يبدو أن التقدم المزدوج والمتزامن باتجاه الرقة، من قبل كل من المليشيات الكردية المسلحة، المدعومة أميركياً، من جهة، والمليشيات الحليفة مباشرةً للنظام السورية، بقيادة ميدانية روسية من جهة ثانية، يترجم تنسيقاً روسياً ــ أميركياً غير مسبوق في الميدان السوري. تنسيق لا يمنع وجود سباق بين الطرفين مع ما يحمله ذلك من تنافس عملياً، على اعتبار أن المغانم السياسية والاستراتيجية لـ"تحرير الرقة"، قد تكون محلّ تنازع لاحق بين الجهتين.
وتتطوّر معركة الرقة السورية يوماً بعد آخر، بعد إعلان مصادر إعلامية عن تقدم لقوات النظام السوري على أطراف الحدود الإدارية الجنوبية الغربية لمحافظة الرقة في شرق البلاد، إثر قصف مركز من الطيران الروسي، يوم الجمعة، على مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ريفي حماة الشرقي والجنوبي الشرقي.
وتتطوّر معركة الرقة السورية يوماً بعد آخر، بعد إعلان مصادر إعلامية عن تقدم لقوات النظام السوري على أطراف الحدود الإدارية الجنوبية الغربية لمحافظة الرقة في شرق البلاد، إثر قصف مركز من الطيران الروسي، يوم الجمعة، على مواقع لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في ريفي حماة الشرقي والجنوبي الشرقي.
وتفيد مصادر محلية في ريف حماة الشرقي، لـ "العربي الجديد"، بأن "قوات النظام بدأت منذ ثلاثة أيام بالحشد، واستقدمت تعزيزات من منطقة الساحل السوري إلى نقطة قريبة من منطقة أثريا، شرق حماة، على الطريق الذي يربط بين مدينة سلمية والرقة". وأشارت إلى "وجود خبراء روس مع مليشيات عدة، منها صقور الصحراء، ومغاوير البحر، إضافة إلى عدد من مليشيا عشيرة الشعيطات الموالية للنظام".
وتزامن تحرّك قوات النظام مع المعركة التي بدأتها "قوات سورية الديمقراطية" منذ أيام لاستعادة مدينة منبج (شرق حلب بنحو 80 كيلومتراً) من "داعش"، ما يشير إلى وجود تنسيق و"نيّة" روسية أميركية للتضييق على التنظيم في شرق سورية، في مسعى لاستعادة ما سيطر عليه من الجغرافيا.
من جهتهم، يرى محللون أن ما نشرته وسائل إعلام نقلاً عن المرصد السوري لحقوق الإنسان، عن تحرّك قوات النظام باتجاه الرقة "مبالغ فيه، خصوصاً أن مصادر محلية موثوقة لم تؤكده، ولا تزال هذه القوات بعيدة عن مدينة الرقة، ولا تملك في الوقت الراهن القدرة على التقدم في منطقة مكشوفة، كونها تصبح أهدافاً سهلة لمسلّحي داعش المنتشرين بكثرة فيها".
ويرى مراقبون للمشهد السوري أن "نظام بشار الأسد لم يُخرج الرقة من حساباته طيلة السنوات الماضية، ويسعى لاستعادتها من داعش لاستعادة هيبته، كونها أول محافظة سورية خرجت عن سيطرته، بعد أن طُرد منها في بدايات عام 2013 من قبل فصائل المعارضة، في مشهد لا يزال عالقاً في الذاكرة، إذ تمّ إسقاط تمثال كان منصوباً في المدينة للرئيس الراحل حافظ الأسد. ويعتبر سوريون يوم الرابع من مارس/ آذار 2013 فاصلاً بين مرحلتين، لا في الرقة فحسب، بل في سورية كلها".
للرقة التي تقع شرقي العاصمة دمشق بنحو 500 كيلومتر أهمية استراتيجية، فهي من أهم المحافظات السورية اقتصادياً، ومن المحافظات الزراعية الهامة، فضلاً عن غناها بالبترول. وتحتضن المحافظة أهم السدود المائية السورية، المشيّدة على نهر الفرات، الذي يشطرها من الوسط، وهما سد الفرات في مدينة الطبقة (60 كيلومتراً غرب الرقة)، الذي يقع خلفه بحيرة بطول 80 كيلومتراً وعرض 8 كيلومترات. كما تحتضن سد البعث، وكلا السدين بنيا بخبرة روسية، ومن بحيرتهما تتفرّع قنوات صرف مائي تروي مساحات زراعية هائلة، تنتج محاصيل استراتيجية (القمح والقطن) كان يعتمد عليها الاقتصاد السوري إلى حد بعيد.
