هناك تأكيدات على أن مادة الزئبق تستخدم في التعدين الأهلي في السودان من دون دراية كافية لدى مستخدميها من المعدّنين والتجار، إذ تباع في السوق من دون أيّ ضوابط. وعلى خط موازٍ، يشير أحد المسؤولين إلى أن مادة السيانيد تستورد بواسطة شركات التعدين وفق اجراءات مشددة في بلد التصدير وفي السودان، وتستخدم في استخلاص الذهب بطريقة علمية.
لم يلتفت أحد إلى صرخة بعض الخبراء عام 2013 عندما أكدوا أنّ معظم المعدّنين هم صغار السنّ، وأنهم يتعاملون مع الزئبق وكأنه ملح الطعام. وعلى الرغم من حملات التوعية التي أشرف هؤلاء عليها، لم يجدوا أذناً صاغية، فالحكومة تريد الذهب اليوم، وبأي طريقة، دونما التفات لما قد يحدث في الغد.
وها هي الصرخة الأكثر دوياً تصدر عن البرلمان السوداني، ويتناولها الإعلام المحلي بكثافة. فقد كشفت كتلة نواب الولاية الشمالية عن نفوق عدد من الحيوانات بالقرب من نهر النيل في مناطق حلفا ودنقلا والبرقيق. وعزت الكتلة الأمر إلى استخدام مادة السيانيد الشديدة السمية في عمليات تنقية الذهب في مناطق التعدين الأهلي. ويتم تعيين لجنة من الخبراء والفنيين لتولي التحقيق حول الموقف.
التداعيات البيئية على مستوى النبات والحيوان في محيط استخراج الذهب كثيرة، ولعل أشهرها ما حدث في موريتانيا عام2009، عندما استخدمت شركة تازياست التي تنقب على بعد 250 كم شرق العاصمة نواكشوط أكثر من 14 طناً من مادة السيانيد. لتعمد بعدها إلى رميها في الطبيعة بعد أن كانت مخزنة في العراء. ولاحقاً اعترفت الشركة بأخطار استخدام السيانيد على البيئة. وبحسب الخبير البيولوجي محمد سالم باركله فإنّ "تلك الكمية وطريقة التخلص منها، تبرّر القلق المتزايد حول تلوث البيئة المحاذية للمصفاة". يأتي ذلك خصوصاً بعد تسجيل نفوق للحيوانات من دون أي تبرير في نقاط المياه المحاذية للمنطقة.
يستخدم السيانيد في تنظيف وتلميع المعادن مثل الذهب والفضة، وفي صناعة المطاط الاصطناعي والصناعات الكيميائية المختلفة، وهو من أسرع السموم قتلاً وأشدّها فتكاً. وقد اشتهر بين العامة عن طريق أفلام الجاسوسية والاستخبارات التي تمجد هذا السم. إذ يسبّب السيانيد قصوراً هائلاً في إمداد الخلايا بالأوكسجين عن طريق الارتباط بجزيئات الحديد المؤيّن. وهناك أكثر من أربعين نظاماً إنزيمياً تتوقّف أنشطتها عند تسمّم جسم الإنسان بالسيانيد. فقد أشارت الدراسات الحديثة إلى أنّ استنشاق 200 إلى 500 جزء من هيدروجين السيانيد موجودة في مليون جزيء من الهواء لمدة 30 دقيقة، يؤدي إلى موت الإنسان.
*متخصص في شؤون البيئة
اقرأ أيضاً: عندما كانت الإدارة الأهلية تحكم في السودان