في زيارة هي الأولى منذ توليه منصبه، اجتمع الرئيس العراقي فؤاد معصوم بالمسؤولين الإيرانيين في طهران. ركّز المرشد الأعلى علي خامنئي خلال لقائه بمعصوم على الحرب في سورية، واعتبر أن "بعض الأطراف تتبنى وتدعم خطة مدمرة وخطيرة لن تنعكس تبعاتها على سورية فحسب، بل سترتدّ على الأطراف التي لا تريد تحقيق الأمن والاستقرار لهذا البلد"، مؤكداً على أنّ الهدف الأول الآن يكمن في إعادة الأمن إلى سورية ومواجهة التنظيمات الإرهابية المتواجدة هناك بأسماء وأشكال مختلفة والتي تخدم الكيان الصهيوني، بحسب قوله.
يدرك معصوم أن الملف السوري من أبرز الملفات المتقاطعة بين البلدين، ما بدا واضحاً في كلامه أنّ "تنظيم داعش في العراق لا يختلف عن داعش في سورية"، معتبراً أن الإرهاب بات خطراً يهدد الكل في المنطقة والعالم، وأضاف أنّه "لا يمكن السماح للإرهاب أن يحكم سورية"، وعليه، يجب استمرار التعاون الإيراني العراقي.
اقرأ أيضاً: معصوم بطهران في أول زيارة منذ توليه رئاسة العراق
وفي الوقت الذي أكّد فيه خامنئي على ضرورة استفادة الحكومة العراقية من الظروف المؤاتية للعب دور أكثر تأثيراً في القضايا الإقليمية، أكّد أيضاً على جهوزية بلاده لتقديم كل المساعدات اللازمة لمساندة العراق في حربه ضد الإرهاب، وهو ما جاء على لسان كل المسؤولين الذين التقوا معصوم أيضاً، ودعا خامنئي إلى الاصطفاف الداخلي في العراق لمساندة الحكومة هناك.
وفي مؤتمرهما الصحافي المشترك، أكد الرئيس الإيراني حسن روحاني على ما جاء على لسان المرشد، قائلاً إنّ "أمن العراق من أمن إيران" مشيراً إلى ضرورة تحقيق تنسيق أمني إقليمي لمكافحة ظاهرة الإرهاب التي تهدد المنطقة بأسرها.
في الوقت عينه، يرى مراقبون أنّ ما يجري في اليمن وتحوُّل الحرب هناك إلى أزمة صراع بين المملكة العربية السعودية وإيران، سيطر على المشهد الإقليمي الحالي، وعلى الرغم من الاهتمام الواضح بالتنسيق الأمني بين بغداد وطهران خلال زيارة معصوم، إلا أنّ التصريحات حول اليمن خلال لقاءات الرئيس العراقي مع المسؤولين الإيرانيين أخذت مساحة كبيرة، وهذا إن دل على شيء، فعلى أهمية هذا الملف الذي تؤدي فيه الرياض الدور الأساس بالنسبة لطهران وبغداد.
اقرأ أيضاً: معصوم في إيران يبحث "الإرهاب" وأزمة سورية واليمن
المرشد علي خامنئي كان حاداً في إيصال رسالته إلى المملكة، فقال "إن قرار السعوديين بضرب هذا البلد، جاهل وغير حكيم"، معتبراً أنّ الرياض ستدفع ثمن هذه الخطوة لاحقاً. فيما اعتبر روحاني في المؤتمر ذاته، أنّ قضية اليمن لم تعد قضية إقليمية سياسية، بل أصبحت إنسانية تعني العالم بأسره، وهو ما أكّد عليه معصوم الذي قال "إن طهران وبغداد متفقتان على ضرورة الوقوف بوجه التدخل الخارجي في قضايا المنطقة"، مضيفاً "إن العراق واضح إزاء ما يجري في اليمن، إذ يرفض الحل العسكري للأزمة هناك، داعياً لفتح حوار في وقت باتت فيه الحلول العسكرية مسبباً لاتساع الفجوة بين كل الأطراف في المنطقة.