في بدايات عام 2014 فرض "داعش" سيطرة مطلقة على مدينة الرقة وريفها، إثر طرده فصائل المعارضة منها، لتتحول المحافظة عموماً ومدينة الرقة خصوصاً، إلى معقل رئيسي من معاقله في سورية. ما جرّ عليها النكبات المتلاحقة، وباتت هدفاً لطيران النظام، ثم طيران التحالف الدولي، وصولاً إلى أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، حين بدأ الطيران الروسي هو الآخر حملات قصف على المدينة وريفها، ما أدى إلى مقتل واصابة آلاف المدنيين، وتهجير عدد كبير من سكانها، وتدمير أغلب مراكز المحافظة الحيوية.
ويعتقد مراقبون أن هناك سباقاً بين الروس الذين يدعمون قوات النظام ومليشيات، وبين الأميركيين الذين يدعمون "قوات سورية الديمقراطية" للوصول إلى الرقة أولاً، كونها تُشكّل أهمية كبرى لكلا الطرفين، الساعين إلى توطيد وجودهما داخل الجغرافيا السورية لفترات طويلة، كونها تقع في منطقة تتحكم بشبكة طرق تربط بين مختلف المحافظات السورية، خصوصاً الشرقية والشمالية منها.
غير أن المحلل العسكري مصطفى بكور (عقيد منشق عن جيش النظام) لا يعتقد بوجود تنافس روسي أميركي على الرقة، معتبراً في حديث مع "العربي الجديد"، أن "رأس حربة القوات التي تهاجم الرقة من الشمال هي الفصائل الكردية في إطار قوات سورية الديمقراطية، وهي مدعومة من روسيا والولايات المتحدة معاً".
ويُقلّل بكور من أهمية تحرك قوات النظام على طريق خناصر ـ أثريا ـ الطبقة، مشيراً إلى أن "هذا التحرك لن يكون له تأثير كبير على مسرح العمليات باتجاه الرقة، إلا إذا وصلت قوات النظام إلى الطبقة وسيطرت على سد الفرات فسيكون موقفها أقوى باتجاه حلب والرقة".
كما يعرب بكور عن اعتقاده بأن "النظام معني باستعادة حقول الغاز الواقعة جنوب غرب الرقة، وهو غير مهتم باستعادة المدينة في الوقت الراهن"، مضيفاً "لكن، ومن خلال تجربة معارك حقل جزل النفطي في ريف حمص الشرقي خلال هذا العام، نستنتج بأن قوات النظام غير قادرة على الصمود والثبات في أي نقطة قتال، ما لم يتم تعزيزها بالمليشيات".
وتؤكد مجريات الأحداث العسكرية في سورية أن معركة استعادة الرقة سواء من جهة قوات النظام والمليشيات، أو من جهة "قوات سورية الديمقراطية" لن تكون بالسهولة التي يتوقعها، أو يتمناها البعض، وهذا ما يؤكده بكور، الذي يرى بأن "معركة الرقة ربما تمتد لأشهر من أجل استنزاف قوات داعش".
من جهته، يرى العقيد مالك الكردي (منشق عن قوات النظام) أن "هناك سباقاً واضحاً بين الروس والأميركيين للوصول أولاً إلى مدينة الرقة، وكل طرف يستخدم أدواته على الارض من أجل هذه الغاية"، مضيفا في حديث مع "العربي الجديد"، أن "كل الأطراف في سورية تحاول تعزيز مواقعها، وتحقيق مكاسب على الارض قبيل التوقيع على أي حل سياسي".
كما يشير الكردي إلى أن "حظوظ قوات النظام أقوى للوصول إلى الرقة كونها تتمتع بخبرة قتالية أكبر، وتملك غطاء جوياً أقوى"، مرجّحاً "حدوث هجوم مزدوج من قبلها ومن قبل قوات سورية الديمقراطية". ويوضح بأن "قوات النظام قد تلجأ إلى مهاجمة مدينة الرقة قبل السيطرة على مدينة الطبقة"، لافتاً إلى أن "قوة داعش مشتتة الآن، كونه يخوض معارك في ريف حلب الشرقي. ولولا ذلك لم يكن بمقدور قوات النظام التفكير بالتقدم باتجاه الشرق". ويعرب عن اعتقاده بأن "المعركة الكبرى ستكون على تخوم مدينة الرقة في حال استطاعت قوات النظام الوصول إليها".