الرقة تحاول العودة بسواعد أبنائها

12 ابريل 2018
أحياء منكوبة (العربي الجديد)
+ الخط -
تعود الحياة إلى مدينة الرقة ببطء، بعد تحريرها من سيطرة تنظيم "داعش". المهمة الأولى إزالة الركام وإعادة الإعمار

مشاهد الدمار والموت والمرض والفوضى في مدينة الرقة، شمال شرق سورية، كثيرة. فالسكان الذين بقوا فيها أو عادوا إليها يحاولون النهوض مجدداً بمدينتهم بالرغم من صعوبة المهمة الملقاة على عاتقهم، والموارد الضعيفة في مختلف المجالات. ولعلّ إعادة الإعمار الخجولة دليل على ذلك.

بالقرب من السور القديم في المدينة، يشكو محمد من مرض أصابه جراء عضة قط. راجع الأطباء بغير نتيجة كبيرة، بل أنفق كثيراً من المال عبثاً. يقول محمد: "قدمت للقط علبة مرتديلا ليأكل، فهجم على رجلي وعضها، لتصيبني عوارض في جسمي منها تساقط الشعر في رأسي وحاجبي ولحيتي". يضيف: "كذلك، انخفض وزني ولم تعد لديّ شهية للأكل وفقدت الرغبة الجنسية. البعض يقول لي إنّ جرثومة لحقت بي جراء عضة القط، لأنّه كان يأكل الجثث".

مشهد آخر على الرصيف في شارع تل أبيض. هناك ينفث أبو دحام دخان سيجارته بحسرة تبدو جلية على ملامحه متأملاً أطلال مدينته المدمرة. يتكئ على ذراعه، ومعه رفيقه مطر ينتظران بدء العمل، إذ يتوليان نقل الركام من مواقع الدمار التي كانت يوماً ما بيوتاً قبل الحرب، مقابل مبلغ مالي زهيد.




في حي البدو، عاد أبو شام إلى منزله ليكتشف أنّ جحيم الحرب طاوله بما فيه من ذكريات. يتأمل الرجل الخراب الهائل ولا يعرف كيف سيؤمن المال لإصلاح ما تبقى من البيت. يقول إنّ المنظمات والمجتمع الدولي لم يمدوا لهم يد العون أبداً، ويضيف مقولة يكررها أهل الرقة في الفترة الأخيرة: "الرقة لا يعمّرها إلا أهلها". عندما دخل أبو شام إلى بقايا المنزل وجد قبراً دفنت فيه جثة مجهولة الهوية أثناء الحرب، وممرات فتحها عناصر تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في الجدران، كما في جدران بيوت أخرى، لتسهيل عبورهم بين أحياء المدينة.



أكثر من 100 ألف نسمة عادوا إلى مدينة الرقة، وعادت الحياة إليها خصوصاً في الأحياء التي تقع على أطراف المدينة مثل أحياء: المشلب، وهشام بن عبد الملك، والرميلة، وسيف الدولة، ونزلة شحاذة الدرعية، والجزرة. نشاط أهلي هائل في المدينة يتبين في الهدم وإزالة الركام من البيوت والأبنية والمحلات التجارية، فيما يتسابق البعض على إصلاح محلاتهم في الشوارع الرئيسية مثل شارع تل أبيض وشارع المنصور و23 شباط، وإعادة فتحها. وفي هذا الإطار، كثرت محلات تجهيزات البناء والإنشاءات الكهربائية وتلك المتعلقة بالصرف الصحي، كما كثرت المطاعم والأفران ومحلات المواد الغذائية.

في المقابل، تبدو أحياء وسط وشمال المدينة كمدينة أشباح. هناك بيوت مدمرة، وهدوء مخيف خصوصاً في الليل. كثير من السكان ماتوا هناك، بينما نزح آخرون. كانت لـ"العربي الجديد" جولة في تلك المنطقة المدمرة حيث الرائحة كريهة، منها ما يرتبط بحرائق، ومنها بجثث ما زالت تحت الأنقاض. حدائق المدينة بات قسم منها مقابر بالإضافة إلى أماكن عامة أخرى مثل ملعب كرة القدم خلف المحكمة، حيث دفنت عشرات الجثث. لم يكن الأهالي قادرين على الوصول إلى المقابر في شهور الحرب، فدفنوا موتاهم على عجل أينما تيسر لهم خشية القصف.



الركام والسيارات المحروقة علامة حارة البياطرة. الرائحة النتنة تفوح من المكان الذي لم يعد إليه غير عائلات قليلة. حيّ الثكنة المعروف والراقي (سابقاً) لم يتجاوز العائدون إليه مائة عائلة من أصل ثمانمائة بحسب تقدير محمد الذي يشغّل مولداً كهربائياً يخدم الحيّ من خلال اشتراكات شهرية. بدأ بعشرين بيتاً، وباتت الآن نحو مائة. عن دمار الحي، يقول إنّ هناك 13 بناء مدمراً بالكامل بالإضافة إلى كثير من الأبنية المتضررة بفعل الصواريخ وقذائف الهاون.



الخدمات الرئيسية كالمياه والكهرباء والاتصالات غير متوافرة. يشتري الأهالي المياه من صهاريج جوالة، بالإضافة إلى توفير مجلس الرقة المدني المياه في بعض الأحياء مجاناً. يعتمد الأهالي على محطات الاشتراك الكهربائي على نفقتهم، وعلى الإنترنت الفضائي للاتصالات.
السواتر الترابية التي وضعها تنظيم "داعش" ما زال معظمها قائماً حتى الآن، خصوصاً في أحياء السكة وشارع القطار. المساجد لم تسلم بدورها من الدمار الكامل والجزئي، ويعتمد الأهالي على أنفسهم في ترميمها.

صيف الرقة يبدو مضاعف القسوة هذه السنة بغباره وتعبه المتوقع. بعض الأهالي ينتظرون انتهاء السنة الدراسية في الأماكن التي نزحوا إليها كي تتسنى لهم العودة إلى مدينتهم المنكوبة. عندها، سيحاولون ترميم وإعادة بناء ما تهدّم، لكنّهم يتساءلون عن جدوى ذلك إذا ما كانت هناك حروب أخرى مقبلة.