"يلا نلون الخرطوم" هو عنوان مبادرة أطلقها مجموعة من الفنانين التشكيليين الشباب في السودان بالتعاون مع المركز الثقافي الألماني في الخرطوم "معهد غوته"، وذلك بهدف إعطاء العاصمة السودانية طابعًا خاصًا، من خلال الرسم على جدران المباني والمنازل فيها، إذ إن القصد من مبادرة مماثلة، هو نقل فنّ الجداريات إلى الحيّز العام والطرقات الرئيسة في العاصمة.
وقد ضمّت المبادرة ثلاثون فنانًا تشكيليًا سودانيًا مع ستة فنانين تشكيليين ألمان. ولئن كان دعم المعهد الألماني للمبادرة، قد أوحى أن الرسم على الجدران في المدينة شيء مستورد، فإن تاريخ المكان يقول شيئًا مختلفًا، إذ إن الجداريات تعد فنًا من الفنون القديمة في السودان. حيث تفيد معظم المصادر التاريخية، بأن السودان قد عرفها منذ تسعمائة عام. فقد شهد السودان حضارات قديمة، مثل حضارة نبته وكوش، التي اشتُهرت بالرسم على المباني، وخاصّة رسومات الطيور الراقصة.
إلا أن مدينة الخرطون اليوم، تفتقد فعلًا لتلك اللمسات الجمالية الفنية التي تخبّر عن ثقافتها العريقة، وما يزيد الأمر حدّة، طغيان الأبراج الزجاجية في مسيرة التطور العمراني والمديني للخرطوم.
اقرأ أيضًا: إبراهيم الصلحي، عميد التشكيليين السودانيين
امتدت المبادرة أسبوعين، حيث تناوب الفنانون على رسم الجداريات على عدد من المباني الواقعة على الشوارع الرئيسة في المدينة. ونظرًا إلى الشغف الذي أخرجته المبادرة منهم، فقد عملوا ليل نهار حرفيًا، إذ كان مألوفًا أن يسهر الفنانون ليلًا لإتمام الرسوم.
ولعلّ الشغف بالفنّ هو ما حرّك لديهم تلك الحماسة، ويضاف إلى هذا أيضًا، رغبة الفنانين بالتواجد في الحيّز العام، وبالخروج بفنّهم إلى الطرقات، بغية إنهاء حال العزلة بين المجتمع والفنانين السودانيين.
وجاءت الرسومات على المباني متنوعة، فبعضها استوحى من المدرسة السوريالية الغربية الشهيرة، وبعضها الآخر، عاد نحو الجذور، مستلهمًا التراث النوبي. وسواءٌ أكانت الرسومات سوريالية أو نوبية، فإنها خطفت أنظار المارّة، حدّ أنهم راحوا يلتقطون لأنفسهم صورًا بجوارها، باعتبارها شيئًا "جديدًا" في الخرطوم.
وقالل الفنان التشكيلي عبد المنعم شقليني، أحد المشاركين في المبادرة، لـ"ملحق الثقافة": "شاركتُ في المبادرة لإضافة لون جديد إلى الخرطوم، وإخراجها من القبح الذي هي فيه الآن نحو الجمال الذي كان فيها. علينا تحويلها إلى عاصمة جميلة، بعيدًا من هذا الـ "كلادينغ" (صفائح ألمنيوم تستعمل كواجهات للمباني)، الذي يعدّ دخيلًا على ثقافتنا. فنحن من خلال فنّ الجداريات نقوم بتحديث تراثنا القديم وإحيائه".
اقرأ أيضًا: "حوش الريش"، واحة التشكيليين السودانيين
أمّا الفنان التشكيلي غسان البلولة، فقد رأى أن الهدف من المبادرة "إحداث تفاعل بين الشارع والفنانين من جهة، وتبادل الأفكار مع التشكيليين الألمان من جهة أخرى. فضلًا عن خلق مساحة أمل جديد. أعتبر أن في فن الجداريات متنفسًا وإضفاء بصمة خاصة تميّز العاصمة عن عواصم البلدان الأخرى، وتبرز من خلالها ثقافتنا". وفصّل أكثر قائلًا: "نحن في الحقيقة نملك فنًا عريقًا، صامدًا منذ سنين طويلة، والتحدي أمامنا هو مدى التزامنا به، خصوصاً أن هذه المبادرة أوجدت تفاعلًا جيدًا في الشارع السوداني، إذ راح بعض الناس يطلبون منّا أن نرسم على جدران بيوتهم".
