البيوت القديمة في تونس تُسمى "الديار العربي"، تتألف من غرف عدة تتوسطها ساحة كبيرة هي "وسط الدار"، التي تكون فسحة للبيت تسمح بدخول الهواء وأشعة الشمس. لا تختلف كثيراً عن الطراز المعماري للبيوت في بعض الدول العربية الأخرى، ومنها بيوت العاصمة السورية دمشق، لكنّها تختلف فقط في المواد المستخدمة للبناء والزينة.
تتميز تلك البيوت بالقرميد والسيراميك الذي يزين الجدران وسط الدار. وغالباً ما تكون الأسقف مقوسة ومزخرفة برسوم من الطبيعة والألوان والخط العربي. كما يُستخدم الطلاء الزجاجي على الأرضية ويكون مزخرفاً بأشكال عدة. لكن منذ تسعينيات القرن الماضي، تغيّرت الثقافة المعمارية في البلاد، وبات معظم التونسيين يشيدون بيوتاً على الطراز الغربي أو يقطنون شققاً في عمارات. على الرغم من ذلك، تحافظ غالبية العائلات التونسية على ما ورثته من بيوت قديمة في المدن العتيقة، على غرار العاصمة وسوسة ونابل وبنزرت وغيرها. بعض تلك العائلات ما زالت تقطن فيها، فيما حوّلها البعض إلى مقاه أو دور ثقافة. عائلات أخرى اختارت إغلاقها وترميمها باستمرار والاعتناء بأثاثها للحفاظ على التراث المعماري الذي يعكس تفاصيل حياة التونسيين خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي. كما برزت هذه البيوت في الأفلام والدراما التونسية، التي جسّدت عادات وتقاليد التونسيين.
في هذا السياق، يقول صاحب أحد البيوت القديمة وعضو جمعية صيانة مدينة بابل أنور المرزوقي، لـ"العربي الجديد"، إنه ورث منزله عن جده، ولم يفكر في بيعه يوماً على الرغم من أنه لا يقطن فيه حالياً. هذا البيت يذكّره بجدته ووالديه وطفولته التي قضاها فيه لأكثر من 15 عاماً. كما حافظ على كل الأثاث القديم، وخصوصاً أن بعض القطع تعد نادرة وتباع في أسواق الأنتيكا بأثمان باهظة. حافظ على ترتيبها وموقعها في كلّ ركن. ولم يكتف بترميم جدران البيت، بل حرص على إعادة رسم الزخارف وتلوينها كجزء من الترميم من دون تغيير أي تفصيل.
وعادة ما تكون أبواب تلك البيوت القديمة كبيرة الحجم، تتوسطها فتحة صغيرة تسمى "خوخة" لدخول وخروج الأشخاص. وغالباً ما تلون تلك الأبواب بالأزرق أو الأصفر أو الأخضر، وتزود بقطعة حديد تسمى "طقطوقة" للطرق عليها. ولشدة تميّزها، عمد أصحاب البيوت إلى الحفاظ على شكلها حتى في حال الاضطرار إلى صنع باب جديد للبيت، فكل شيء يعاد كما كان.
لدى الدخول إلى أحد تلك البيوت، تجد نفسك أولاً في غرفة تُعرف بـ"السقيفة"، حيث ينتظر الضيوف قبل أن يُؤذن لهم بالدخول إلى غرفة الاستقبال، وذلك بعد التأكد من حجب النساء في غرفهن. وتحتوي تلك البيوت القديمة عادة على غرفتين للاستضافة، واحدة للنساء وأخرى للرجال.
وفي تلك البيوت بئر تُستعمل مياهه للغسيل والتنظيف والشرب، ولم تكن غالبيتها مزودة بقنوات مياه صالحة للشرب. وعلى الرغم من وجود قنوات للتزود بالمياه اليوم، إلا أنّ أصحابها لم يردموا الآبار.
في أحد البيوت القديمة في مدينة بنزرت، الذي يعود إلى ستينيات القرن الماضي، كل شيء قديم، كجهاز الراديو والهاتف والستائر والأثاث والمفارش وغيرها، وكلها مرتبة بعناية فائقة ولا غبار في المكان، على الرغم من أن المنزل لا يقطنه أحد.
في هذا السياق، يقول صاحب المنزل عبد الحميد السليماني، إنه وزوجته يفتحان البيت كل أسبوع من أجل التهوئة، وينظفانه من الغبار ويتفقدان أثاثه. كما أنّه يحرص وأشقاؤه على ترميمه وإعادة طلائه وإصلاح أي تشققات في سقفه وجدرانه من وقت إلى آخر. يضيف أنه في بعض الأحيان، "تجتمع عائلتنا فيه أو تُقام حفلات زفاف الأقارب". كما تمّ استعمال بيته لتمثيل بعض المسلسلات التونسية والأفلام القديمة. وعلى الرغم من الإغراءات التي عرضت عليه لبيع المنزل، إلا أنه لم يفكر في ذلك يوماً.
ويؤكد عبد الحميد أنه خلال ترميم المنزل، يحرص على استخدام المواد نفسها التي كان قد شيد بها، للحفاظ عليه وعدم تشويهه. صحيح أن السيراميك الذي كان يستخدم في الماضي وغيره من المواد لم تعد متوفرة بالجودة نفسها، إلا أنه يتوخى الحذر للحفاظ على شكل البيت كما هو.
تجدر الإشارة إلى أنه في المدن العتيقة تولت الدولة الحفاظ على جزء كبير من هذه البيوت. ويتولى المعهد الوطني لحماية التراث ترميمها باستمرار، ليتحولّ بعضها إلى متاحف أو دور عروض فنية، تحكي بعضاً من تاريخ المدن القديمة.