في عالم كرة القدم، تبزغ بين الحين والآخر أسماء لمدرّبين تألقوا في الدوريات المحليّة، وتمكّنوا من حصد الألقاب فيها؛ فتقوم وسائل الإعلام بالتركيز على بعض تلك الأسماء، وتبدأ بالتكهّن عن مصير هؤلاء المدرّبين وإمكانية انتقالهم للدوريات الكبرى، وتقلّد مهمة إدارة الأندية العريقة فيها؛ ولا سيما بعد أن أصبحت ظاهرة الاحتراف والاعتماد على مدرّبين أجانب أمرًا شائعًا في الدوريات الأوروبية الكبرى.
وبين الدوريات الكبرى، يحتل الدوري الإنكليزي الممتاز المرتبة الأولى من حيث اعتماد أنديته على المدرّبين الأجانب، ففي بداية الموسم الحالي، وصل عدد المدرّبين غير الإنكليز في الدوري الإنكليزي إلى 13 مدربًا، قبل أن يقيل "ليستر سيتي" رانيري ويعتمد على شكسبير بدلًا منه، ليكون عدد المدرّبين الأجانب في الدوري الإنكليزي في الوقت الحالي 12 مدربًا، في حين لا يوجد سوى 8 مدرّبين لا يحملون الجنسية الألمانية في الدوري الألماني، و7 مدرّبين لا يحملون الجنسية الإسبانية في الدوري الإسباني، و4 فقط لا يحملون الجنسية الإيطالية في الدوري الإيطالي.
ولكن المدرّبين الذين اعتادوا على نغمة الانتصارات في دورياتهم المحليّة، والذين ساهمت تجاربهم في الدوريات الأوروبية بصناعة فقاعتهم الإعلامية، غالبًا ما تتكسّر صورتهم عندما يتّجهون إلى الدوري الإنكليزي؛ وهذا ما يُمكن قراءته بوضوح في الموسم الحالي، حيث يضم الدوري الإنكليزي عددًا كبيرًا من المدرّبين ذاع صيتهم، وقدّمهم الإعلام كأساطير في عالم كرة القدم، وأبرزهم الإسباني بيب غوارديولا، والبرتغالي جوزيب مورينيو والألماني يورجين غلوب؛ ويصارع هؤلاء مع أنديتهم حتى الجولة الأخيرة من أجل حجز مقعد في دوري الأبطال الموسم القادم، وتنازلوا عن الصراع على اللقب قبل أسابيع طويلة.
والوضعية الحالية لأساطير التدريب مع أنديتهم، تؤكّد على أمرين، وهما: أنه لا قيمة للفقاعات الإعلامية على أرض الملعب، فالصفقات الكبيرة واسم المدرّب قد تؤثّر على الناحية النفسية والمعنوية في طريق الحصول على اللقب، ولكنها لا تعني الحصول على الألقاب؛ وكذلك فإن ما يحدث في الدوري الإنكليزي يؤكّد على صعوبة الدوري الإنكليزي، الذي بات بمثابة مقبرة للأساطير، فغوارديولا مثلًا، الذي روج له لأعوام على أنه أفضل مدرّب عرفته كرة القدم عبر تاريخها، خرج هذا الموسم خالي الوفاض، دون أي لقب يحفظ له ماء الوجه.
وهنا لا بد من التطرّق لقضية هامة، اقترنت بظاهرة اعتماد الأندية الإنكليزية على المدرّبين الأجانب، وهي السمعة السيئة للمدرّبين الإنكليز في الآونة الأخيرة، ويعود السبب في ذلك إلى ابتعاد المدرّبين الإنكليز عن منصّات التتويج منذ زمنٍ بعيد، فتاريخ آخر لقب حصده مدرّب إنكليزي في الدوري الإنكليزي، يعود لسنة 1992، حيث حصد اللقب المدرّب هوارد ويلكنسون مع نادي ليدز يونايتد، وكذلك، رسّخت تجارب المدرّبين الإنكليز خارج بلادهم، الصورة السيئة للمدرّب الإنكليزي في العقود الأخيرة، ولا سيما تجربة غاري نيفل مع فالنسيا العام الماضي، وتجربة توني آدمز مع نادي غرناطة قبلها.
ويبدو أنه من الصعب الإجابة على السؤال: ما هو الحل الأمثل للأندية الإنكليزية؟ هل ستستمرّ بعد تجارب العام الحالي بالاعتماد على أساطير التدريب، الذين روّجت لهم باقي الدوريات الكبرى بمبالغ فلكية؟ أم أنها ستعتمد على المدرّبين الإنكليز، الذين لم يتمكّنوا منذ 5 أعوام من حجز مقعد في دوري أبطال أوروبا؟
غالبًا، لن تتوقّف الأندية الإنكليزية المتعطشة للألقاب عن بذل الأموال في سبيل الحصول على خدمات أساطير التدريب في عالم كرة القدم الحديثة، رغم اتضاح آلية صنع الفقاعة، ولن يتمكّن المدرّبون الإنكليز من الوصول إلى منصّات إدارة الأندية الكبرى إلا عن طريق الصدفة، فشكسبير الذي بصم على أداء ممتاز مع بطل الموسم الماضي ليستر سيتي بعد إقالة رانيري، ما كان ليأخذ مكانه لولا الظروف السيئة التي عاشها النادي، والتي دفعت البطل لإقالة المدرّب الإيطالي الكبير.