الدراما وتوظيف الصراع الطائفي

02 نوفمبر 2016
المقاربة التاريخية تحمل في أوقات كثيرة مقاربة طائفية (LBCI)
+ الخط -
لم يوفر الصراع السياسي ذو البعد الطائفي، ساحة الدراما كإحدى مجالات المواجهة، إذ ظهر خلال السنوات القليلة الماضية العديد من المسلسلات التاريخية ذات الطابع الديني، وهي تتناول سيرة بعض الرسل والشخصيات الإشكالية والتاريخية، وفق سردية تتناسب وتنسجم مع الرؤى الطائفية في المنطقة.
جاء التوجه نحو الدراما، بسبب توفيره صوراً مادية ومرئية، تجسد باللحم والدم شخصيات تاريخية، تشكل جوهر الخلاف الطائفي، مثلما يؤكد حضورها الدرامي صدق الخطاب الطائفي، كحقيقة لا تقبل النقاش أو التأويل حول السردية التاريخية المتكملة والمكتفية بذاتها.
مع تفجر الصراعات المسلحة، وتداخلها مع النزاع الطائفي ومساربه، تبوأت الدراما دوراً وظيفياً في النزاع الطائفي، إذ لم تؤخذ الدراما كأداة لمحاسبة التاريخ فقط، بل كجهة قادرة على التعبئة والتحشيد، عبر جعل العمل الدرامي يلعب دورا شبه "دعوي".
ولعل إيران كانت السباقة في هذا المجال، إذ تبنت السلطات هناك، ومنذ انطلاقة ثورتها الإسلامية عام 1979، سياسة تطويع الفنون وتسخيرها في خدمة أهداف تلك الثورة. لذا لم يكن من المستغرب ظهور الخشية العربية من الإصرار الإيراني على دبلجة مسلسلاتها الدينية إلى اللغة العربية، واعتبار تلك المسلسلات رسائل سياسية بصيغة فنية، لا تخلو "من مضامين دعائية للمذهب الشيعي"، غايتها الوصول إلى قلب المشاهد العربي وعقله، "والتشويش على عقيدته" المذهبية. فالدراما الإيرانية بحسب هؤلاء، تمثل الجانب الناعم من المشروع الإعلامي المهيأ للمشروع السياسي لإيران في المنطقة.

في المقابل، كانت التجربة العربية مع ما يمكن تسميته " بالدراما الطائفية" مختلفة، إذ لم تتبن أي دولة ذلك التوجه بشكل صريح وواضح، في حين جاء الدعم من جماعات أهلية طائفية وغير رسمية، فموضوع الأديان والمذاهب كان ممنوعا في الدراما العربية إلى وقت قريب، على اعتبار أنها من المحرمات الاجتماعية والسلطوية، في حين، تمييز الطرح الغالب لموضوعات كهذه، بالخجل والمواربة، وبالكاد كنا نلمح إشارة دينية في المسلسلات، وذلك لتوظيفها في سياق درامي يحض على "الوحدة" و"المحبة والتسامح"، وفق رؤية سياسية تتفق ونظم الحكم.
لكن هذا الأمر تغير بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وتبدلت المعطيات السياسية، فظهرت مسلسلات درامية تشير إلى وجود التيار السلفي ضمن النسيج الاجتماعي، تبعتها مرحلة التركيز على التطرف والإرهاب كخطوط رئيسية في الأعمال الدرامية. ترافق ذلك مع الحاجة للدراما كمساهم حقيقي في خلق مركب هوياتي مدعوم بالصور المرئية والتلفزيونية، صور ترفع من قيمة الذات في مواجهة العالم وتعقيداته غير المفهومة، بعد فقد الثقافة المكتوبة بريقها ودورها الريادي في تشكيل الهويات.

حقيقة، لا توجد أي مشكلة في معالجة الدراما للتاريخ وسير الشخصيات الإشكالية، وسرد تأثيراتها على أحداث تاريخية، مرت عليها قرون متعاقبة، خاصة إن خضعت تلك التأثيرات لهاجس تقديم ثقافة حرة، تدعم ثقافة أبناء الطوائف التي تغني المشهد الثقافي العام، وتقوي هوياتنا المركبة والمتداخلة.
وعليه فإن المشكلة تأتي من شكل وأسلوب تقديم تلك الأعمال الدرامية، وفق رؤية تنسجم والتوجهات الطائفية؛ أي استغلال وعي جماعات مذهبية وأهلية، بنيّة تحقيق مكاسب سياسية. الأمر الذي يعتبره بعضهم محاولة لإبراز سردية تاريخية على حساب سردية مقابلة، تنعكس على الحاضر بزيادة سعير نار الصراع الطائفي.

في النهاية، بات واضحاً أن الدراما التي تخفي وراءها أهدافا أيديولوجية مواربة، لن تتوانى عن قصف المستقبل بالأحقاد غير المسؤولة، وذلك باستحضار خلافات تاريخية، "تشوش" على الحاضر وتأسره لمصلحة توجهات لا تعرف التسامح. لذا من الضروري تحييد البعد الطائفي، ليس عن الفن وحده، بل عن النزاع المسلح أيضا، وذلك بإظهار الفرق بين الطائفية، كنهج سياسي لا بد من نبذه ومحاربته، وبين الطائفة كظاهرة اجتماعية ثقافية تستوجب الدعم والمساندة.

المساهمون