مع انتشار السلاح بين أيدي المواطنين بشكل عشوائي، ومع إطلاق النار عشوائياً أيضاً في أحداث مختلفة أو كلما خطب زعيم، لا بدّ من قراءة قانونيّة حول الموضوع لا سيّما حول حقوق المتضرّرين.
يقول الكاتب الإيطالي دي إميسيس إن "تقييم التربية السليمة يتم بشكل أساسي في الشارع"، لذلك فإن حكومات الدول المتحضّرة لا بدّ أن تجهد لوضع وتطبيق مناهج تنشئة وتعليم وطنية، تقوم على احترام الفرد للقانون ولحقوق الغير الأساسية في مقابل احترام المجتمع لحق الفرد بالعيش بكرامة وسلامة واطمئنان.
لا يخفى على أحد أن موجب كل فرد باحترام الغير يبقى من دون قيمة، إذا لم يُقرَن بتشريع يقول بعقوبة جزائية عند توفّر أركان المسؤولية الجرمية من جهة، ويسمح من جهة أخرى للمتضرر أن يطالب بالتعويض سواء أكان الفعل المسبب للضرر مقصوداً أو ناجماً عن إهمال أو تقصير أو طيش.
ولا شك في أن طيش من يحمل السلاح ويطلق ناره مبتهجاً أو مستنكراً، يقع في دائرة تطبيق النص القانوني، فتتعدد أوجه مسؤوليته ويترتب عليها أحياناً مسؤولية أشخاص آخرين طبيعيين أو معنويين.
في البداية، لا بد من الإشارة إلى أن حمل السلاح يوجب الحصول على ترخيص مسبق، مرفق بتأمين إلزامي عن الضرر الذي قد يسببه هذا السلاح للغير. ومخالفة هذا الأمر ترتب مسؤولية شخصية جزائية، باعتبار الأمر مساساً بأمن الدولة واستقرار المجتمع. يكون الأمر كذلك لحملة السلاح المرخص، الذين يطلقون النار من دون احترام للأصول المعتمدة أو من دون قرار مشروع ومسؤول. ويعود الحق بالملاحقة هنا إلى النيابة العامة التي لها وحدها الحق في الادعاء باسم المجتمع، والتي يمكنها ملاحقة الفاعل بجرم حمل السلاح بدون ترخيص، وكذلك بجرم التسبب بالإيذاء أو التسبب بالوفاة من دون قصد القتل.
ويُعَدّ حمل السلاح غير المرخص أو اطلاق النار بغير حق، ظرفاً تشديدياً موجباً لتطبيق العقوبات التشديدية، لأنه يشكل خرقاً لموجب السلامة العامة المتعلق بالنظام العام ولأن الفاعل كان يعلم أو كان يتوجب عليه أن يعلم بأنه قد يعرّض حياة الغير للخطر بإطلاقه النار بصورة طائشة.
إن حمل السلاح وإطلاق الرصاص من دون عذر قانوني، يرتب أيضاً مسؤولية شخصية مدنية على من أطلق النار، حتى ولو كان ذلك تنفيذاً لأمر من رئيسه. هو عليه أن يرفض تطبيق أي قرار يظنه غير قانوني. وإذا حصل إطلاق النار ابتهاجاً أو استنكاراً وأدى إلى إصابة شخص ما أو مقتله، أمكن لهذا الأخير أو لورثته أن يطالبوا القضاء العدلي المدني بإعلان مسؤولية الرئيس والمرؤوس المدنية للتعويض عن الضرر الذي أصابهم.
أما إذا كان من حمل السلاح وأطلق النار قد استخدم سلاحاً مرخصاً أو غير مرخص عائداً لغيره، فبإمكان المتضرر أن يطالب ذلك الغير بالتعويض لأنه يُعَدّ حارسا للسلاح من الناحية القانونية وتكون مسؤوليته حكمية، أي من دون إثبات خطأ من قبله. كذلك يحقّ له الإدلاء بعدم مسؤوليته إذا أثبت أنه حاول بصورة جدية منع حصول الفعل المسبب للضرر. إشارة إلى أن ذلك لا يعفي مطلق النار من المسؤولية، لا بل على العكس تكون مسؤوليتهما متضامنة كونها نشأت عن فعل واحد مسبب لضرر واحد.