وكما بدا واضحاً من كل هذه التصريحات، وإن كانت سورية واليمن الشغل الشاغل لإيران وحلفائها في الوقت الحالي، لكن تبقى العلاقات الإيرانية العراقية وضرورة التنسيق الثنائي بين حكومتي البلدين حالياً أمراً ضرورياً للغاية. رئيس مجلس الشورى الإسلامي علي لاريجاني الذي التقى معصوم، أكد أيضاً على ضرورة تبنّي مقترح إقليمي للوقوف بوجه الإرهاب، مؤكداً على أهمية التعاون الإيراني العراقي بما يصب في مصلحة كل القضايا الإقليمية.
اقرأ أيضاً: خامنئي يهاجم السعودية رغم الهدنة.. والإغاثة تصل موانئ اليمن
وأوضح رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني، أن بلاده ستستمر بإرسال المساعدات للعراق، معتبراً أن الأمر ضروري في وقت ستنعكس فيه تبعات تقدم الإرهاب على كل المنطقة. كما أكد أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني أنّه يجب اتباع خطة للوقوف بوجه ما وصفه بمحاولات زيادة التفرقة ومحاولة عزل إيران. كلام شمخاني الذي نقل أن بعض الأطراف غير راضية عن تحقيق الانتصارات ضد الإرهاب في كل من سورية والعراق، أكد أيضاً على سعي طهران للمزيد من التنسيق مع جبهة الحلفاء، فقال: "بعض الأطراف تعقد اجتماعات لعدم رضاها عن هذه الانتصارات ولإيجاد المزيد من التفرقة في المنطقة وتحقيق هدف عزل إيران".
المقصود من كلام شمخاني هو اجتماع كامب ديفيد بين القيادات الخليجية والولايات المتحدة. وبحسب العسكري السابق في الحرس الثوري الإيراني حسين كنعاني مقدم، فإن تزامن زيارة معصوم وهذا الاجتماع، هو ما يعطي زيارته أهمية خاصة، لا سيما أن معصوم هو واحد من القيادات المتعددة والمختلفة في العراق التي يختلف رأيها حول العديد من القضايا، فلا يمكن أن يكون قد حمل رسالة خاصة لإيران باسم العراق كله أو باسم أميركا، والهدف من زيارته هذه، لمزيد من التنسيق الأمني مع طهران تزامناً واجتماع كامب ديفيد.
ويضيف كنعاني مقدم لـ"العربي الجديد" أن إيران تريد التأكيد على التزامها بالعلاقة مع الحلفاء، وتعمل على المزيد من التنسيق، في وقت لا يبدو فيه أن أوضاع المنطقة ستتجه نحو التهدئة في القريب العاجل. ويتابع، "فالعراق الذي يتقاطع جغرافياً مع إيران، بلد مهم للغاية بالنسبة للقيادة الإيرانية، وهو جزء من المحور الذي يخوض الصراع ضد أميركا وحلفائها في المنطقة في عدد من الملفات، أبرزها ما يجري في سورية والعراق.
اقرأ أيضاً كامب ديفيد: قمة الضمانات الأمنية والمراجعات السياسية
وعلى الرغم من كل هذا التأكيد على أن محاربة الإرهاب كان العنوان الأول في زيارة معصوم إلى إيران، لكن لهذه الزيارة أهمية اقتصادية، فمعدل التبادل التجاري بين البلدين اقترب من ثلاثين مليار دولار، وهو ليس بالمبلغ القليل على الإطلاق، ولدى طهران مشاريع استثمارية ضخمة تدير بها الاقتصاد العراقي، وأتت زيارة معصوم لبحث إيجاد تسهيلات جديدة في قطاعي التجارة والنقل، كما بحث الطرفان تطوير التعاون في مجال استثمار النفط والغاز، فضلاً عن بحث خطة لمكافحة التصحر التي من المفترض أن تكون السعودية جزءاً منها في المستقبل، للتقليل من العواصف الرملية التي تهب على العراق. وفي كل الأحوال، يرى المراقبون أن العراق حليف سياسي واقتصادي، واستراتيجي ومهم للغاية لإيران، في وقت يلعب فيه هذا البلد دوراً محورياً في العديد من القضايا الإقليمية.
اقرأ أيضاً: اجتماع رؤساء العراق الثلاثة: الحلول لم تتجاوز الشعارات