الرمثا الأردنية.. "شهيد رمضان" يغيّر وجه المدينة

30 يونيو 2015
تشييع الحوراني في الرمثا (الأناضول)
+ الخط -
"قد لا يكون آخر قتيل، لكنه بالتأكيد هو الأول"، هكذا يبدأ أهالي مدينة الرمثا الأردنية (80 كيلومتراً شمال العاصمة عمّان) حديثهم بعد مقتل الشاب العشريني الأردني عبد المنعم الحوراني، بقذيفة طائشة جرّاء الاشتباكات في مدينة درعا السورية، خلال معركة "عاصفة الجنوب" التي أطلقتها المعارضة بهدف فرض سيطرتها على المدينة، الأسبوع الماضي.

للمرة الأولى يجد سكان الرمثا الحدودية مع سورية، أنفسهم أمام صادرات الموت الآتية من درعا، المدينة التي طالما صدّرت لهم خلال سنوات طويلة مضت، المواد الغذائية والمواشي والملابس وغيرها من المنتجات العالية الجودة والقليلة الثمن، جاعلة من أهل المدينة تجاراً، ومن مدينتهم مقصداً للأردنيين الطامحين لشراء البضائع السورية، من دون تكلّف مشقّة السفر. غير أن تلك الأيام مضت، واليوم وبعد انقطاع البضائع السورية عن الأردن منذ نحو عام ونصف العام، بالكاد يجد سكان المدينة ما يكفي حاجتهم، لا بل يواجهون أزمة اقتصادية تصل حدّ اعتبار مدينتهم "منكوبة"، بفعل الأوضاع في سورية.

وبعد تشييع الحوراني، "شهيد رمضان"، يوم الجمعة، تغيّر الوضع في الرمثا. أهالي المدينة يوجهون الشتائم لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، حتى قبل أن يكشف التحقيق الذي أعلنت بلادهم عن إجرائه لمعرفة الجهة المسؤولة عن إطلاق القذيفة، وسط اعتقادهم بأن "التحقيق لن يصل إلى نتيجة".

يعتقد من يزور الرمثا للوهلة الأولى، أنها جزءٌ من الجمهورية السورية، بفعل المحال التجارية التي تغلب عليها الأسماء السورية، قبل أن يلاحظ انتشار مئات الصور المعلقة للملك عبد الله الثاني، تعبيراً عن الولاء للنظام الملكي. وفي المدينة العديد من المواطنين، خصوصاً التجار، من يعتقدون أن "الأسد سيتمكن في النهاية من سحق الثورة" المطالبة بإسقاط نظامه والتي تدخل عامها الخامس. لا بل إن بعضهم يتمنى ذلك صراحة، على غرار محمد الصويتي الذي يمتلك محلاً لبيع اللحوم.

اقرأ أيضاً: الصادرات الأردنية للعراق تفلت من جباية "داعش"

يقول الصويتي "الثورة دمّرتنا ودمّرت السوريين، كانوا قاعدين في بلادهم مش ناقص عليهم أشي، وكنا مستفيدين، وهسى (الآن) أحنا مش قادرين نبيع ولا نشتري، وهمه قاعدين عندنا وبينافسونا على الشغل"، مشيراً إلى محله الذي لا يوجد فيه سوى كميات قليلة من اللحوم البلدية.

ويتابع الصويتي "هذا المحل كان يكون مليان لحم، كلها ذبائح سورية نستوردها ونبيعها بسعر قليل. إحنا نستفيد والناس تستفيد، ومن أكثر من سنة ونص ما في لحم سوري، أحنا مش عارفين نشتغل والناس ما بتقدر تشتري لحم بلدي، لأنه سعره غالي". ويعتقد الصويتي أن نهايته ستكون إغلاق محله كما فعل العديد من أصحاب المحال التي كانت تبيع البضائع السورية.

أبو معاذ الحمصي، السوري اللاجئ في الرمثا، شارك في التشييع الحاشد للشاب الحوراني، وهو التشييع الذي استلهم هتافات تشييع شهداء الثورة السورية، فهتف المشاركون فيه "يالله ما إلنا غيرك يا الله". كما علت خلاله بعض الهتافات المتوعدة بالانتقام من نظام الأسد. ويعتقد الحمصي أن "ما لحق بالمدينة من سقوط قذائف واستشهاد الشاب الحوراني، كفيل بتغيّر وجهة نظر أهالي الرمثا وعموم الشعب الأردني من المؤيدين لنظام الأسد". ويضيف "لهيك أحنا هربنا، هربنا من الصواريخ والبراميل اللي بتقتلنا وبتقتل أطفالنا".

التشييع حمل رسالة سياسية من المواطنين موجهة إلى حكومة بلادهم، يطالبون فيها بـ"العمل على وقف سقوط القذائف السورية على مدينتهم بشكل مستمر منذ اندلاع الثورة"، ويعتقدون أن "مطالبتهم أصبحت ملّحة بعد أن أدت لمقتل الحوراني"، كما رفعوا لافتة ترفض استمرار التهميش الرسمي لمدينتهم.

ويُبدي المواطن خالد الزعبي، تخوّفه من المرحلة الآتية، ويقول "قُتل الحوراني، والله أعلم على مين الدور في المرة الجاي". وأبدى اعتقاده، كما العديد من سكان الرمثا، بأن "مدينتهم أصبحت ساحة للمعركة بين السوريين، وأن حكومة بلادهم لا تتحمل مسؤولياتها تجاه المدينة".

وحول مواقف المؤيدين لنظام الأسد، يقول الزعبي "في البداية أعتقد الجميع أن الثورة ستنتهي بسرعة، التجار كانوا يتمنون أن يسيطر الأسد على الأوضاع بأسرع وقت حتى لا تتضرر تجارتهم، أما اليوم فلا يهمنا أن يبقى أو يرحل، ما يهمنا أن تستقر الأمور ويعود تبادلنا التجاري مع سورية كما كان، وألا تهددنا القذائف".

لا يخفي الرجل غضبه وغضب سكان المدينة من حكومة بلادهم، لافتاُ إلى أن "الحكومة عمرها ما اهتمت بالرمثا، طول عمرنا عايشين على التجارة مع سورية، والحكومة كانت تاركانا ومغمضه عينتها عن التهريب والمهربين، وما عملت مشاريع لتنمية المدينة، والآن بعد ما راحت سورية كمان ما تحركت لإغاثة المدينة". وختم "أحنا مواطنين أردنيين والحكومة مسؤولة عنا ولازم تتحرك قبل ما صبرنا ينفذ، فكل سكان الرمثا مسلحين".

اقرأ أيضاً: الأردن يتعهد بمساعدة أهالي السويداء إنسانياً