مع حلول ذكرى الربيع العربي سنوياً، يتجدد الجدال بين المؤيدين والمعارضين. بين فريق يراه حلاً للأزمات العربية المتراكمة، وفريق يراه مؤامرة خارجية لتدمير دول كانت تزعم أنّها مستقرة. بين من يرون أنّ ما قبل الربيع أفضل ممّا بعده، ومن يرون أنّ تعمّد إفشاله هو سبب ما نحن فيه من بلاء، متجاهلين أنّ أنواعاً أخرى من البلاء كانت قائمة قبله.
وسط النقاش السنوي المتجدد، يلجأ بعضهم إلى استحضار ما عاشه من ذكريات، وما عاش فيه من أحلام، ويُظهر آخرون ما يضمرونه من كراهية، كما تتكشف فصول جديدة من قصة الربيع وفصول المؤامرة على أحلام شبابه.
انتصرت الثورة المضادة في دول الربيع بأشكال مختلفة، ولم تتحقق الأهداف الرئيسية التي خرج المواطنون في عدد من الدول من أجلها، حتى في تلك الدول التي تغيّرت فيها الأنظمة، كان التغيير شكلياً أو غير متوافق مع الطموحات.
فشل الربيع العربي واقع لا يجادل فيه إلا أعمى، حتى تونس التي ندّعي أنّها أحسن حالاً من باقي بلدان الربيع ليست في أفضل أحوالها، وما زالت تعاني من مشكلات عدّة، اقتصادياً واجتماعياً، وإن كان بعضهم في دول أخرى يحلمون أن تصل بلادهم إلى ما وصلت إليه تونس.
لا يمكنك بحال أن تقارن الوضع المرتبك في تونس بالدمار والقتل وضبابية المستقبل في سورية أو اليمن أو ليبيا، ولا يمكنك مقارنة تونس بالوضع في مصر التي تعيش وهم انتظار الانتخابات الرئاسية المقبلة، في ظلّ تدمير كامل لكلّ مكتسبات الثورة التي تفاءل بها كثير من العرب لإنقاذهم من الأنظمة المستبدة القابعة على مقاعد الحكم في بلدانهم.
أحوال من شاركوا في الربيع العربي أيضاً متباينة بتباين أحوال بلدانهم، أو البلدان التي انتقلوا إليها، وكذا بقدرتهم على التحمّل أو التمسّك بالأمل.
بعض هؤلاء قرّر الانضمام إلى تيارات متطرّفة، وبعضهم قرّر الانعزال عن الدنيا، وبعضهم الآخر قرّر عدم الصدام مع الأنظمة الجديدة وانصاع للأوضاع الجديدة ليصبح مواطناً على مقاس النظام، لكنّ فريقاً ثالثاً ما زال يقاوم.
يرى كثيرون، أنّ الثورات المضادة كانت حتميّة، فالأنظمة التي قامت الثورة عليها لم تكن لتسمح لتلك الثورات أن تنجح، وكانت منذ اللحظة الأولى تتحيّن الفرص للإجهاز عليها بالتعاون مع أنظمة أخرى شعرت بالتهديد من تقويض عروشها بعد الثورات، مثلما انتقلت الشرارة من تونس إلى مصر ثم إلى ليبيا واليمن وسورية.
الواقع يظهر أيضاً أنّ سذاجة الثوار، وسوء النخبة من مثقفين وفنانين وأكاديميين، وفساد العسكريين، كلّها أسباب مباشرة لفداحة نتائج الثورة المضادة التي ضربت بلداناً لطالما تفاخرت بالحضارة.