الدراما السوريّة... انهيار الإنتاج المحلي وصعود الدراما المشتركة

21 أكتوبر 2019
تتشارك لبنانيات البطولة مع الممثلين السوريين (تويتر)
+ الخط -
أثرت الثورة السوريَّة على جميع القطاعات الاقتصادية والاجتماعية. فتراجعت البلاد إلى حالة من التدني في المستوى المعيشي والخدمي، إضافةً إلى تصاعد موجات اللجوء من المدن السورية إلى خارج البلاد.
ونال قطاع الإنتاج الدرامي أفدح الأضرار، فالأعمال الدراميَّة التي قُدِّمَت قبل الثورة، حملت ضخامة في الإنتاج، إضافةً إلى كم كبير من نجوم الصف الأول في سورية الذين خرج بعضهم من البلد مناصراً الحراك الشعبي، ورافضاً لسياسة القبضة العسكرية التي يتبعها النظام. آخرون انتهزوا الفرص التي فتحت أمام الدراما السورية في الوطن العربي، بسبب الخبرة التي يمتلكها الممثل السوري، والتدريب الأكاديمي الذي خضع له.

أسباب الانهيار
مع بدء الحراك الشعبي ضد النظام تراجع الإنتاج الدرامي بسبب فرض عقوبات أميركية على بعض الشركات، مع مقاطعة من قبل بعض القنوات العربية. ما دفع الشركات إلى ضبط عمليتها الإنتاجية، وقلَّصت مشاركاتها، وصارت مقتصرة على أعمال تكاد تكون معدومة الربح، وكلّ ذلك مقابل بقاء وجودها في الساحة الدرامية. شركات أخرى اتجهت لإنتاج أعمال مؤيدة للنظام، وبعيدة كل البعد عن المواضيع الاجتماعية التي تمثّل الشارع. ثمّة سبب آخر أثّر بشكل واضح على الإنتاج، وهو ضعف قيمة الليرة السورية مقابل الدولار، الأمر الذي أدّى إلى انخفاض أجور الممثلين، في ظلّ صعوبة التصوير في بلد تنخره الحرب في كل جهة. وبالتالي، تراجع وجود الممثلين المحترفين ضمن هذه الأعمال، نتيجة عدم توفر مردود مادي كاف، يساعد الممثل في حياته المعيشية.

هيمنة المنصّات البديلة
بعد تسعة أعوام من الثورة في سورية، لم تقدم القنوات الفضائية المحلية التابعة للنظام مساحة كافية لأعمال ذات إنتاج ضخم، بسبب تكريسها حملات إعلامية وسياسيَّة، تُموِّه حقيقة ما يحصل في سورية. ومن أهم الأسباب التي ساهمت في تراجع جماهيرية هذه القنوات، لجوء الشركات المنتجة إلى المنصات البديلة، مثل "نتفليكس" وغيرها من المنصّات التي لا تفرض شروط رقابة قاسية. كما أنَّ هناك سهولة في متابعة الحلقات كاملة بالنسبة للمشاهد على المواقع البديلة، الأمر الذي حوّلها إلى بوابة أهم لكسب المال من قبل الشركات المنتجة. حتى الترويج الدعائي الذي تقدمه المنصات البديلة، بات أكثر حرفية من إعلانات الشركات المنتجة التقليديّة على القنوات التلفزيونيَّة. 

الدراما المشتركة
في المقابل، شجع سوق المنصات البديلة على الإنترنت، إضافةً لمجموعةٍ كبيرة من القنوات العربية التي باتت تستغلُّ قوة الحضور السوري في الدراما، شركات الإنتاج، على استقطاب الممثلين السوريين إلى الأعمال العربية المشتركة وبأجور عالية. فكان لمشاركاتهم دورٌ برفع سوق البيع لهذه الأعمال، مقابل تراجع أكبر للدراما السورية على الصعيد المحلي. استمرّت هذه الصيغة، وتحوَّلت إلى سلعة تجارية، مع وجود تجاوب واضح من قبل ممثلي الصف الأول السوريين، وتصدرهم عربياً كفنانين عرب.

التسويق لوجهة نظر النظام
توفّر للممثلين السوريين مساحة أوسع لتصدير أنفسهم عربياً، في حين باتت الدراما المحلية أسيرة للنظام، فاستغلها للترويج لإنجازاته عن طريق أعمال درامية تعكس الواقع السوري حسب وجهة نظر السلطة، لتبتعد بذلك الدراما المحلية عن إمكانية العودة للصدارة العربية في المستقبل، كما كان يحصل سابقًا. وفي سياق الأعمال العربية المشتركة، ونتيجة نجاح هذه الصيغة، بحثت شركات الإنتاج عن مساحة جديدة، وسوق له استمرارية في تدوير المال. فكان التوجه نحو صيغة المسلسلات القصيرة، عن طريق أخذ قالب الحلقات الجاهزة، أو ما يعرف بـ "الفورمات"، وتحويلها للعربية بحضور ممثلين سوريين وعرب. نلاحظ تراجع تقليد الحلقات الثلاثين، واقتصار الأعمال على عشر حلقات فقط. كما أنَّ هذه الأعمال صارت تعرضُ على المنصات البديلة خارج سباق الموسم الرمضاني، الشهر الدرامي التقليدي في العالم العربي.

"تعافٍ" بصيغة تجارية
معركة جديدة تبلورت أمام شركات الإنتاج السورية، إذ باتت أسيرة للنظام، وفي نفس الوقت باحثةً عن طريقة لتعيد هيكلة الدراما المحلية من جديد. في حين استفادت الدراما المصرية واللبنانية من نجومية بعض الفنانين السوريين الذين تم إدراجهم في جملة من الأعمال بأدوار رئيسية تألقوا فيها، رغم عقبة اللهجة، فقد كانوا من نجوم الصف الأول بدمشق، ليتحولوا لنجوم عرب: مثل باسل خياط وقصي خولي وتيم حسن وغيرهم. هذا العام، يبدو أن موسم 2020 سيكون بداية خروج الدراما السورية من العناية المركزة، وتجاوزها الأزمة التي حلت بها على مدار سنوات، ليكون "التعافي" بصيغة تجارية بحتة. فبعد إنتاج مسلسل "دقيقة صمت" الموسم الفائت في سورية، وحصده جماهيريّة عالية، اتجهت الشركات السورية من جديد لإنتاج أعمال في الداخل مثل "حارس القدس" من إخراج باسل الخطيب الذي من المحتمل أن يكون العمل الوحيد من إنتاج مؤسسة الإنتاج التلفزيوني الرسميَّة.
إذاً هو ازدحام حول الصناعة الدرامية السورية، فهل ستكون مرحلة التعافي التي يدعيها النظام حرّة على الصعيد الدرامي؟
المساهمون