08 نوفمبر 2024
الرجل الأميركي المريض
التحقيقات التي تحيط بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والحديث الجدّي حالياً عن احتمال عزله من منصبه، بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، لم تعد تؤثر فقط على الرئيس، أو حزبه الجمهوري فقط، بل بدأت تطاول الولايات المتحدة بأسرها ومكانتها السياسية والاقتصادية، فالبلاد باتت تشبه وضعية "الرجل المريض"، وهو التوصيف الذي رافق الأيام الأخيرة للإمبراطورية العثمانية قبل انهيارها بعد الحرب العالمية الأولى.
التشبيه مرتبط بمعطيات كثيرة، داخلية وخارجية، وسياسية واقتصادية، والتي يلعب ترامب نفسه دوراً كبيراً في زيادتها تدهوراً، نظراً إلى السياسات التي يتّبعها في تعاطيه مع ملفاتٍ كثيرة خاصة بالولايات المتحدة، وخصوصاً في العلاقة مع الحلفاء السابقين في أوروبا، أو حتى مع السياسيين المقرّبين من الداخل الأميركي.
مشهد مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، وهو يتلو الرفض الروسي للمطلب الأميركي بإخراج القوات الإيرانية من سورية، والتصريحات الروسية التي تلت ذلك، يعطي فكرة عن الحالة السياسية الأميركية، والتي لم يعد أحدٌ يأخذها على محمل الجد، لا بالنسبة إلى الإجراءات والتهديدات، بانتظار ما ستنجلي عنه صورة الوضع الأميركي الداخلي، فالتهديدات اللاحقة التي أطلقها بولتون بفرض عقوبات على روسيا، لا يبدو أنها تثير مخاوف موسكو، وهي ترى أن هناك تحالفاً عريضاً بدأ يتشكل لمحاربة الهيمنة الأميركية. تحالفٌ لم يعد حكراً على الخصوم التقليديين لواشنطن، بل بات يضم حلفاءها الأوروبيين، وحتى جيرانها الكنديين والمكسيكيين، إضافة إلى تركيا. لم يحتج الخصوم إلى القيام بالكثير لتشكيل هذا التحالف، فدونالد ترامب قام بالواجب من تلقاء نفسه، وساهم في إجراءاته، وخصوصاً الاقتصادية، في وضع مكانة الولايات المتحدة على حافة الانهيار، ولا سيما هيمنة الدولار على التعاملات التجارية العالمية، فالكلام بات جدّياً جداً اليوم عن إيجاد بديلٍ لنظام سويفت الأميركي، والذي تمر عبره معظم التحويلات النقدية العالمية. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدولار كقياس لقوة العملات العالمية، فالبحث الآن أيضا جدّي جداً عن عملةٍ بديلة، قد تكون اليورو، وهو ما بدأته تركيا لحماية عملتها من الانهيار.
العزلة الأميركية الخارجية، والتي تتكرّس يوماً بعد يوم، إذ لم يعد أحدٌ يعطي بالاً للتصريحات التي تخرج من الولايات المتحدة، ولا يضعها في حساباته، تنعكس تلقائياً على الداخل الأميركي، والذي سيكون أمام أزمةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ قد تمتد فترة طويلة، في حال أفرزت انتخابات الكونغرس خسارة الغالبية الجمهورية، وتولي الحزب الديمقراطي زمام المبادرة، إذ سيُصبِح مصير الرئاسة الأميركية رهن هذا الحزب، وقرار المضي بإجراءات العزل، أو تأجيل ذلك قليلاً إلى حين اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. خلال هذه المرحلة، لن تكون رئاسة ترامب مجرّد "بطة عرجاء"، بل بطة مشلولة، إذ ستكون كل إجراءاته محل تشكيك واستجواب.
قد لا تقف التداعيات عند هذا الحد، بل ستصل إلى النظام السياسي الأميركي، وتضرب معادلة الحزبين، ولفترة، وخصوصاً أن التهم التي تلاحق الجمهوريين اليوم تقترب من الخيانة العظمى، والتعامل مع جهات خارجية ضد مصالح الولايات المتحدة، وليس مجرد تجسّس داخلي، كما كان الأمر خلال فضيحة "ووتر غيت" التي أدّت إلى عزل الرئيس، ريتشارد نيكسون، في سبعينيات القرن الماضي.
