الريفيون يفكّون اختناق مدن السودان

29 يوليو 2017
الاختناق سمة الخرطوم (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

في أيام معدودة من كلّ عام تشهد العاصمة السودانية الخرطوم والمدن الكبرى حالة انفراج مروري، إذ تجد الشوارع والجسور والأسواق شبه خالية من السيارات والمارة. تشير ظاهرة "فك الاختناق" هذه إلى ارتباط سكان المدن بالأرياف. وهو الانتماء الذي لم تفلح سياسات التنمية غير المتوازنة في فصم عراه. فقد أُجبرت نسبة لا يستهان بها من أبناء الريف على النزوح إلى المدينة بحثاً عن سبل أخرى لكسب العيش بعيداً عن بيئاتهم الطاردة.

ازدادت، في الآونة الأخيرة، نسبة النازحين البيئيين، ونازحي الحروب الذين وجدوا في المدن مستقراً بالرغم من هشاشة وضع المدن، لكنهم ظلوا يغتنمون الفرص للعودة إلى جذورهم، وإن كان ذلك لأيام معدودة.

لا تتوفر في الدوائر الرسمية إحصاءات موثقة، إلا أنّ معاينة عابرة للمعابر البرية في الساعات الأخيرة السابقة للأعياد، وعطلة نهاية الأسبوع تؤكد مزاعم من يقولون بـ"ترييف المدن السودانية" ذلك أنّ الأرياف لم تعد قادرة على الإبقاء على الفئات المنتجة بعدما انحسر الإنتاج الزراعي والرعوي لأسباب بيئية وسياسية واجتماعية، ليشهد اقتصاد الريف تدنياً غير مسبوق في العقود الأخيرة.

من الأسباب البيئية ما يرتبط بتأثيرات تغيُّر المناخ من شح في هطول الأمطار، خصوصاً أنّ الاعتماد على الزراعة المطرية يفوق كثيراً الاعتماد على الزراعة المرويّة. وقد تقلصت المراعي والغابات نسبة للتوسع الزراعي الآلي في مناطق الزراعة المطرية. حتى المشاريع المرويّة التي كانت تستوعب نسبة كبيرة من المزارعين والعمال الزراعيين أصابها العطب بفضل السياسات الخرقاء، فقد توقف أكبر مشاريع القارة "مشروع الجزيرة" الذي كان يزود مصانع العالم الأول بأجود أنواع القطن، وحذت حذوه المشاريع الأخرى.

التحول الكبير في الخريطة السكانية يرجعه بعضهم إلى موجة الجفاف التي ضربت مناطق عديدة من السهول الأفريقية، ومن بينها مناطق الإنتاج الزراعي والرعوي في معظم أنحاء السودان. وازدادت رقعة الصحراء لتلتهم أقاليم كانت حتى آن قريب تصنّف ضمن إقليم السافانا، والإقليم المداري. الاتهام في هذا الجانب يتقاسمه الجفاف العام، والنشاطات البشرية غير المرشّدة في ظل غياب سياسات حماية كافية، وخطط تنموية مبنية على دراسات واقعية.

أما الأسباب السياسية فتتمثل في التدخلات المباشرة للسياسيين في الشأن التنموي من دون دراية كافية، إذ يبدأ تنفيذ المشاريع غير المدروسة بما يكفي، فيهدد الاقتصاد جراء القروض الضخمة، والناتج الصفري لهذه المشاريع. كذلك، تنشغل الدوائر السياسية بمعالجة آثار الصراعات على الموارد من دون الغوص في جذورها، الأمر الذي زاد من حدة هذه الصراعات، ليكون الناتج مزيداً من الاختناقات في المدن.

*متخصص في شؤون البيئة


المساهمون