يبدو أن الرواية العُمانية مهجوسة بالمسكوت عنه ضمن اشتغالاتها المتعدّدة، وتأتي ندوة "واقع الرواية العُمانية: الفني والاجتماعي والتاريخي"، التي عقدت قبل أيام في "الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء"، ضمن فعاليات "مهرجان مسقط" في سياق تأطير مدونة نقدية حولها.
تضمّنت الندوة التي أدارتها الكاتبة منى حبراس السليمي محاور عدّة، هي: الواقع الفني للرواية العمانية من خلال الشخصيات والرؤية وتكييف الأحداث، ومدى تمثّل الروائي العُماني للواقع الاجتماعي ومشاكله، وكذلك الواقع التاريخي الذي يعدّ ثيمة بارزة لهذه الرواية مع اختلاف طرق توظيف التاريخ وتفاوت هذه الأعمال فنياً.
الورقة الأولى قدمها الأكاديمي العُماني خالد البلوشي، بعنوان "الرواية العمانية، خطاباً ثقافياً عبر شخوصه"، رأى فيها أن "الرواية العمانيّة ليست إبداعاً وفنًاً فحسب وإنّما هي فعل حواري وممارسة ثقافية، فهي بتبنّيها وإحيائها اليومي والعادي، تكشف لنا أنّ ثمّة أصواتاً كُمّمت وأفواهاً أُلجمت، كأنها تاريخ من لا تاريخ رسمياً له".
وأضاف أن "الرواية بهذه المغامرة الجديدة مقارنة بأدبيات المرحلة السابقة، فإنها "تجعل الواحد متعدّداً والمطلق نسبياً، إلا أن هذا الفعل الحضاريّ، هذه الممارسة، ليست قوّة متماسكة ثابتة الاتجاه والدرجة، وإنّما تجد فيها أحياناً ما يعزّز ما تريد مقاومته".
أتت الورقة الثانية التي قدمها الأكاديمي هلال الحجري بعنوان: "القَبْضُ على الجَمْر: سَرْدُ التاريخِ السياسي في روايات الراحل علي المعمري (1958 - 2013)"، حيث يرى أن هذا الروائي استطاع أن يسبر التاريخ من خلال روايتي "همس الجسور" (2007) و"بن سولع" (2011) تحديداً، إذ "يكشف عن دراية بأسرار التاريخ السياسي لعُمان والجزيرة العربية في مرحلة مَسْكوتٍ عنها غالباً، مع إمساك بخيوط السرد في نسيج أدبي متماسك، لُحمته التاريخُ وسَدَاه الفنُّ".
في حين تناول الناقد والأكاديمي التونسي محمد زرّوق، في الورقة الأخيرة، "نماذج من الروايات العُمانية التي صدرت في السنوات العشر الأخيرة، وهي "الذي لا يحب جمال عبد الناصر" لـ سليمان المعمري، و"حوض الشهوات" لـ محمد اليحيائي، و"نارنجة" لـ جوخة الحارثي، و"سندرلات مسقط" لـ هدى حمد، و"ذاكرة الكورفيدا" لـ الخطاب المزروعي، و"الباغ" لـ بشرى خلفان.
اهتم زرّوق ببيان "خصائص التحديث في هذه النماذج ودراسة بنائها من حيث توزيع الأدوار الروائيّة، ومستوى بناء الأحداث، وتصريف الرؤية، وتباينها وتفارقها في تبئير الواقع بما فيه، ومستوى توظيف التاريخ لبعث الحكاية".
ورأى أن هذه الأعمال على تباين موضوعاتها وافتراقها، إلاّ أنها تجتمع في سعيها إلى تحديث طرق الحكاية وطرق عرضها، والمتمثلة في طريق التفتيت، والتشظّي وطريق التناوب في الحكاية وطريق الاسترسال، مع فارق بين مستويين في الحكاية، مستوى تبئير الواقع بما فيه ومستوى توظيف التاريخ لبعث الحكاية.