تعيش الولايات المتحدة اليوم، وستعيش فترة على وقع ارتدادات هذه المعطيات، والتي ستكون لها انعكاسات أساسية على مكانة الإمبراطورية الأميركية تقرّبها من الاندثار، لنكون أمام إرهاصات تكوّن نظاما دوليا جديدا، عنوانه "نهاية الأحادية الأميركية"، غير أن ملامحه النهائية لم تتّضح بعد.
التشبيه مرتبط بمعطيات كثيرة، داخلية وخارجية، وسياسية واقتصادية، والتي يلعب ترامب نفسه دوراً كبيراً في زيادتها تدهوراً، نظراً إلى السياسات التي يتّبعها في تعاطيه مع ملفاتٍ كثيرة خاصة بالولايات المتحدة، وخصوصاً في العلاقة مع الحلفاء السابقين في أوروبا، أو حتى مع السياسيين المقرّبين من الداخل الأميركي.
مشهد مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، وهو يتلو الرفض الروسي للمطلب الأميركي بإخراج القوات الإيرانية من سورية، والتصريحات الروسية التي تلت ذلك، يعطي فكرة عن الحالة السياسية الأميركية، والتي لم يعد أحدٌ يأخذها على محمل الجد، لا بالنسبة إلى الإجراءات والتهديدات، بانتظار ما ستنجلي عنه صورة الوضع الأميركي الداخلي، فالتهديدات اللاحقة التي أطلقها بولتون بفرض عقوبات على روسيا، لا يبدو أنها تثير مخاوف موسكو، وهي ترى أن هناك تحالفاً عريضاً بدأ يتشكل لمحاربة الهيمنة الأميركية. تحالفٌ لم يعد حكراً على الخصوم التقليديين لواشنطن، بل بات يضم حلفاءها الأوروبيين، وحتى جيرانها الكنديين والمكسيكيين، إضافة إلى تركيا. لم يحتج الخصوم إلى القيام بالكثير لتشكيل هذا التحالف، فدونالد ترامب قام بالواجب من تلقاء نفسه، وساهم في إجراءاته، وخصوصاً الاقتصادية، في وضع مكانة الولايات المتحدة على حافة الانهيار، ولا سيما هيمنة الدولار على التعاملات التجارية العالمية، فالكلام بات جدّياً جداً اليوم عن إيجاد بديلٍ لنظام سويفت الأميركي، والذي تمر عبره معظم التحويلات النقدية العالمية. كذلك الأمر بالنسبة إلى الدولار كقياس لقوة العملات العالمية، فالبحث الآن أيضا جدّي جداً عن عملةٍ بديلة، قد تكون اليورو، وهو ما بدأته تركيا لحماية عملتها من الانهيار.
العزلة الأميركية الخارجية، والتي تتكرّس يوماً بعد يوم، إذ لم يعد أحدٌ يعطي بالاً للتصريحات التي تخرج من الولايات المتحدة، ولا يضعها في حساباته، تنعكس تلقائياً على الداخل الأميركي، والذي سيكون أمام أزمةٍ سياسيةٍ حقيقيةٍ قد تمتد فترة طويلة، في حال أفرزت انتخابات الكونغرس خسارة الغالبية الجمهورية، وتولي الحزب الديمقراطي زمام المبادرة، إذ سيُصبِح مصير الرئاسة الأميركية رهن هذا الحزب، وقرار المضي بإجراءات العزل، أو تأجيل ذلك قليلاً إلى حين اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية. خلال هذه المرحلة، لن تكون رئاسة ترامب مجرّد "بطة عرجاء"، بل بطة مشلولة، إذ ستكون كل إجراءاته محل تشكيك واستجواب.
قد لا تقف التداعيات عند هذا الحد، بل ستصل إلى النظام السياسي الأميركي، وتضرب معادلة الحزبين، ولفترة، وخصوصاً أن التهم التي تلاحق الجمهوريين اليوم تقترب من الخيانة العظمى، والتعامل مع جهات خارجية ضد مصالح الولايات المتحدة، وليس مجرد تجسّس داخلي، كما كان الأمر خلال فضيحة "ووتر غيت" التي أدّت إلى عزل الرئيس، ريتشارد نيكسون، في سبعينيات القرن الماضي.
تعيش الولايات المتحدة اليوم، وستعيش فترة على وقع ارتدادات هذه المعطيات، والتي ستكون لها انعكاسات أساسية على مكانة الإمبراطورية الأميركية تقرّبها من الاندثار، لنكون أمام إرهاصات تكوّن نظاما دوليا جديدا، عنوانه "نهاية الأحادية الأميركية"، غير أن ملامحه النهائية لم تتّضح بعد.