الرشى تنخر مؤسّسات الحكومة الموريتانية

19 مايو 2017
الحكومة تقول إنها تجتهد لمكافحة الظاهرة (العربي الجديد)
+ الخط -
استفحلت ممارسات الرشوة في الإدارات الموريتانية مؤخرا، إلى الحد الذي دفع عدداً من الشركات الأجنبية إلى الرحيل بسبب فرض الوسطاء والموظفين عمولات كبيرة مقابل إنهاء معاملات إدارية.
ويقول مراقبون، إن ظاهرة الرشوة طاولت كل هياكل الإدارات والمؤسسات العمومية وحتى الخاصة، وانعكست آثارها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وسط غياب إرادة حقيقية لمحاربتها وتطبيق القانون على المخالفين، فضلا عن نقص الشفافية والمساءلة في الإدارات.
ويعتبر الخبراء أن الرشوة أبرز أوجه الفساد الذي ينخر جسم الإدارات الحكومية في موريتانيا، حيث إنها تقف عائقا أمام بناء دولة القانون وتطور المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية، ويؤكدون أن ارتفاع نسبة الأمية وخوف المواطن من المسؤولين أو من ضياع حقوقه، وانعدام الرقابة لما يجري داخل الإدارات والروتين، يزيد من استفحال ظاهرة الرشوة.
وترفض الجهات المستفيدة من الرشوة والفساد إصلاح الإدارة وتفعيل القانون الذي يجرّم الرشوة، كما تضع عوائق أمام نفاذ المواطنين للخدمات الإدارية الأكثر بساطة، بمنع التحوّل إلى الإدارة الإلكترونية، والتحجج بالروتين، وغياب التجهيزات، للإبقاء على العمل الإداري اليدوي الذي لا ينجز بدون رسوم خارج تلك التي تفرضها الدولة وتُسمى "إكراميات".
ويقف المواطن حائرا بين دفع الرشوة إرضاءً للموظف من أجل إنهاء معاملاته بسرعة، وبين الامتناع عن دفعها وتحمّل ضياع الوقت والجهد.
وتقول عزيزة بنت سيدي أعلي (42 عاماً) إنها ترفض دفع الرشوة وتعاني بسبب قرارها كثيراً، لأن الموظفين يرفضون إنهاء معاملتها، وإذا فعلوا يرتكبون أخطاءً مقصودة في الوثائق حتى تعود أدراجها إليهم.
وتضيف: "درج المكتب دائما مفتوح لدفع الرشوة، ومن يجود بمال أكثر له الأسبقية حتى لو كان الطابور بالعشرات. هذه الثقافة لا ينفع معها شيء حتى لو ارتفعت الرواتب، فإنها لن تمنع غالبية الموظفين من أجل رشاوى أصبحوا يعتبرونها حقا لهم بسبب استفحال هذه الممارسات في الإدارة لسنوات".
ورغم البدء في سياسة تعميم الإدارة الإلكترونية، إلا أنها لم تستطع الوقوف في وجه استفحال هذه الآفة، بسبب غياب الإرادة الحقيقية.
ويقول محمد أحمد ولد بابا لمين (47 عاما، تاجر) إن الرشوة تحولت إلى عقلية يصعب التخلص منها بالطريقة التي تنتهجها الإدارة حالياً. ويضيف أن "الدولة لا تتعامل بجدية مع هذه الظاهرة، رغم تذمر المواطنين وتقديم شكايات مثبتة بالأدلة. لذلك، فإن الحل الأنجع لمحاربة الرشوة هو تغيير العقليات وإحكام الرقابة الإدارية والمركزية في جميع القطاعات".
ومن أجل دحض اتهامات الكثيرين للصمت الرسمي على استفحال الرشوة، وتأكيدا لعزمها على محاربة هذه الآفة، قامت الحكومة ببعض المبادرات كمسيرة نظمها وزراء الحكومة ضد الرشوة شهدت اعتراضا من قبل نشطاء معارضين يرون أن الحكومة هي من تتحمل مسؤولية ما آل إليه حال البلد من فساد أنهك المؤسسات وأفقر المواطن.
وانتقل الخلاف على "مسيرة الرشوة" إلى الصحف وفضاءات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر الكثيرون أن المسيرة دعاية للتغطية على الوضع، متهمين المسؤولين بالتخلي عن مسؤولياتهم والتهرب منها وخداع المواطن بمثل هذه المسيرات، فيما انتقدت الحكومة معارضي جهودها ضد الرشوة، وأكدت أنها تنتهج سياسة لا تراجع عنها للقضاء على الرشوة والمحافظة على المال العام، باعتبار ذلك الخطوة الأولى لإرساء الحكم الرشيد والتسيير الشفاف.
ودعت الحكومة المواطنين إلى دعمها وانتظار نتائج الاستخدام الرشيد للموارد ومجابهة الهدر والتسيب والارتجالية ومحاربة سوء التسيير والاختلاس.
وكان تقرير الشفافية الدولية لعام 2016 حول الفساد قد صنّف موريتانيا في المرتبة 28 أفريقياً و112 عالمياً من أصل 168 بلدا، وهو ترتيب لا يزال ضعيفا على الرغم من أن البلاد قد تقدمت 7 نقاط مقارنة مع ترتيبها لعام 2013 والذي تبوأت فيه المرتبة 119.
ويقول الباحث الاقتصادي بياده ولد المحفوظ، إن عدم كفاءة الإصلاحات التي قامت بها الحكومة وعدم محاكمة المسؤولين بل المتلبسين بالرشوة يؤكد أن الإرادة غائبة.
وأضاف لـ "العربي الجديد"، أن هناك ارتباكاً واضحاً في التعامل مع ملفات الفساد والرشوة بسبب تشابك المصالح والضغوط الاجتماعية والسياسية التي يشكلها محيط المتهم، موضحا: "حين يتم إلقاء القبض على مفسد في هذه البلاد تسارع القبيلة إلى تنظيم الوقفات أمام السجون والمحاكم نصرة للمتهم، فتتم تسوية القضية بعيدا عن القضاء ويطلق سراح المتهم، حتى لو كانت الأدلة قوية والقضية متكاملة الأركان".
المساهمون