الرياضة في الجزائر: كرة القدم فقط

28 يناير 2017
(شوارع باب الواد في الجزائر، الصورة: فرانس برس)
+ الخط -

تظهر أهمية قطاع الرياضة، في إمكانية أن يتحوّل إلى أحد أهم القطاعات المنتجة اقتصاديًا في الجزائر وأكثرها حيوية على الإطلاق، من حيث الفرق والنوادي الرياضية والهياكل والبنى التحتية المرتبطة بها، والإقبال الكبير على هذه المرافق رغم قلّتها.

عمليًا، تشهد الجزائر نقصًا فادحًا في الهياكل الرياضية، سواءً كانت قاعات رياضة، أو مركّبات أو ملاعب أو مسابح، عبر مختلف مناطق البلاد، إذا اعتمدنا معدّل وجود مركب رياضي ومسبح في كل مقاطعة إدارية، يصل تعداد سكانها إلى مائة ألف نسمة.

نقص في الاستثمار في القطاع الرياضي، ناتج عن محدودية استثمار الخواص في هذا المجال، وانحصاره في فتح بعض القاعات الخاصّة برياضة كمال الأجسام التي تستقطب الكثير من الشباب، أما غيرها من الهياكل فأغلبها حكومية تابعة لوزارة الشباب والرياضة، أو للبلديات كالمسابح التي يسيّرها رئيس البلدية.


مرافق رياضية نادرة
قدرة استيعاب هذه الهياكل المحدودة لا تتوافق مع عدد المقبلين عليها، وهو ما يجعلها تشهد ضغطًا كبيرًا، بالرغم من أسعارها التي يعتبرها الشباب غير معقولة. الشاب حسام (21 سنة)، يمارس رياضة كمال الأجسام منذ ثلاث سنوات في قاعة رياضة حكومية، يقول في حديث إلى "جيل"، أنه يدفع 20 دولارًا شهريًا، من أجل 12 حصة تدريبية، أي ثلاث مرّات في الأسبوع، وهذا "رغم أن القاعة قديمة جدًا، والأجهزة غير جيّدة إطلاقًا، وأحيانًا تمثل خطرًا على حياة الرياضي". ويعتبر حسام هذه الأسعار مبالغاً فيها كون معظم الشباب المقبلين على هذه الرياضة هم طلبة ولا يملكون مدخولًا ماليًا، علمًا أن الأجر القاعدي في البلاد لا يتجاوز (150 دولارًا) في الشهر، ويضيف حسام: "توجد بعض القاعات الخاصّة الجديدة، والتي تملك أجهزة حديثة ولكن أسعارها خيالية بالنسبة لشاب مثلي، ولا يمكن أن أدفع ما يقارب 50 دولارًا شهريًا".

من جهتها تقول السيّدة خولة، أم لثلاثة أطفال في حديث إلى "جيل"، أنها تدفع حوالى 20 بالمائة من راتب زوجها كمستحقات تسجيل أطفالها في قاعات للرياضة. وهو الأمر الذي تعتبره مكلفًا جدًا، موضّحة: "لا يمكنني دفع هذا المبلغ شهريًا، لهذا فأنا أسجّلهم فقط خلال الصيف، أي شهرين في السنة لممارسة السباحة والفنون القتالية، بمعدّل مرّتين في الأسبوع لكل رياضة".

وتعتبر المتحدّثة، أن تكلفة ما تدفعه تقدّر بحوالى 50 دولارًا شهريًا، رغم أن القاعات حكومية وليست تابعة للقطاع الخاص، ولا تتوفّر على أدنى التجهيزات الضرورية كغرف تبديل الملابس.

تختلف هذه الأسعار من منطقة لأخرى، حيث لا يوجد سعر محّدد للاشتراك في المسابح البلدية أو المركّبات الرياضية والملاعب والنوادي والفرق الرياضية، حيث يكون السعر رمزيًا في بعض المناطق، ولا يتعدى قيمة 30 دولارًا كاشتراك سنوي، إلا أن المسجّلين هنا والذين غالبًا ما نجدهم من فئة الأطفال والشباب بنسبة أقل، لا يستفيدون إلا من ساعة ونصف أسبوعيًا، وهذا راجع إلى الإقبال الكبير ونقص المرافق الرياضية.

