أعلنت الدنمارك تعافي سوق العمل من أزمته التي دخل فيها منذ عام 2008، بعدما شهدت الأشهر القليلة الماضية أكبر نسب توظيف منذ الأزمة، إضافة إلى الإصلاحات "القاسية" التي تنفذها الحكومة لدعم الاقتصاد وتشجيع اليد العاملة على الدخول إلى سوق العمل.
وأظهرت تقارير نشرت الثلاثاء بأن شهري ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني شهدا أكبر نسبة توظيف منذ أبريل 2008. واستقبل سوق العمل في المجمل 187 ألف موظف جديد في السنوات الأخيرة وهي النسبة الأعلى على مدى سنوات الأزمة، 7200 منهم سُجل في يناير/ كانون الثاني، ليصل إجمالي الموظفين في البلد إلى مليونين و735 ألف موظف، وفقاً لأرقام رسمية صادرة عن "الإحصاء الدنماركي".
وكان قطاع الشركات والمنظمات الاقتصادية قد شهد النسبة الأكبر في مجال زيادة أصحاب الأجور، بمستوى هو الأكبر منذ مارس 2008. كما استقبل قطاع الخدمات العامة 600 موظف جديد خلال الشهر ذاته.
ورأى رئيس الوزراء الدنماركي الليبرالي لارس لوكا راسموسن بهذه الزيادات أنها "دليل تعاف للاقتصاد الدنماركي، وهو مؤشر يدعو للسعادة، ويفيد بأن الأمور بكل المستويات ايجابية"، وفقاً لما قاله للقناة التلفزيونية الرسمية.
واعتبر راسموسن أن الأرقام الصادرة عن الاحصاء الدنماركي "مؤشر إلى عودتنا للحالة التي كنا عليها قبل الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008".
ويعود هذا التعافي للإصلاحات التي أدخلتها حكومة ائتلاف الليبراليين والمحافظين إلى سوق العمل، وفقاً لما أكده، معتبراً أنها "حمّست اليد العاملة للدخول إلى سوق العمل، ولكن لا يمكن فصل هذا التقدم عن تعافي الاقتصاد العالمي، وخصوصاً في أوروبا حيث بدأنا نحصد ثماره الآن".
وأدخلت حكومة يمين الوسط تعديلات على المساعدات المالية لتشجيع الناس على قبول التوظيف، بالإضافة إلى تخفيض قيمة البدل اليومي بمقدار النصف ورفع سن التقاعد، ما ساعد على "رفع المستوى الاقتصادي".
وترى الحكومة بأن من الضروري المحافظة على التبدلات الإيجابية، وخصوصاً مع دخول 100 ألف إلى سوق العمل الخاص. ويؤكد وزير الاقتصاد سيمون اميتزبول (حزب التحالف الليبرالي)، أن الحكومة "لديها طموحات كبيرة للاقتصاد الدنماركي بحيث تصبح بلداً جاذباً للعيش والعمل والاستثمار فيه".
ومن الجدير ذكره أنه منذ 2009 والدنمارك تشهد إصلاحات اقتصادية وسياسية - اجتماعية بقصد رفع مستوى الاقتصاد، ومن بينها تسريع عملية التوظيف للخريجين كي لا يقعوا فريسة تلقي مساعدات المياومة بدلاً من الراتب.
ووافقت الحكومة باتفاقيات سياسية بين مختلف الأحزاب البرلمانية، على منح التقاعد المبكر لكل من هو تحت سن الأربعين. ومن أهم الإصلاحات، "المؤلمة" برأي منتقديها، في الأعوام الماضية تخفيض بدل الراتب للعاطلين عن العمل بمقدار النصف لإجبارهم على القبول بما يعرضه السوق بدلاً من الانتظار لسنة ونصف السنة.
ويتبين من الأرقام وتوزعها بأن المدن الكبرى صاحبة حصة الأسد في الزيادات الطارئة على سوق العمل. وهو ما أكده مدير الاقتصاد في المؤسسة المالية "الائتمان الجديد"، تور سترامر. وأشار إلى أن "حصة كوبنهاغن وآرهوس الأكبر على الإطلاق بين حصص بقية مناطق البلد".
والمرة الأخيرة التي شهدت الدنمارك أعلى نسبة توظيف كانت في أبريل/ نيسان 2008 قبل أن تدفع الأزمة الاقتصادية بالآلاف نحو البطالة.
ويرى المختصون بأن حجم الزيادة الكبير يجب أيضاً أن يقرأ بالتزامن مع زيادة أعداد الشعب خلال العقد الأخير، وهو ما يتطلب، برأي مدير الاقتصاد في بنك الجنوب "سود بنك" الدنماركي، سورن كريستنسن، وقتاً للعودة إلى معدل عمالة بمستوى قبل 2008 للفئة بين 16 و64 سنة، إذ وصلت إلى 72 % في فبراير/ شباط 2008، فيما وصلت في يناير/ كانون الثاني الماضي لنحو 70%.
ويتضح أيضا، من الأرقام الجديدة، أن أعداد الأجانب المنخرطين في سوق العمل الدنماركي زاد خلال السنوات الماضية.
وأكد وزير الاقتصاد، خلال الخريف الماضي، أثناء عرضه للحالة الاقتصادية، أن "من بين 150 ألف ملتحق في سوق العمل الدنماركي شكلت القوة العاملة الأجنبية ما نسبته 40%، وهو أمر إيجابي برأيه، على رغم أنه يرى أن الأولوية يجب أن تكون لإدخال المزيد من الدنماركيين في سوق العمل".
وتشهد قطاعات البناء اتساعاً كبيراً في الدنمارك، وخصوصاً في مجال الإسكان الجديد، ما يدفع سهم الوضع الاقتصادي للأعلى، بتقدير المختصين بالحركة الاقتصادية للبلد.
ووفقاً لما تستخلصه الحكومة الدنماركية من هذه التطورات الإيجابية، فإن البلاد قد تعاني في عامي 2018 و2019 من نقص في أعداد الجاهزين للتوظيف، ولكن يمكن التعامل مع هذه المخاوف بالدفع بالخريجين الجدد وكبار السن وقوة عمالة أجنبية لتغطية الحاجات".
وترى الحكومة بأن النقاش حول "زيف العمالة الحالية"، إن كانت وطنية أم أجنبية، تؤكد عدم صحته الحاجة السوقية للطرفين خلال الفترة المقبلة.