وهذا صحيح، فقد سمح عدد من السودانيين للفنانين الرسم على جدران منازلهم، ولمسوا في الفكرة تغييرًا عما هو مألوف وسائد من طلاء الجدران أو استعمال الزجاج والسيراميك كواجهات للبيوت.
ويبدو أن الأمر أصاب بعدواه أصحاب الأعمال، وراح بعضهم يطلب الرسم على جدران منشآته. فقد صرّح أحمد يوسف مدير شركة حصاد لـ "ملحق الثقافة" : "أنا سعيد بتحويل جدار المؤسسة إلى رقصة الطيور النوبية، التي تعد لمسة جمالية بألوانها الزاهية وتشكيلتها الهندسية الرائعة". وأضاف "مكن للمبادرة أن تجعل البلاد تأخذ شكلًا جماليًا من تراثها، وأن تصبح مركزًا سياحيًا يقصده السياح. صحيح أن الدارج والسائد اليوم هو الكلادينغ والإسمنت والزجاج، إلا أنه لا يعبّر عن المكان، بينما تعبّر باقتدار الجداريات التي تمثّل حضارة سودانية ضاربة في القدم، بتمازج رائع يخلق عاصمة جميلة".
وقد تباينت ردود فعل السودانيين حول فنّ الجداريات، إذ رأى بعضهم فيها أشكالًا غير مفهومة، وفضّل عليها الأبراج الزجاجية وتزيين المنازل بالطلاء والسيراميك، بينما تفاعل بعضهم الآخر مع الخطوة باعتبارها أمرًا ثقافيًا قد يميز الخرطوم ويضفي عليها لمسة جمالية.
ويرى الباحث وأستاذ الثقافة السودانية البروفيسور محمّد المهدي بشرى، أن تجميل وجه العاصمة وإضافة لمسات جمالية تعبر عن الحضارة والثقافة السودانية يجعلها "تعود إلى ثقافة عمرها ثمانية آلاف سنة، منذ الحضارة الكوشية وحضارة كرمة". وذكر أن الخرطوم كعاصمة "مرّت بمراحل تاريخية أنشأت شكلها الحالي"، واعتبر أن في مبادرة "يلا نلون" خطوة تستحق الدعم، باعتبار أن" العودة إلى التاريخ أمر مهم للمحافظة على الشخصية السودانية، لا سيما في العاصمة التي تمثل روح البلد والشعب والثقافة، وتعبّر عن أشكال مختلفة عبر التقاط الرموز التشكيلية والحضارية". وأوضح قائلًا: "هناك رموز من البيئة السودانية وجدت في الجداريات كالعيش "الذرة" والتي تمثل رمز الثقافة. فضلًا عن الأسد الذي ظهر عند الآلهة القديمة". وأكد أن في الخرطوم "مقومات وإمكانات طبيعية، يمكن أن تحولها لمدينة جميلة ونظيفة كما كانت في الثلاثينيات، حيث صنّفت وقتها من أنظف العواصم الإفريقية، وفازت وقتها بعدد من الجوائز وتحدّث عنها الرحالة".
إلا أن مدينة الخرطون اليوم، تفتقد فعلًا لتلك اللمسات الجمالية الفنية التي تخبّر عن ثقافتها العريقة، وما يزيد الأمر حدّة، طغيان الأبراج الزجاجية في مسيرة التطور العمراني والمديني للخرطوم.
اقرأ أيضًا: إبراهيم الصلحي، عميد التشكيليين السودانيين
امتدت المبادرة أسبوعين، حيث تناوب الفنانون على رسم الجداريات على عدد من المباني الواقعة على الشوارع الرئيسة في المدينة. ونظرًا إلى الشغف الذي أخرجته المبادرة منهم، فقد عملوا ليل نهار حرفيًا، إذ كان مألوفًا أن يسهر الفنانون ليلًا لإتمام الرسوم.
ولعلّ الشغف بالفنّ هو ما حرّك لديهم تلك الحماسة، ويضاف إلى هذا أيضًا، رغبة الفنانين بالتواجد في الحيّز العام، وبالخروج بفنّهم إلى الطرقات، بغية إنهاء حال العزلة بين المجتمع والفنانين السودانيين.
وجاءت الرسومات على المباني متنوعة، فبعضها استوحى من المدرسة السوريالية الغربية الشهيرة، وبعضها الآخر، عاد نحو الجذور، مستلهمًا التراث النوبي. وسواءٌ أكانت الرسومات سوريالية أو نوبية، فإنها خطفت أنظار المارّة، حدّ أنهم راحوا يلتقطون لأنفسهم صورًا بجوارها، باعتبارها شيئًا "جديدًا" في الخرطوم.