رابح أولاك، رئيس جمعية "العصر" الرياضية، يتحدّث إلى "جيل"، عن واقع الهياكل الرياضية في الجزائر التي تُعتبر شبه منعدمة، موضحًا: "نحن نؤطر 440 طفلًا فقط من مجموع ألف طفل بسبب غياب المرافق". في إشارة منه إلى مدينة رغاية بالعاصمة، يقول المتحدّث إن أكثر من 200 ألف نسمة في هذه المدينة، لا يستفيدون إلا من ميدان واحد لكرة القدم، تم تشييده منذ السبعينات، إضافة إلى مسبح وبعض القاعات التي لا تتوفّر على أدنى شروط السلامة. وعن أسباب عزوف الخواص عن الاستثمار في القطاع، يوضّح رابح: "غالبية الشعب الجزائري من أصحاب الدخل المحدود والمتوسّط، وهم لا يستطيعون دفع مبالغ مالية كبيرة لأجل الرياضة، وبالتالي لا يعتبر الخواص هذا القطاع مربحًا، خصوصًا أنهم يبحثون عن الربح السريع".


الرياضة ليست للجميع
مدرّبون ورياضيون يتحدّثون إلى "جيل"، عن مبدأ "الرياضة للجميع"، من خلال إنشاء الهياكل القاعدية وتجهيزها لأجل ممارسة مختلف أنواع الرياضة بأسعار رمزية، تكون في متناول جميع طبقات المجتمع، بشكل يساعد على انخراطهم في النوادي واكتشاف مواهبهم والاستثمار في قدراتهم من أجل الاستفادة من تمثيل الجزائر في البطولات العالمية.

إلا أن هذا الأمر حسبهم، يتطلب تطبيق إستراتيجية شاملة وفعالة، تتمثّل في دعم الموارد البشرية ماديًا من قبل الدولة، وتحقيق ظروف ملائمة للاستثمار في قدرات أبنائها، تحت إشراف المهنيين والرياضيين القدامى الذين يحملون مشروعًا هادفًا ولا يتطلعون إلى الربح المادي السريع، وإنّما إلى الفوز بالبطولات العالمية.

هنا، يعترف محمد مادي مدرب نادي "الشباب الرياضي" للفنون القتالية، أنه يدرّب 320 طفلًا بمعدل ساعة ونصف يوميًا، حيث يتكفّل بمصاريف إيجار قاعة الرياضة وتسجيل الأطفال مجانيًا، كونه يؤمن بقدراتهم على حدّ تعبيره.

وعن غياب الدعم يقول محمد: "رغم الظروف المادية والإمكانيات المحدودة، أظهر الأطفال براعة كبيرة، وتمكّنت من ترشيح 10 أطفال للمشاركة في البطولة الإفريقية التي ستنظم في المغرب، ومع أن الدولة خصّصت ميزانية لهذه البطولة فقد تلقيت طلبًا من المسؤولين في آخر لحظة يقضي بضرورة اختيار خمسة متسابقين فقط بسبب محدودية الميزانية، وتخفيض تكاليف السفر، إنهم لا يعلمون أن الذي سيستبعدونه يمكن أن يتحصّل على الميدالية الذهبية".

لأن أصحاب المال لا يعيرون هذا المجال أهمية ولا يستثمرون فيه، فإن الأولى بالمهنيين الاستثمار فيه، لأنهم يملكون أفكارًا لتطويره ويحملون مشاريع رياضية، لكن غياب الإمكانيات والدعم يقف عائقًا أمامه، كما تقول رئيسة جمعية "أمل الرياضي"، ليلى حاميداني التي تُشرف على تدريب العديد من الأطفال، تقول في حديثها إلى "جيل": "الأطفال هنا يملكون قدرات عالية جدًا في أنواع متعدّدة من الرياضات، ولكن كلهم من أبناء الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، ولهذا لم يتمكّنوا من الذهاب بعيدًا في بطولات عالمية".

وتضيف المتحدّثة، أنها حاولت في العديد من اللقاءات مع مسؤولي البلدية بالجزائر العاصمة، إقناعهم بضرورة التكفل بالأطفال وتمكينهم من تحقيق مداخيل حقيقية من خلال فوزهم بالميداليات، إلا أنها لمست غيابًا تامًا لأي إرادة منهم. وتستطرد قائلة: "القدرات البشرية هائلة جدًا، ولدينا مختصّون ومدرّبون وأطفالٌ موهوبون في أحدث أنواع الرياضات القتالية خاصّة، ولكن غياب الميزانية أعاق الاستثمار".هنا، يعلّق نسيم، مدرّب أطفال في رياضة الملاكمة: "أدفع من جيبي تكاليف السفر والفندق بمساعدة بعض أولياء الأطفال من أجل المشاركة في بطولة وطنية أو عربية، لكن الغريب أن الدولة التي لا تدفع لهذه النوادي، تدفع بسخاء للفرق الكروية رغم أنها لا تحقق لها مداخيل".


