الديون تُهلك الطلاب الأميركيّين

23 ابريل 2015
بعد التخرج يبدأ الطلاب بتسديد الديون (بوسطن غلوب)
+ الخط -

كانَ لأزمة التعليم الجامعي وكلفة الدراسة في الجامعات الأميركية، حيز هام في نقاشات الحزبين الجمهوري والديموقراطي في انتخابات الكونغرس النصفية الأخيرة (عام 2014) والانتخابات الرئاسية عام 2012. الأمر ليس مستغرباً وخصوصاً أن كلا الحزبين يحرص على الاهتمام بمشاكل الأميركيين، وتحديداً فئة الشباب الذين تلاحقهم أعباء ديون التعليم الجامعي لسنوات بعد إنهاء الدراسة. من جهة أخرى، تعد هذه الديون جزءاً أساسياً من حجم الدين العام للدولة (بنسبة 6 في المائة)، أي ما يعادل نحو 1.2 مليار دولار أميركي بحسب إحصائيات صدرت عام 2014.

وتجدر الإشارة إلى أن عدد الأميركيين الذين حصلوا على قروض التعليم الجامعي يصل إلى نحو 40 مليون مواطن، علماً أن الحكومة الفدرالية وحكومات الولايات تقدّم قروضاً للطلاب على أن يبدؤوا تسديدها بعد انتهاء الدراسة من خلال تقسيطها، كلٌّ بحسب راتبه.
يدرسُ في الجامعات والمعاهد العليا الأميركية نحو 20 مليون طالب سنوياً، علماً أن 70 في المائة من الذين تخرّجوا عام 2013 مديونون بنحو 26 ألف دولار (للشخص الواحد) أو أكثر بحسب الجامعة والمدينة، بالإضافة إلى عوامل أخرى منها حصوله على منحة والوضع المادي للعائلة وغيرها من الأمور. وفي وقت توفّر كثير من الجامعات المرموقة في عدد من الدول الأوروبية تعليماً مجانياً أو بتكاليف منخفضة للطلاب، حتى الأجانب منهم، فالتعليم في الجامعات الأميركية يعدّ مكلفاً جداً.

نظرة سريعة على أقساط الجامعات توضح أسباب هذه المديونية العالية، والتي قد يكون لها عواقب وخيمة على حياة البعض بعد التخرج، وعلى الاقتصاد الأميركي بشكل عام. وعادةً ما يرتبط مصطلح الجامعات الحكومية بالتعليم المجاني في كثير من البلاد، إلا أنه لا ينطبق على الولايات المتحدة. ويصل معدل قسط الجامعات الحكومية إلى 8400 دولار في السنة للطالب من داخل الولاية. أما من هم خارج الولاية، فيصل الرقم إلى 19 ألف دولار في السنة.

ويعودُ سبب ارتفاع أقساط الجامعات الحكومية بشكل عام إلى التغيّرات التي طرأت على البلاد خلال العقود الثلاثة الأخيرة، والتي أدت إلى تقليص حجم الدعم الحكومي لجامعات الولايات بسبب سياسات تخفيض الضرائب التي ينتهجها المحافظون، بالإضافة إلى اعتماد نموذج اقتصاد الشركات الكبرى في الجامعات الأميركية بهدف جعلها مربحة ومستقلة اقتصادياً، ما أدى إلى تضخم الملاك الإداري ذي الرواتب العالية.

أما في الجامعات الخاصة، فيصل قسط السنة الدراسية الواحدة إلى نحو 31 ألف دولار أميركي، علماً أن هذا الرقم لا يتضمن تكاليف المعيشة والسكن والسفر والكتب وغيرها. وترتفع الأقساط في بعض الجامعات الخاصة المرموقة كجامعة كولومبيا في نيويورك، ويصل قسطها إلى نحو 51 ألف دولار بحسب تقرير لمجلة "أخبار الجامعات الأميركية". صحيح أن كثيراً من هذه الجامعات تُقدّم منحاً دراسية للطلاب المتفوقين أو الفقراء، إلا أنها تبقى قليلة نسبياً، وبالتالي لا يمكن الاستغناء عن القروض، وخصوصاً أن كلفة المعيشة في كثير من هذه المدن مرتفعة.

إلى ذلك، تُواجه الطلاب مشكلة أخرى بعد التخرج، تتمثل في دفع أقساط قروض التعليم الجامعي. وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة بدأت خلال السنوات الأخيرة في تحويل القروض إلى المصارف والشركات الخاصة، علماً أن هذه الأخيرة تتلاعب بالقوانين بهدف مضاعفة أرباحها. من جهة أخرى، ينعكس التخلّف أو التأخّر عن سداد القروض سلباً على إمكانيات الحصول على ضمانات أو توقيع عقود شراء، بالإضافة إلى صعوبة الحصول على بطاقة ائتمان لأن ذلك يشترط تاريخ اقتراض حسن، وتحديداً تسديد القروض في الموعد المحدد.

وعلى الرغم من احتلال عدد كبير من الجامعات الأميركية أفضل المراتب عالمياً لناحية مستوى التعليم، إلا أن تكاليف التعليم الباهظة، حتى في الجامعات الحكومية، تجعل من التعليم الأكاديمي محصوراً نوعاً ما بالأغنياء أو أبناء الطبقات المتوسطة، التي تتقلص نسبتها يوماً بعد يوم، وبالتالي قدراتها على مساعدة أبنائها في الأقساط الجامعية. بذلك، تبقى إمكانية تحسين الأوضاع المعيشية وبالتالي الأوضاع الاقتصادية المزرية لكثير من الأميركيين ضعيفة جداً وخصوصاً أن أقساط الجامعات تستنزف مالهم، ما يضع علامات استفهام حول إمكانية تحقيق "الحلم الأميركي".
المساهمون