوطنية ضعيفة محلياً، سيجعل أي زيادة في الأجور أمراً معززاً للاستيراد الخارجي، وسيؤدي إلى ارتفاع التضخم الناجم عن أسعار الخضر والفواكه باعتبارها أسعاراً حرة".
أما الخبير الاقتصادي مقدم عبيدات، يوضح أن توجه الحكومة نحو سياسة التقشف بسبب تراجع أسعار النفط، يرهن هذه الزيادة بالنسبة لباقي الفئات وقد تلغى في الوقت الراهن، خصوصا وكون هذه الزيادات هدفها الرفع من القدرة الشرائية لدى الفئات الهشة وتمكينها من مسايرة الارتفاع الكبير الذي شهدته مختلف المواد الاستهلاكية الأساسية.
فيما يؤكد الخبير الاقتصادي محمد حميدوش أن الأجر الوطني الأدنى المضمون بالجزائر سيبقى دون المستوى المطلوب، إذا ما قورن بباقي الدول العربية. ويقول حميدوش بأن تحجج الدولة باتباع سياسة الدعم للعديد من المواد الاستهلاكية المختلفة ليس مبرراً، لأن هذا الدعم غير عادل ولا يستفيد منه الجميع. ويعطي حميدوش مثالا على ذلك مادة السكر التي يساوي ثمنها المدعم دولاراً واحداً تقريبا يستفيد من هذا السعر ذوو الدخل الضعيف وأصحاب مصانع عصير الفواكه معاً. ويدعو الدكتور حميدوش الحكومة إلى التحلي بالصرامة في تحصيل الإيرادات الجبائية على المؤسسات الاقتصادية. ويؤكد حميدوش أن الدولة تفقد سنوياً ما قيمته خمسة ملايين دولار، من عدم تحصيل الرسم على القيمة المضافة.
معدل الأجور
وفي انتظار تطبيق إلغاء المادة 87 مكرر من قانون العمل، التي سترفع أجور الفئات الهشة بنسب تتراوح بين 5% و15%، يشير تقرير للمركز الوطني للإحصائيات إلى أن معدل الأجر الشهري الصافي ابتداء من سنة 2012 يصل إلى 31.800 دينار. حيث قدر بـ 45.500 دينار في القطاع العمومي و 25.700 دينار في القطاع الخاص الوطني.
ويشير التقرير إلى أن عمال الصناعات الاستخراجية المحروقات بالدرجة الأولى يتمتعون بأجور جد مرتفعة، حيث يقدر معدل الأجر الصافي الشهري 85 ألف دينار وكذا النشاطات المالية (50.5 ألف دينار) أي 2.7 و1.6 مرة أكثر من معدل الأجر الشهري الصافي. و بالمقابل تعرف قطاعات البناء والعقار والخدمات المقدمة للمؤسسات معدل أجر أضعف من معدل الأجر الصافي الإجمالي حيث تصل إلى 23.7 ألف دينار و25.4 ألف دينار أي أقل بـ 74% و80% على التوالي عن معدل الأجر الصافي الإجمالي.
وقد أكدت دراسة ميدانية حديثة أن متوسط الأجر الشهري للجزائريين لا يتجاوز 30 ألف دينار، فيما تصل مستويات النفقات في معدلها إلى 60 ألف دينار. وتبعا لهذا الوضع يرى النائب بالبرلمان الوطني سليمان سعداوي لـ "العربي الجديد" أن الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون بالجزائر "بالكاد يلبي الحاجيات الغذائية الأساسية للأسرة الجزائرية البسيطة المكونة من خمسة أفراد. إذ تقدر نفقاتها على الأغذية الأساسية فقط بـ18 ألف دينار إلى 22 الف دينار، هذا إذا ما استثنينا أثمان الكهرباء والغاز والإيجار ومعها الألبسة، داعيا إلى رفع هذا الحد الأدنى لتتمكن هذه الأسر من العيش حياة كريمة".
وفي الوقت نفسه يلفت سعداوي إلى ضرورة أن تكون الأجور في مستوى الخدمة أو العمل المقدم، والإقلاع عن ظاهرة تضخيم الأجور، تفاديا للتضخم خاصة مع سياسة التقشف التي شرعت الحكومة في اتباعها لمواجهة تدني أسعار النفط.