الرسائل السينمائية العربية: جرأة الوقوف أمام المرآة نادرةٌ

17 يونيو 2020
محمد خان: الرسالة سيرة وبوح (غاريث كاتّرمول/Getty)
+ الخط -
إنْ كان هناك نقصٌ في كتب السِيَر الحياتية/ الذاتية والمذكّرات السينمائية العربيّة، لخشية السينمائي العربي (وغير السينمائي أيضاً) غالباً من البوح الذاتي أمام الآخرين ("العربي الجديد"، 15 يونيو/ حزيران 2020)، فإنّ لـ"الرسائل" المتبادلة بين سينمائيين، أو بينهم وبين مَعارف لهم وأصدقاء، نادرةٌ للغاية. الأجزاء الثلاثة لرسائل المخرج المصري محمد خان (1942 ـ 2016)، إلى صديق عمره المُصوّر السينمائي المصري سعيد الشيمي (1943)، الصادرة عن "الكرمة" (القاهرة، 2018 ـ 2019)، تطرح أسئلة عدّة، تُختزل باثنين: لماذا يغيب هذا النوع من التواصل عن المكتبة السينمائية؟ ولماذا تغيب رسائل/ ردود الشيمي إلى خان؟

تستحيل معرفة ما إذا كانت هناك رسائل متبادلة بين سينمائيين عرب، أو بينهم وبين معارف وأصدقاء، إذا لم تُنشر، أو إذا لم يتحدّث عنها أحدٌ من المطّلعين الموثوق بهم. هذا نمطٌ عربيّ موجود بين كتّابٍ وشعراء ومفكّرين وغيرهم، وبعض هؤلاء غير مُتردّد عن نشرها كلّها، أو بعضها على الأقل، بعد وفاة المُرسِل، فتبقى رسائل/ ردود المُرسَل إليه، الذي ينشر جانباً من "الحكاية"، مختفية أو مغيّبة. هذا مُعيبٌ. تغييب جانبٍ من الحكاية مقصود، تماماً كإظهار جانب آخر. هذا غير حاصل في الغرب، إجمالاً. رسائل كثيرة منشورة في كتبٍ، في حياة كاتبيها أو بعد رحيلهم أو رحيل أحد الطرفين. لكنّ الكتب تلك تتضمّن الرسائل المتبادلة، ما يجعل الحكاية أوضح وأجمل وأعمق وأصدق، وإنْ تكن الرسائل جزءاً منها، لا كلّها.

لكن رسائل السينمائيين العرب، إذا كانت موجودة، فهي غير متوفّرة علناً، أو نادرة. في مقدّمة الجزء الأول من رسائل خان إليه، يقول سعيد شيمي متأسّفاً إنّ ردوده ضائعةٌ مع أمتعته المشحونة، للمرّة الأخيرة، من لندن إلى القاهرة، التي "لم تصل أبداً" (ص. 16). هذه خسارة. الحكاية تبقى ناقصة، رغم أهمية رسائل خان، ففيها نزق وحب وحيوية وحماسة وتفاصيل واشتغالات وشغف ومشاهدات ومشاعر وقراءات وتأمّلات، وهذا كلّه يُعتَبَر فصلاً من سيرة حياة. فالرسائل، بعفويتها وبساطتها وكلماتها المفعمة بانفعالات ربما تتناقض في ما بينها أحياناً، تندرج في سياق التعبير عن ذاتٍ وروح وتواصل. ورغم أنّ كاتب الرسائل (خان وغيره) غير راغبٍ في نشرها علناً (ربما)، إلا أنّ نشرها يُكمِّل شيئاً من تلك السيرة. وبالتالي، فإنّ الرسائل/ الردود تؤدّي "الوظيفة" نفسها بالنسبة إلى كاتبها/ مُرسِلِها أيضاً، إذا نُشرت معها.

سؤال عدم رغبة كاتب رسائل في نشرها بعد رحيله، أساسيّ. المسألة أخلاقية أولاً، خصوصاً في الحميميّ منها بين طرفين. يُفترض بمتلقّي الرسائل، بحسب علاقته بمرسِلِها، تبيان مدى أهمية نشرها، أو ضرورته. هذا شخصيّ بحت، إذْ هل يَعِي كاتب الرسائل، أثناء كتابتها، أنّها ستكون في متناول الجميع لاحقاً؟ هل يرغب في ذلك، أو يوافق عليه؟ (هناك رسائل تُنشر في حياة كاتبيها وبموافقتهم). الرسائل المتعلّقة بأمور مهنة أو تفاصيل عملية مفيدةٌ أيضاً، رغم أنّها أقلّ أهمية من غيرها، مع أنّ بعضها يكشف جانباً من شخصية مُرسِلها في لحظة ما.

لعلّ سبب غياب الرسائل عن المكتبة السينمائية العربية، إذا كانت موجودة، كامنٌ في خشيةٍ عربية من البوح، هنا أيضاً. فالتعرية الصادقة مخيفة، والوقوف أمام المرآة يحتاج إلى جرأة.
المساهمون