إلى ذلك، تكون الجمعيات الحزبية المرخصة قانوناً والحائزة على الشخصية المعنوية، مسؤولة - سنداً لنظام المسؤولية عن فعل الغير - عن إطلاق النار الذي يقوم به أحد أعضائها، إذا كان السلاح المستخدم عائداً لها وتبيّن أنها لم تقم بكل ما يلزم لمنع استعمال السلاح بطريقة طائشة ابتهاجاً أو استنكاراً.
ولا بدّ من التساؤل أيضاً عن مسؤولية الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية والقضائية عن حالات الإصابات والقتل بالرصاص الطائش. وهنا لا بد من التمييز ما ذا كان الفاعل عسكرياً يخضع لمؤسسة حكومية أم لا. إذا كان عسكرياً وأطلق النار خلال عملية عسكرية منظمة من قبل قطاع الأمن، يمكن إعمال مسؤولية الدولة في كل مرة كانت الضحية غير معنية بهذه العملية العسكرية، إذ يتوجّب على الدولة تحمّل مسؤولية المخاطر الناجمة عن أعمال الشرطة. أما إذا كان الفاعل غير عسكري أي غير منضو إلى مؤسسة أمنية، فإن تكرار الأمر مع معرفة أجهزة الدولة به، من شأنه أن يرتب مسؤوليتها التقصيرية إذا ثبت أنها لم تتخذ التدابير الضرورية الرقابية أو لم تتدخل لتمنع استمرار مثل هذه الأفعال.
يبقى القول إن المتضرر من الرصاص الطائش قد يصطدم بعقبات قانونية عدّة، منها ما يتعلق بصعوبة تحديد الشخص الفاعل ومنها ما يرتبط بالآلية الواجب اعتمادها للحصول سريعاً على التعويض.
أما في ما يتعلق في بالآلية الإجرائية الواجب اعتمادها قانونياً، فبإمكان للضحية استحضار الفاعل أمام القضاء المدني للمطالبة بالتعويض. وهو ما يلزمه في هذه الحالة بإثبات ارتكاب الفاعل للخطأ وتحديد مقدار ضرره، وتبيان وجود رابطة السببية بينهما. وهو أمر قد يكون معقداً وصعب المنال. من هنا، من المفضل أن يقيم المتضرر دعوى جزائية بوجه الفاعل المعروف، وهو أمر يسهل عليه عبء الإجراءات، إذ إن إثبات الفعل يتم من قبل النيابة العامة مباشرة وليس من قبله، ويتوجب عليه في هذه الحال أن يتخذ صفة الادعاء الشخصي لكي يكون مؤهلاً للحصول على التعويض.
وفي ما يتعلق بصعوبة تحديد شخص الفاعل أي مطلق النار، فالغالب أن تجد الضحية نفسها في طريق مسدود للحصول على تعويض عن الضرر الجسدي أو لاسترداد ما دفعته من أموال كنفقات علاج. من هنا تكمن أهمية انشاء صندوق وطني للتعويض عن حوادث إطلاق النار كما هو الحال في بعض الدول التي أنشأت صناديق مالية مستقلة هدفها التعويض عن حوادث السير الجماعية.
يبقى القول إن حرية حمل السلاح واستخدامه تبقى خاضعة للمبدأ العام الذي يحكم حرية الأفراد وهي أن حرية كل منا تجد حدّها عندما تبدأ حرية الآخرين وحمايتهم.
*محام بالاستئناف في باريس
اقرأ أيضاً: الطبيب.. موجباته الطبيعيّة