قدم ديوان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، صيغة معدلة لمبادرته التشريعية المتعلقة بالمصالحة الاقتصادية والمالية، تجاوباً مع الملاحظات والانتقادات المقدمة من نواب لجنة التشريع التي تناقش المقترح، إلا أنها لم تتجاوز عتبة تغييرات شكلية وتوضيح بعض المفاهيم دون أن تمس جوهر المشروع، الذي هو محل اعتراضات المعارضة والمجتمع المدني والتحركات المجتمعية.
وقال مدير الديوان الرئاسي، سليم العزابي، في مراسلة لرئيس لجنة التشريع العام، حصل عليها "العربي الجديد"، إن "الرئاسة أعدت صيغة أولية تعتمد تعديلات مقترحة كخطوة أولى في إطار منهجية تعتمد على الحرص على استكمال مسار العدالة الانتقالية وملاءمة مقتضيات قانون المصالحة مع قانون العدالة الانتقالية".
وأوردت المراسة أن "الرئاسة اتخذت نهج إدراج الآليات المرتبطة بمسار العدالة الانتقالية، وخصوصاً في الاعتذار والكشف عن الحقيقة وحفظ الذاكرة الوطنية والشفافية، ولا سيما في عمل لجنة المصالحة التي ستتولى الإشراف على عمليات الصلح واسترجاع الأموال من خلال نشر تقاريرها وتقرير دائرة المحاسبات المتعلقة بالأموال موضوع الصلح أو العفو".
ووفق الصيغة المعدلة التي أحالتها الرئاسة للبرلمان، فإن "أغلب التغييرات كانت على مستوى صياغة النص، فيما تمثلت أهم التعديلات في تنقيح الفصل الثاني، بحيث تم ضبط الجرائم التي تدخل في مشمولات قانون المصالحة والتي سيشملها عفو عام بدل إيقاف التتبّعات والمحاكمات، حيث ينص الفصل المنقح على أن تتوقف التتبعات والمحاكمات في حق من قدمت ضدهم قضايا في الفساد الإداري والمالي ومخالفة التراتيب الإدارية واستغلال النفوذ وسوء التصرف في الأموال العمومية".
ويشمل العفو أيضا "مبالغ جبر الضرر المادي والمعنوي المسلطة على من ارتكبوا الجرائم المذكورة والتي أقرها القضاء أو التي تقرها هيئة الحقيقة والكرامة قبل صدورالقانون".
وعلقت "الجبهة الشعبية" على الصيغة المعدلة معتبرة أنها "لم تقدم أي جديد يذكر، بل اكتفت بصقل النص وتحسين صياغته القانونية ليس أكثر".
وأوضح النائب مراد الحمايدي، لـ"العربي الجديد"، أن "النواب توقعوا أن تسحب الرئاسة التونسية المشروع القديم وتحيل مشروعا جديدا يحفظ مسار العدالة الانتقالية ولا يخرق الدستور، إلا أنها قدمت مجرد تعديلات وأرجأت إعادة النظر في الفصول الخلافية المهمة".
من جهتها، قالت النائبة عن التيار الديمقراطي سامية عبو، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "الرئاسة ناقضت نفسها، حيث أكدت في تقديمها للصيغة المعدلة على التزامها بمسار العدالة الانتقالية من كشف حقيقة وجبر للضرر، إلا أنها حافظت على التنصيص على السر المهني، في ما يتعلق بالمعلومات التي ترد إلى لجنة المصالحة من المتقدمين للصلح، والتي تبيّن كيفية حصولهم على المنافع ومن ساعدهم على ذلك ومن تورط معهم فيها، وهو ما يعني أن جزءا من الحقيقة سيظل غائبا".
وشرحت عبو أن "الضحية في مشروع القانون لا تزال مغيّبة، فالدولة ضحية ومرتبكة انتهاك في آن واحد، في حين أن الضحية الحقيقية هي المجموعة الوطنية ودافعو الضرائب الذين نهبت أموالهم، ما يعني أن الاعتذار يجب أن يوجه للشعب أساسا مع بيان كل أركان الجريمة وتفاصيلها في إطار العمل على تفكيك منظومة الفساد".
وشدد تنصيص الجهة صاحبة المبادرة على أن يشمل القانون كامل الفترة التي سبقت صدوره، مذكرة بأن مسار العدالة الانتقالية يشمل الفترة الممتدة بين 1955 و2011 (منذ الإعلان عن الاستقلال الذاتي لغاية ثورة 14 يناير).
وعلقت عبو على ذلك بالقول إن "قائدا البلاد الحقيقيين، وهما رئيس البلاد الباجي قائد السبسي وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، قررا في إطار التوافق بينهما العفو عن الفاسدين وعن كل الجرائم منذ ما يعرف باتفاق باريس بينهما، ولذلك شملت الفترة التي يغطيها قانون المصالحة الحقبة الماضية وحتى الفترة التي حكمت خلالها النهضة (2011 - 2014)".