وقالل الفنان التشكيلي عبد المنعم شقليني، أحد المشاركين في المبادرة، لـ"ملحق الثقافة": "شاركتُ في المبادرة لإضافة لون جديد إلى الخرطوم، وإخراجها من القبح الذي هي فيه الآن نحو الجمال الذي كان فيها. علينا تحويلها إلى عاصمة جميلة، بعيدًا من هذا الـ "كلادينغ" (صفائح ألمنيوم تستعمل كواجهات للمباني)، الذي يعدّ دخيلًا على ثقافتنا. فنحن من خلال فنّ الجداريات نقوم بتحديث تراثنا القديم وإحيائه".
اقرأ أيضًا: "حوش الريش"، واحة التشكيليين السودانيين
أمّا الفنان التشكيلي غسان البلولة، فقد رأى أن الهدف من المبادرة "إحداث تفاعل بين الشارع والفنانين من جهة، وتبادل الأفكار مع التشكيليين الألمان من جهة أخرى. فضلًا عن خلق مساحة أمل جديد. أعتبر أن في فن الجداريات متنفسًا وإضفاء بصمة خاصة تميّز العاصمة عن عواصم البلدان الأخرى، وتبرز من خلالها ثقافتنا". وفصّل أكثر قائلًا: "نحن في الحقيقة نملك فنًا عريقًا، صامدًا منذ سنين طويلة، والتحدي أمامنا هو مدى التزامنا به، خصوصاً أن هذه المبادرة أوجدت تفاعلًا جيدًا في الشارع السوداني، إذ راح بعض الناس يطلبون منّا أن نرسم على جدران بيوتهم".
وهذا صحيح، فقد سمح عدد من السودانيين للفنانين الرسم على جدران منازلهم، ولمسوا في الفكرة تغييرًا عما هو مألوف وسائد من طلاء الجدران أو استعمال الزجاج والسيراميك كواجهات للبيوت.
ويبدو أن الأمر أصاب بعدواه أصحاب الأعمال، وراح بعضهم يطلب الرسم على جدران منشآته. فقد صرّح أحمد يوسف مدير شركة حصاد لـ "ملحق الثقافة" : "أنا سعيد بتحويل جدار المؤسسة إلى رقصة الطيور النوبية، التي تعد لمسة جمالية بألوانها الزاهية وتشكيلتها الهندسية الرائعة". وأضاف "مكن للمبادرة أن تجعل البلاد تأخذ شكلًا جماليًا من تراثها، وأن تصبح مركزًا سياحيًا يقصده السياح. صحيح أن الدارج والسائد اليوم هو الكلادينغ والإسمنت والزجاج، إلا أنه لا يعبّر عن المكان، بينما تعبّر باقتدار الجداريات التي تمثّل حضارة سودانية ضاربة في القدم، بتمازج رائع يخلق عاصمة جميلة".
ويرى الباحث وأستاذ الثقافة السودانية البروفيسور محمّد المهدي بشرى، أن تجميل وجه العاصمة وإضافة لمسات جمالية تعبر عن الحضارة والثقافة السودانية يجعلها "تعود إلى ثقافة عمرها ثمانية آلاف سنة، منذ الحضارة الكوشية وحضارة كرمة". وذكر أن الخرطوم كعاصمة "مرّت بمراحل تاريخية أنشأت شكلها الحالي"، واعتبر أن في مبادرة "يلا نلون" خطوة تستحق الدعم، باعتبار أن" العودة إلى التاريخ أمر مهم للمحافظة على الشخصية السودانية، لا سيما في العاصمة التي تمثل روح البلد والشعب والثقافة، وتعبّر عن أشكال مختلفة عبر التقاط الرموز التشكيلية والحضارية". وأوضح قائلًا: "هناك رموز من البيئة السودانية وجدت في الجداريات كالعيش "الذرة" والتي تمثل رمز الثقافة. فضلًا عن الأسد الذي ظهر عند الآلهة القديمة". وأكد أن في الخرطوم "مقومات وإمكانات طبيعية، يمكن أن تحولها لمدينة جميلة ونظيفة كما كانت في الثلاثينيات، حيث صنّفت وقتها من أنظف العواصم الإفريقية، وفازت وقتها بعدد من الجوائز وتحدّث عنها الرحالة".