أندية تستنزف الخزينة
على خلاف جميع الرياضات السابقة، تحظى كرة القدم، بدعم كبير من الدولة التي تصرف مبالغ طائلة على الفرق الرياضية التي تملك شعبية واسعة، ولعل الغريب في الأمر أن هذا التمويل يمس فرقًا محترفة يفترض أن تحقق مداخيلَ لخزينة الدولة وليس العكس.

هنا، يقول الباحث المتخصّص في الرياضة من جامعة البويرة، شريفي مسعود في حديثه إلى "جيل"، أن الفرق الجزائرية لكرة القدم دخلت منذ سنة 2003 قانونيًا مرحلة الاحتراف، وهي بذلك تعتبر مؤسّسات لديها رؤوس أموال تحقق مداخيلَ لها، ولكن عمليًا لم يتحقّق ذلك، ومازالت الدولة تصرف عليها دون أن تستفيد منها إطلاقًا. وبحسب المتحدّث، فإن مساهمة الرياضة في الدخل الوطني وميزانية الدولة لا تكون عن طريق مداخيل قاعات الرياضة والمركّبات الجوارية لأنها جدّ محدودة، وإنّما عن طريق الضرائب التي يفترض أن تُدفع خلال تحويل اللاعبين بين الفرق بقيمة آلاف الدولارات.

ويردف مسعود، أن أجور اللاعبين تصل في الفرق الجزائرية المحترفة درجة أولى والبالغ عددها 16 فريقًا، إلى أكثر من 25 ألف دولار شهريًا، بينما تتجاوز أجور المدرّبين 40 ألف دولارًا شهريًا. وهو ما يُفترض أن تستفيد منه الدولة، (من الضرائب التي يدفعها هؤلاء)، غير أن القطاع يعرف الكثير من الفساد المالي والتلاعب بالميزانيات وغياب تام للشفافية والتصريح الكاذب بالأجور والتهرّب الضريبي، مضيفًا: "يفترض متابعة هذه الفرق والتحقيق في كيفية صرف هذه المبالغ ودفع الضرائب، والتصريح ببيع اللاعبين، بدل تمويلها أكثر وبطريقة مباشرة من خزينة الدولة".

ويضيف الباحث، أن الفرق المحترفة هي تلك التي تكون قادرة على تمويل نفسها بنفسها، وبناءَ ملاعب لها، والتوجّه لاستثمار رؤوس أموالها في مجال الفندقة والسياحة، وبالتالي فتح مناصب عمل وتحقيق مداخيل جديدة للدولة عن طريق الإشهار في الملاعب، وكذلك اشتراكات المشجعين ودخول المتفرّجين للملاعب، وهو مفهوم الاحتراف الغائب كليًا في الفرق الجزائرية. ويقول شريفي: "لا يوجد أي فريق جزائري قادر على تمويل نفسه أبدًا، أو بناء ملعب له، أو استثمار خاصّ به، وحتى دخول المتفرّجين إلى الملاعب يكون بسعر رمزي، لأن الفرق ليست ذات مستوى عال، وبالتالي يكون الحضور من أجل الدعم المعنوي فقط".

انطلاقًا من هذا الوضع، فالمداخيل التي تحقّقها الدولة في قطاع الرياضة تنحصر في نسبة من عائدات الدخول للملاعب، حيث تحصل الملاعب البلدية على نسبة 70 في المائة من المداخيل و30 في المائة للرابطة، بحسب الرابطة الجزائرية لكرّة القدم. وهذا بالإضافة إلى الاشتراكات التي يدفعها الشباب عادة في المسابح والمركّبات والملاعب الجوارية، التي لا تمثل شيئا في الدخل الوطني. ويجري الحديث اليوم عن إجراءات من أجل الحدّ من التلاعب والفساد المالي في كرّة القدم، من خلال إلزام الفديرالية الجزائرية لكرة القدم، الفرق بالتصريح بأجور اللاعبين، والتزامهم بالتأمين الاجتماعي ودفع الضرائب، بشكلٍ يسمح للدولة الاستفادة من هذا القطاع.

المساهمون