حذّر الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، من محاولات مجموعات النظام السابق إنجاز انقلاب داخلي والعودة إلى الحكم مجدداً، وأكد أنه مصمم على القضاء على ما وصفها بـ"عصابة النظام السابق"، ووجّه تنبيها إلى الحكومة والمسؤولين من التلاعب بالشأن العام وبشأن وجود تواطؤ في بعض الإدارات ومؤسسات الدولة التي تعرقل تنفيذ الخطط والقرارات الحكومية "من أجل إثارة القلاقل والأزمات".
وقال الرئيس تبون، في اجتماع موسع عقده اليوم مع وزراء الحكومة وحكام الولايات، إن "الشعب عاش مأساة من تصرفات بعض الأشخاص الذين سموا بالعصابة (رموز النظام والكارتل السابق). هناك من النظام السابق من لا يزال يحلم بالعودة للحكم وباستعادة زمام الأمور. نقول له ذلك زمن ولّى، الشعب خرج للشارع وانتهى. هذه عجلة التاريخ ولن تعود. من يعتقد أن البلاد ستعود إلى ما كانت عليه من سيطرة المال الفاسد والتعيين بهاتف الليل فهو مخطئ"، مضيفا: "نحن منتبهون وحذرون ويقظون. سنقضي على العصابة أو سنهلك دون ذلك".
تبون: هناك من ما زال في السجن وأمواله تتحرك؛ 10 ملايين دولار تذهب للخارج، من أمر بذلك وكيف خرجت الأموال؟
وحذّر تبون، الحكومة والمسؤولين، من "تحركات مريبة" لما وصفها بـ"قوى خفية" تعمل على إثارة القلاقل، قائلًا: "خذوا حذركم، هناك قوى ما زالت تعمل على زعزعة استقرار البلاد وتتصور أنها قادرة على ذلك، ومن ذلك بث الإشاعات وقلب الحقائق، لدرجة أن هناك من بات يؤمن بأن المسؤولين المدانين في السجون والملاحقين من قبل القضاء مظلومون". وأشار في السياق إلى دلائل مادية على ذلك، وقال "هناك من ما زال في السجن وأمواله تتحرك؛ 10 ملايين دولار تذهب للخارج، من أمر بذلك وكيف خرجت الأموال؟"، في إشارة إلى قضية توقيع ممثلة عن زعيم الكارتل المالي الموجود في السجن والمدان في عدد من قضايا الفساد ونهب المال العام مع مجموعة ضغط أميركية مقربة من الرئيس ترامب عقدا بقيمة 10 ملايين دولار للمساعدة والضغط على السلطات الجزائرية للإفراج عنه.
ويوحي خطاب الرئيس تبون هذا بأنه يواجه مشكلات جدية داخل مفاصل الدولة أو مجموعات رفض إدارية داخل أجهزتها، يعتقد أنها تقاوم مسار التغيير في البلاد. ويشكك الرئيس الجزائري في وجود تواطؤ في مؤسسات وأجهزة الدولة لصناعة مناخ من التوترات، وقال: "كيف يتخذ مجلس الوزراء قرارات لمساعدة العائلات الفقيرة، ويقر تعويضات للأطباء، وبعد ثلاثة أشهر نكتشف أنه لم يتم تنفيذ القرارات ولم تصل المنح؛ لصالح من ومن يود تعطيل التغيير؟ لكن لا مناص من مواصلة معركة التغيير".
يشكك الرئيس الجزائري في وجود تواطؤ في مؤسسات وأجهزة الدولة لصناعة مناخ من التوترات
وربط تبون بين ذلك وبين حوادث أخيرة، كأزمة السيولة المالية، وقطع الكهرباء والماء عن الأحياء السكنية عشية عيد الأضحى، وقال: "هناك تواطؤ داخل الإدارة... التحريات مستمرة لمعرفة الأسباب والمسؤولين بشأن الحوادث المشبوهة والمتزامنة التي شهدتها البلاد في عز الحر والعيد، وأيضا العنف اليومي واحتمال ارتباطها بحركة احتجاج متنقلة؛ هناك احتجاجات نتفهم ظرفها بسبب ميراث العقدين السابقين، لكن هناك بعض الاحتجاجات مريبة، هي مدبرة لإثارة غضب الناس قصد حرمانهم من حقهم في التغيير الجذري".
وهدد الرئيس تبون عددا من المسؤولين وحكام الولايات بالمحاسبة بسب سوء إدارة الشأن العام وتنفيذ الخطط والقرارات الحكومية. وقال: "بعض الولاة بذلوا جهودا كبيرة خلال الأزمة الوبائية ولتحسين حياة السكان، لكننا لم نلمس للأسف من بعض الولاة أي جهد لتحسين ظروف عيش السكان... ربما سبب هذا التقصير عادة سيئة هي الانتظار من دون المبادرة"، وأكد أنه "اتخذت (أمس) بعض القرارات الجزئية وهي فقط بداية، سنحاسب كل من يقصر"، في إشارة إلى إقالته أمس 12 مسؤولا محليا بسبب خيانة الأمانة والتلاعب بمشاريع تخص مناطق الظل الفقيرة .
واستغرب الرئيس تبون لجوء عدد من المسؤولين إلى "أسلوب سينمائي في التلاعب بالشأن العام"، وقال "لم أفهم كيف وصلنا إلى مشاهد سيئة، كأن يتم وضع عداد للمياه لمواطن بحضور الكاميرا، ثم يتم نزعه بعد أن تذهب الكاميرا، كيف نقوم بتصرفات سينمائية وكوميدية؛ هذا عمل تخريبي ومواصلة لخطاب سلبي، و هذا اللعب يجب أن ينتهي، هناك تعطيل متعمد وتمت إحالة كل المسؤولين للمحاسبة"، مضيفا أن "التقارير المزيفة والحقائق المزيفة هو تصرف يرقى إلى خيانة الأمانة، لأنه يضرب مصداقية الدولة في الصميم. من لا يستطيع عليه أن يتنحّى، أرفض استمرار جلب السكان للمياه من عشرات الكيلومترات، أو انعدم الكهرباء، يجب تزويد هؤلاء السكان بالكهرباء عبر اللوحات الشمسية بانتظار توصيلها لهم".
وفي السياق، أعلن الرئيس تبون فتح "باب التوبة" والعودة للمسؤولين، سياسيين وأمنيين، ممن يرغبون في ذلك، وقال: "لا يجب أن تكون خبارجي (مخبرا) ضد بلدك لصالح بلد آخر مقابل مصالح تزول، من يريد التوبة أو تمت مغالطته سابقا فالباب مفتوح ولن يكون خصما، يجب أن يفكر كل من يخدع البلاد كيف سيعيش أبناؤهم غدا وماذا سيقولون لهم وأمام الله"، ويقصد في هذا الصدد قيادات أمنية وعسكرية في الداخل وأخرى فارة في الخارج، هي محل بحث من قبل القضاء بسبب تورطها في قضايا تخص الأمن والوثائق والتسريبات الأمنية، إذ كان القضاء العسكري أمس قد أصدر أمرا بالقبض على القائد السابق لجهاز الدرك، غالي بلقصير، الفار في فرنسا، والمدير السابق لمكتب قائد أركان الجيش الذي تم تسلمه من تركيا، وعسكري آخر برتبة رائد واسمه هشام درويش، وجهت لثلاثتهم تهمة الخيانة العظمى والاستحواذ على معلومات ووثائق سرية بغرض تسليمها لأحد عملاء دولة أجنبية.